المشهد الأول

ديبلوماسية شراء الذمم والمواقف

كان الاعتقاد سائدا أنه بمجرد أن يمسك رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني بزمام خيوط الديبلوماسية المغربية، سيقدم على تغيير استراتيجية العمل التي حكمت هذه المؤسسة منذ سنوات طويلة، فقد عاشت الديبلوماسية المغربية نجاحات قليلة وإخفاقات كثيرة ومتتالية، خصوصا على مستوى قضية الصحراء، إذ كان من المنتظر أن يقوم العثماني مسنودا بالشرعية الانتخابية لحزبه بسن سياسة هجومية تورم تحقيق اختراقات لفائدة قضية الصحراء واستعادة عدد من المواقع التي تغيرت لصالح الطرف الآخر( الجزائر والبوليساريو)، وأن يقوم في الوقت نفسه بالقطع مع الكثير من الممارسات السلبية التي تطال الديبلوماسية المغربية من قبيل غياب الكفاءة لدى عدد من الديبلوماسيين، واستشراء داء المحسوبية والزبونية في ما يتعلق بالتعيينات في مناصب المسؤولية في وزارة الخارجية، هذا بالإضافة إلى انعدام التواصل والإبداع والمبادرة لدى الغالبية العظمى من من المسؤولين الديبلوماسيين المغاربة، حيث يعمد أكثرهم إلى الانخراط في تطبيق سياسة “كم حاجة قضيناها بتركها”، لذلك تحولت إقامة عدد من السفراء والقناصلة بالعواصم العالمية إلى عطل مؤدى عنها، أو بالنسبة للبعض الآخر إلى تقاعد مريح بعد المرور بإحدى الوزارات.

من جهة أخرى، يعتري الفشل أيضاً أداء ما يسمى بالديبلوماسية الشعبية أو الموازية، حيث تفشت ظاهرة مشينة تتمثل في تمكين بعض جمعيات الريع من امتيازات مالية مهمة، لتتحول بذلك قضية الصحراء إلى أصل تجاري، هذه الجمعيات للأسف تأثيرها محدود، وفي غالب الأحيان تأتي تحركاتها بنتائج عكسية، هذا بالإضافة إلى قصور عمليات شراء ولاء اللوبيات، حيث يتم صرف ميزانيات باهظة للحصول على نتائج محدودة، كما هو الشأن مع الاستمالات المالية لبعض أعضاء الكونجرس الأمريكي، وهي العملية التي لاتفيد كثيرا قضية الصحراء بسبب نفوذ اللوبيات الأخرى المتعاطفة مع البوليساريو، ومن بينها معهد كينيدي لحقوق الإنسان ذي التأثير الكبير على قرارات عدد من المسؤولين التشريعيين والتنفيذيين الأمريكيين…

كما لم تنفع عدد من التنازلات الاقتصادية التي قدمها المغرب في شكل امتيازات استثمارية وتجارية وجمركية لفائدة عدد من الدول والمجموعات (لم تنفع) في حشد التأييد القوي وغير المتدبدب لقضية الصحراء، ومن ضمن هذه الامتيازات الصفقات الكبرى، والتراخيص المغرية، واتفاقيات التبادل الحر…

وهكذا كان على العثماني وهو يقف على أشكال وتمظهرات قصور الديبلوماسية المغربية، أن يخلق استراتيجية جديدة لتجاوز المعيقات والسلبيات السالف ذكرها، إلا أنه – وحسب ما يبدو من خلال أدائه- قد استسلم للأمر الواقع وللمخططات السابقة ولنفس الطرق الجاري بها العمل، والدليل على ذلك أنه يحاول إقناع عدد من أعضاء الحكومة بأهمية عقد اتفاقية للتبادل الحر مع دولة التشيلي، ليس بسبب منافعها الاقتصادية غير الموجودة، ولكن حسب العثماني لكي تؤيد التشيلي مواقف المغرب بخصوص الصحراء، في إطار مبادرة جديدة لتكريس سياسة شراء الذمم والمواقف التي كان العمل بها جاريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *