آراء

بوعجاجة والنعامة

“ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﻑ ﺃﺧﻼﻕ ﺭﺟﻞ ﻓﻀﻊ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻓﻰ ﻳﺪﻩ ﺛﻢ ﺃﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﻳﺘصرف”

ﻣﻮﻧﺘﻴﺴﻜيو

بعيدا عن رمال الصحراء المتحركة التي لازالت تسمم علاقة الجزائر بالمغرب، و التي يحرص الجنرالات الماسكين بسلطة قصر المرادية على درها في عيون الرأي العام الجزائري، كلما اشتد الخناق على عنق النظام الحاكم الذي لا يهمه سوى أن يظل بوتفليقة حيا على كرسي الرئاسة، هناك رمال اخرى لم تتوقف عن الحركة من شاطئ سيدي افني محدثة بذلك انفصالا بين المسؤولية والمحاسبة، بل وجعلت المواطنين ينتبهون الى نهب أحد الموارد المهمة للتوازن البيئي ، دون أن يتحرك سيف القانون لقطع حبل العبث الطويل.

و قد كان من الممكن جدا أن تنضاف هذه العملية الى سابقاتها دون أن يثير ذلك استغراب أحد، لو لم يحل بغثة مستشارون من الجماعة بعين المكان ليبادروا، بعد حين، الى الاستفسار عن حيثيات قضية لم تتأخر في الكشف عن تفاصيل أثارت الدهشة بقدر ما اثارته من اشمئزاز!

أهلا بكم على متن شاجنة التحقيق لتكتشفوا معنا أبعاد خطر الرمال المتحركة، التي تفضل النعامة دس رأسها فيها تفاديا لعاصفة تتراءى في الافق، والتي ضبطها مستشارون جماعيون في حوزة <<شيفور>> اخر أقر بوجود “صفقة” مقايضة بينه وبين مستخدم ببلدية سيدي افني.

نحن في يوم الثلاثاء 12 نونبر 2013 ، كل شيء كان يبدو طبيعيا ككل زوال بسيدي افني، الى أن ورد خبر شاحنة تابعة للبلدية و قد خلفت في طريقها المفترض الى حي لا مريم شحنتها من رمال الشاطئ المنهوبة قرب ما يطلق عليه هنا ب “الكوادرا”. وهو الخبر الذي لم يجد طريقه للنشر الصحافي كما كان متوقعا؟؟؟

واذا كانت هذه القضية تبدو معزولة، وكشفت عن تورط البلدية نفسها ، إلا أنها تُميط اللثام عن ملف خطير يرتبط بنهب رمال الشاطئ، التي لا يحق للبلدية ولا لغيرها استخراجها كما هو منصوص على ذلك بوضوح في المادة الثالثة من المنشور الوزاري عدد 6/2010 بخصوص استغلال المقالع ومراقبتها ، كما يلمح، في الان نفسه ، الى احتمال وجود تواطؤ ضمني يستحق مواجهته وبلا هوادة.

لقد صار من الضروري كسر جليد التساهل المعيب، و اثارة الانتباه الى حجم الخسائر والاضرار التي تتهدد شاطئ استحال، دون علم وزارة التجهيز، منجما و موردا حصريا للربح لفائدة مهربين من طينة اخرى تجاوزوا حدود القانون، دون أن ننسى طبعا الاشارة الى وقوعه فريسة سهلة بين أنياب “كومبينات” أكملت ما تبقى من مسلسل الاجهاز على التوازن البيئي و فرص للاقلاع السياحي.

لذلك فمن حقنا أن نتساءل لماذا سارعت نائبة الرئيس بمعية رئيس القسم التقني الى الاحتجاج لدى الشرطة على محضر يؤكد فيه سائق الشاحنة بكونه استلم شحنة رمال الشاطئ من مستخدم البلدية!؟

أما السؤال الثاني، الذي يبدو ملحا اكثر من أي وقت مضى، هو اذا كان رئيس المجلس البلدي الدي نعرف أنه “مابقات ليه شرطا وحدا فالريزو”، فهل سيحرك عامل الاقليم ساكن قراراته الموضوعة على مكتبه ضد المشتكى بهم من سارقي الرمال الشاطئية، أم أنه سيستمر في تحرير جمل “الشفوي” قبل أن يسجنها من جديد فـ “ليطار” العام!؟

ثالثا وأخيرا، مالذي فعلته الفرقة الاقليمية لمراقبة المقالع، هذا إن اجتمعت أصلا، ضد ظاهرة نهب رمال الشاطئ، خصوصا و أن الجميع على علم بكميات هائلة من رمال الشاطئ تم نهبها قرب الميناء من طرف المقاولة ؟!

ولعل الملاحظة الاولى التي يجب ان نأخذها بعين الاعتبار، أن هده المدينة، التي يجمع الجميع على ضرورة ان تنال حظها من التنمية اسوة بباقي المدن التي انطلقت من لا شيء، ليست بالفقيرة، كما يعتقد الكثيرون من ابنائها، بل ان ما تحتها وما فوقها كاف لنقلها من سوء الحال الى حسن المآل متى توفر القليل من الخيال للطبقة السياسية الحاكمة، عفوا الحالمة، و التي لا تحلم سوى بالوصول الى مرفأ السلطة لتفريغ شحنة العُقد المتراكمة لديها.

فالفقر الحقيقي يوجد في مخيلتها المريضة التي لا تستعيد نشاطها الا عندما يبدا موسم الانتخابات أو لتصفية الحسابات السياسية أملا في توسيع قاعدة الشعبية، باثر رجعي، حتى لو كان ذلك على حساب مبادئ مُعلنة غالبا ما تجد طريقها الى الاختفاء عند اول محطة اختلاف؟.

ولهذا قد تفور سورة غضبك أحيانا وأنت تحاول فك طلاسم بعض الخطابات الجوفاء التي يتوهم أصحابها أنهم دخلوا في خانة الثوار، والى الابد، متناسين أنهم أقبروا ماقل من مواقف بسبب تضخم الأنا لديهم، و مرضهم المزمن بالزعامة القاتلة.

وللقارئ أن يتخيل في هدوء مقدار “التفرعين” الذي كان سيظهر على أمثال هؤلاء لو أنهم قضوا زهرة عمرهم في معتقلات الجمر والرصاص، فتجربة بسيطة في التسيير الجماعي أثبتت حجم الانهيار الاخلاقي و الافلاس السياسي، الذي يحاول بعض المخدوعين عبثا طلاءه بما فات من حفنة مواقف نضالية، متناسين أن الأصل في النضال ليس وضع بصمات عابرة على مسار الحياة بقدر ما هو الاصرار العنيد على الانحياز للحق، أيا كان صاحبه، دون مراعاة لتداعيات هذا الخيار “الثوري” او لحجم الخسائر المحتملة.

والمشكلة التي لربما لازالت قائمة في ذهن هؤلاء المرضى الذين سجنوا انفسهم طواعية في خانة الماضي أنهم أبعد ما يكون عن التحرر من قيود الانا المقيت الذي يقودهم، وعلى مضد، الى الطريق الخطأ، اذ أن قصة حبهم لما حققوه، و على قلته، صار في عينهم يعادل إنجازات الثوار الصناديد. والانكى من ذلك كله هو كونهم يلتفتون الى الماضي البعيد، من حين لأخر، كما لو كان مصدرا لشرعية تاريخية لا تنضب، بل وتمنحهم الحق لخداع الرأي العام والعبث بمستقبله.

إنه الرهان الخاسر اذن هو ما جعلهم يفقدون “فران” الحكمة حيث وجدوا انفسهم ضحية “كسيدة” سياسية، بعد حين، انتهت بهم الى قارعة التاريخ.، ويفضل أن لا نقول شيئا اخر.

وفي هذا المضمار لن ينقصنا في الحقيقة سوى التحلي بنظرة متوازنة لجرد لائحة الضحايا، فمن هم من قضى نحبه السياسي، ومن هم من ينتظر، وقد بدلوا تبديلا!

إن الحقيقة التي سيعجز العالم كله عن لي عنقها، كيفما كانت المحاولات لجمع أوراق”أركانة”، التي عصف بها خريف التسيير الجماعي، هي أن كل من يعلق امله على خلق “عجاجة” في سماء السياسة، لن يفلح في النهاية سوى في اثارة رمال الوهم العابرة التي يبدو أنها صارت وجهة مفضلة لبعض النعامات التائهة في صحراء التسيير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *