ملفات

طقوس العرس عند قبائل أولاد يحيى بزاكورة

تتشكل قبائل أولاد يحيى من الكرازبة واخشاع وانشاشدة وأولاد عيسى وأولاد بشيح بكل فصائلها، إضافة إلى أولاد اشعوف ولكعابة.. ورغم قِدم استقرار هذه القبائل بقصور واحات درعة واستئناسها برقة حياة الواحات، فإن أغلبها مازال متمسكا بثقافته الأصيلة التي تميزها عن باقي القبائل الأخرى بزاكورة؛ ويتجلى ذلك من خلال طقوسها الاحتفالية أثناء أفراحها، وخصوصا أعراسها.

 

يبدأ العرس عند قبائل أولاد يحيى العربية الأصل بـ «الخطبة»، حيث يتقدم أهل العريس لخطبة البنت من أهلها بطريقة «سرية»، وبعد القبول على أسرة العريس يتم القيام بمبادرة أولى تقوم خلالها أسرة العريس بالتقدم علانية ورسميا إلى العائلة مصحوبة بما يسمى بـ «العلامة»، وهي عبارة عن لحم وسكر وثياب للعروس. وأثناء هذه الزيارة، يتم الاتفاق على المهر وترتيبات الزفاف وتوقيته.

 

الاستعداد للعرس

 

من أبرز مظاهره التبضع، وذلك بشراء المواد الاستهلاكية الضرورية (السكر، الشاي، أغنام للذبح …) إضافة إلى توفير وسائل العمل الضرورية من حطب وبناء غرفة العريس وترميم لكافة البيت التقليدي. وفي السياق نفسه تقوم النساء بتهيىء أنواع البخور والروائح المصنعة محليا، ومنها لخواض والخلخلة والحناء وأنواع العطر الذي يوضع في إناء يسمى «لخشاشة»، وهي عبارة عن قنينة من اليقطين.

 

ومن أهم مظاهر الاستعداد للعرس كذلك عملية طحن الحبوب، وهي عادة تكافلية رائعة تشارك فيها كل نساء القبيلة بالقصر في طحن الحبوب، استعدادا للعرس. وتتخذ هذه العملية طابعا احتفاليا جميلا.. فبعد تناول وجبة العشاء تتحلق نساء القبيلة حول الرحي، وأمامهم صف طويل من الرجال جالسين على مصطبة، لتبدأ النساء في الطحن والغناء بمساعدة الرجال في الغناء دون الطحن.

 

ويستمر هذا اللون من الغناء المتميز الممزوج بصوت الرحى حتى الهزيع الأخير من الليل طيلة أسبوع أو أسبوعين، ويستحسن أن تكون في الليالي المقمرة. وفي اليوم المتفق عليه لبداية العرس، وهو يوم «الحناء»، يرسل أهل العريس «الدفوع» إلى العروس، ويسمى الوفد المرسل إليهم «أهل البغلة»، حيث تكون البغلة محملة بالقمح والسكر والزيت والحناء والثياب، ويركب عليها أحدهم ممسكا أمامه كبشا سمينا، ويتبعه الآخرون نساء ورجالا بالزغاريد وترديد الأهازيج والأشعا.

 

ويستقبل أهل «الحناء» بالترحاب من قبل أهل العروس. ويبقى مع أهل العروس حتى «تطلي العروس»، أي حتى «تْحَنِّي» حيث تخضب كل جسدها بالحناء، لأنها رمز اليمن والبركة لدى هذه القبائل. بعد ذلك تلبس ثيابا خشنة من الصوف حسب العادات التي تقضي «بتغييب جمال وزينة العروس» إلى يوم الدخلة. وترافق العروس وزيرتها التي لا تفارقها طرفة عين، فهي حارستها وحاجبتها ومعينتها طيلة أيام الأسبوع التي تبقى فيها ببيت أبيها قبل انتقالها إلى بيت زوجها.

 

العريس

 

بعد رجوع «أهل الحناء» يطلي العريس نفسه، أي يخضب هو الآخر بالحناء ويلبس لباسا خشنا صوفيا في الغالب، ويضع على رأسه عمامة مخضبة بالحناء، ويتسلح بسيف ويرافقه طفل يدعى وزيرا، كما يزود العريس بسوط من جلد يضرب به الأطفال الذين يعيرونه بقولهم «لعريس لابس تليس ومرطو لابسة لغرارة»، ويقوم وزيره بمحاولة القبض على المشاغبين منهم وتقديمهم للعريس لتأديبهم بالسوط. وفي هذا التجاذب بين العريس والأطفال فرجة ممتعة.

 

تستمر الأفراح في البيتين طيلة أسبوع كامل، حيث تذبح الذبائح وتقدم الولائم لأهل القبيلة والقبائل المجاورة بدعوة شفوية أو كتابية. وكل قبيلة تتم دعوتها تأتي بما يسمى «تراكت»، وهي التي تعرف حاليا بـ«الهدية»، وتقدم لأهل العريس بواسطة أهازيج تدعى «سلسلة»، حيث يتشكل صف طويل من الرجال يرقص ويغني بأمجاد الأسرة والقبيلة بعد طلب «ضيف الله»، إذ يستقبل الطلب بالزغاريد والترحاب وكلمة «مقبول». وفي المقابل، فإن العروسين تتم دعوتهما هما الآخران إلى ولائم تقيمها مختلف أسر القبيلة تكريما لهما. ويرافق العروسين في هذه الولائم وزيراهما ووفد يظل ملازما للعروسين طيلة أيام العرس أفراده يعتبرون مستشارين لهما.

 

يبدأ العرس عادة يوم الخميس، وبعد أسبوع كامل حافل بالرقص والغناء والأكل والشرب، تكون ليلة الدخلة أو «الدخول» أهم حدث. في هذه الليلة بالنسبة للعريس هو «التلباس»، إذ بعد تناول طعام العشاء يتحلق حول العريس الرجال، ومن ورائهم النساء يجلسن تحت «ملحفة» يمسكها الرجال من أطرافها ويرددون والنساء بالتناوب أغاني غزلية رقيقة تمس شغاف الفؤاد وتوقظ الأحاسيس الدفينة في العريس بدرجة أولى. ويتكلف بعض العارفين بإلباس العريس حلته الجديدة، وهي عبارة عن فرجية وجلباب أبيض وسلهام من الملف الأسود ومجدول من الحرير الخاص (الحمالة) وخنجر محلي بالفضة.

 

لمشاط

 

أما بالنسبة للعروس، فأهم حدث هو «لمشاط»، إذ تتحلق النساء فقط لتسريح شعرها وتزيينها وتهيئتها لليلة العمر. وفي هذه العملية الطويلة تردد النساء أشعارا رقيقة مؤثرة تتضمن عبارات الحب والولفية وألم الفراق والوداع ولوعة تعرية المراسم والأوسام، ومما يرددنه «مشطو امهلوا يا امالي يا مشاطين لعروس. لبنات ما ايدومو مرسمهم خالي …» وبعد دلك تنقل العروس بواسطة بغلة أو سيارة (حاليا)، وعندما يقترب موكبها من بيت الزوج يكون أهل العريس وأقاربه في استقبالهم، بعدها تلتحق بالغرفة المخصصة لها في بيتها الجديد. وسط الزغاريد و«الواكدي».

 

المبايعة

 

بعد إلباس العريس وسط أقرانه يتقدم أفراد أسرته لمبايعته، متقدمة أمه نيابة عن الكل حاملة طبقا من فوق رأسها قائلة في مبايعتها له «هاي لالا مولاي السلطان ايبايعو ليه اماتو اوخوتو …»

 

الترواح

 

بعد المبايعة يقوم الرجال بمرافقة العريس إلى منزله مشيا على الأقدام من مكان الإلباس صفوفا متراصة واحدا وراء الآخر، مرددين أشعارا غزلية رقيقة تدعى الترواح. هذه الصفوف يتقدمها العريس وهو يمشي بتؤدة. وبعد إيصاله إلى بيته يتفرق الجميع متمنين له زفافا سعيدا وميمونا. ثم يخرج الجميع إلى المرقص أو الميدان المعد للاحتفال، فيما أنفاس أهل العروسين تبقى مشدودة ينتظرون لحظة قرع العريس للطبل المعد خصيصا لهذه العملية، إيذانا بأن العروس بكر. فتتعالى الزغاريد من طرف أهل العروس. وفي الصباح (صباح يوم الجمعة) يتقدم العريس للسلام على الضيوف، ويقدم لهم الفواكه الجافة (اللوز والجوز ..) ولا يغادر أهل العروس إلا بعد المساء عقب تناول وجبة الكسكس (الترديدة).

 

اليوم السابع

 

بعد الدخلة «التحزيمة» خلال أيام الأسبوع السبعة التي تلي الدخلة، تلازم العروس غرفتها ولا تبرحها إلا للضرورة، وهي محررة من العمل وجوبا. وفي اليوم السابع تهيأ لها الظروف لتقوم لأول مرة بتهييء طعام العشاء للأسرة، وذلك بارتداء لباس العمل مشمرة عن ساعد الجد، ويكون هذا إيذانا بانتهاء العرس وإعلانا عن اندماج العروس في الأسرة ومباشرتها لمهامها الاعتيادية وانخراطها الكلي في الحياة الاجتماعية. تبقى الإشارة إلى أن العرس عند قبائل أولاد يحيى يشكل إحدى الركائز الأساسية في لائحة التراث الحضاري بدرعة الذي نسجه مخيال هذه القبائل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *