آراء

عيد عرش الحسن الثاني

كان الحسن الثاني رحمه الله ملكا استثنائيا.. لذلك كان عيد عرشه يوما استثنائيا ..كان 3 مارس  يوم عيد عرش الحسن الثاني رحمه الله..وحين يفرح الحسن الثاني كان على الجميع ان يفرح وحين يحزن الحسن الثاني  كان على الجميع ان يرتجف ويطلب الله اللطف فيما ستجري به المقادير ..

وبما أن عيد العرش مناسبة يفرح فيها الحسن الثاني  على اعتلاء عرش أسلافه المنعمين فقد كانت ربوع الوطن  تتحول إلى مهرجان احتفالي كبير.. فما أن يقترب الأسبوع الأخير من شهر فبراير حتى ترتفع الأعلام فوق البنايات والمعامل والمحلات التجارية والمنازل وحتى البراريك..ويتم تنصيب المنصات والخشبات في كل الساحات العمومية من اجل الاحتفالات التي تدوم وتدوم وتدوم .. للاشارة ،عندما نقول خشبة  أو منصة فمجرد ثلاثة براميل كبيرة فوقها ثلاثة مدريات تعلوها لافتة كبيرة وسط ساحة عمومية لمدينة نائية كانت تفي بالغرض..

والى الآن لازالت أتخيل الكتاب العباقرة الذين كانوا يتحفوننا بكتابة هذه اللافتات التي تعبر بأسلوب ركيك وبأخطاء إملائية عن تشبث المغاربة بأهداب العرش العلوي المجيد..مثل “شعبك السعيد يحتفل بعيدك المجيد” أو” كلنا جنود مجندون وراء السدة العالية بالله “…ناهيك عن لافتات الرياضي الأول و المعلم الأول و الطبيب الأول وغيرها من لافتات لازالت بعض بلدياتنا و عمالاتنا تتوارثها في إطار القطيعة داخل الاستمرارية..

ولكن بالنسبة إلي يعتبر الاستعراض أهم فقرات هذا العيد المجيد السعيد..كان الاستعراض آخر فقرات العيد قبل الاستماع و الاستمتاع بخطاب الحسن الثاني رحمه الله على الساعة الثامنة مساء..

جميع المصالح كانت مرغمة على الاشتراك في الاستعراض..كان موضوع المشاركة وطريقتها تعبران عن درجة الرعب الذي تكتنف رئيس المصلحة أو المندوب الذي يحاول إبراز المهام التي تقوم بها المصلحة او المندوبية باي شكل و باي وسيلة مع لافتة تعبر عن ولاء  رئيس وعاملي و مستخدمي وموظفي المصلحة  المشاركة في الاستعراض ..

وحتى المدارس لم تسلم ،اذكر وأنا صغير في المدرسة أن عيد العرش كان فرصة لبدء نشاط طويل يبدأ من العشر الأيام الأولى من شهر فبراير، حينها يتجدد العهد مع الطعاريج والبنادير والأناشيد والرايات الحمراء والخضراء، وتنظيف القاعات وصباغة جدران المدرسة كلها وإصلاح الطاولات وحضور المدير كل يوم على غير عادته..كنا نتدرب على أناشيد لازلنا نحفظها بالرغم من طفولتنا البريئة ..المحظوظون منا كان يتم اختيارهم للموكب الرسمي الذي سيمر في الاستعراض ملوحا بأعلام صغيرة للسيد العامل ورئيس الأعيان المدينة.

لازلت اذكر فقرة وزارة الصحة كانت أروع فقرات الاستعراض في مدينتي حيث يتمدد مريض على احد الأسرة المحمولة فوق شاحنة مكشوفة وقد علقت بيده زجاجة المصل  ويجلس بجانبه طبيب يجس نبضه.هذه هي اللوحة ولكن الشيطان يكمن في التفاصيل!!!

فذلك الشخص المريض هو احد أعوان المستشفى الذي دائما و منذ سنوات يقوم بهذا الدور في جميع الاستعراضات ربما لان لا أحد كان يريد ان يقوم بهذا الدور، إما حياء من المئات من الناس التي تتفرج على الاستعراض و إما مخافة أن يسقط فعلا مريض بسبب عين الحسود التي فيها عود .كنا نلقب هذا العون ببروسلي” لبعض الشبه مع الممثل بروس لي المعروف.

كان بروسلي رجلا مرحا يحب أن يشارك ويمثل هذا الدور في الاستعراض منذ سنين وبالضبط منذ اعتلاء الحسن الثاني عرش أسلافه الميامين .كنا نراقبه و هو ممدد على السرير قبل أن يصل الموكب إلى المنصة الشرفية وهو يلوح لمعارفه ويتبادل معهم القفشات والضحكات ويلوح بيده  في انتظار اللحظة الحاسمة. على عكس الممرض الجالس بجانبه الذي كان بتصبب عرقا من هذه الورطة التي أرغمه رئيسه على المشاركة تخليدا للعيد السعيد.

ولكن ما أن يصل الموكب إلى المنصة الشرفية حتى يتحول بروسلي الى جسد بدون حراك حتى انه زيادة في الإتقان يقوم بقطع أنفاسه فتنتاب الممرض الشاب، الذي لا يعرف بروسلي في مثل هذه الموقف، حالة من الذعر وترتجف يداه ويتصبب عرقا ويقوم فعلا بالتحقق من نبضات قلب بروسلي الذي يكتم انفاسه وضحكاته أيضا تحت تصفيقات عامل صاحب الجلالة على الاقليم والوفد المرافق له..

من اللوحات أيضا العالقة في الذهن، مشاركة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب حيث يجلس عاملان امام  سطل كبير اسفل صنبور معلق فوق قناة قصيرة  وعندما يصل الموكب امام المنصة الشرفية يتم فتح الصنبور لينزل الماء وسط السطل تحت تصفيقات الوفد الرسمي .وعلى عكس بروسلي فقد كان العاملان صارمين مخافة اقتراب الأشخاص من صنبور الماء فلو تم فتحه قبل المنصة الشرفية فلن ينزل الماء في السطل وحينها سيتعرض العاملان لاشد انواع التقريع من رئيس المكتب الذي يكون قد تصبب عرقا وهوجالس في كرسيه فوق المنصة الشرفية و العيون متوجهة له بسبب فشله الدريع في ايصال الماء الى السطل اسفل الصنبور ناهيك عن مئات القرى التي لازالت تنتظر دورها في وصول الماء الشروب الى صنابيرها.

أهم ايجابيات عيد عرش الحسن الثاني  انه كان مناسبة  لتفجير طاقات كامنة في جميع نواحي الفنون بالنسبة لتلامذة المدارس. في تجويد القرآن الكريم مثلا ، لأن بداية برنامج الحفل تحتاج الى مقرئ  يفتتح بالاية الكريمة ” انا فتحنا لك فتحا مبينا”  فكان يُنتَخب واحد أو اثنان بعد عمليات تمرين وتدريب تستغرق وقتا طويلا .علاوة على فن المسرح والغناء والرياضة.. فكنا نشهد مسابقات ثقافية ودوريات رياضية ، وجوائز مخصصة لمن يحصل على النقط الأولى بعد منافسات شرسة بين التلاميذ..

رحم الله الحسن الثاني ورحم الله ايام عيد عرشه فقد كانت أياما رائعة تتغنى بامجاد باني السدود وحامي الحدود ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *