آراء

إلى د.”فؤاد بوعلي”: ما أضيق أفق الأمة التي جعلت لها “أبا زيد” عنوانا!

بطريقة تختلف، شيئا ما، عن تلك التي سلكها زميله في حركة التوحيد والإصلاح، د.”أحمد الريسوني”، لكنها تلتقي معها في الهدف، وتفوقها في التغليط والتظليل وتحريف النقاش عن مواضعه…، انبرى، من جهته، د.”فؤاد بوعلي” للدفاع، حقا وباطلا، على د.”المقرئ أبو زيد”، بواسطة مقال، على شكل رسالة موجهة للمعني بالأمر (نشرت ببعض الجرائد الإليكترونية في بداية الأسبوع الثاني من يناير2014 تحت عنوان: “إلى المقرئ: يكفيك فخرا أنك عنوان أمة“)، يحمل في طياته كثيرا من المغلطات وغير قليل من الغلو واللغو، شكلا ومضمونا، من أجل التغطية على زلة “أبي زيد”، المتمثلة في الإساءة إلى أهل سوس.

 ففيما يخص الدفاع الحق، لا يمكن إلا أن نشاطر د. “بوعلي” ونقف موقفه من الأفراد أو الجهات التي هددت (أو تهدد) د.”المقرئ أبو زيد” وأسرته، وننخرط في الحملة التضامنية والاستنكارية (التي قال عنها “بوعلي” إنها واسعة ومتناسلة من كل جهات المملكة وكل البلاد العربية والإسلامية)، مصدقين كل الكلام الذي قاله، سواء في شأن التهديد وطبيعته أو في شأن الحملة التضامنية وحجمها، لأننا ضد المساس بحرية الآخر (كيفما كانت طبيعة هذا المساس)، سواء كان هذا الآخر فردا أو جماعة؛ وسواء كان من هذا الجنس أو ذاك أو من هذا العرق أو ذاك أو من هذا التوجه الفكري والسياسي أو ذاك أو من هذا المذهب العقائدي أو ذاك… كما أننا ضد تهديد الناس في أمنهم الشخصي والاجتماعي والروحي، وضد كل خطاب يحرض على الكراهية والعنف. فلا يسعنا، إذن، إلا أن نندد، وبكل قوة، برسائل التهديد التي تلقاها د.”أبو زيد” أو تلقتها أسرته أو أحد من أفرادها. ونعبر له، بالمناسبة، عن تضامننا اللامشروط وعن إدانتنا لكل الأساليب الترهيبية التي استهدفته، أو استهدفت أسرته.

ونطالب، في هذا الإطار، بفتح تحقيق في الموضوع وإعمال القانون ضد الجهات التي تمارس الإرهاب والترهيب. ونعتقد أن الأمر سوف لن يكون عصيا على المحققين، مادام د.”بوعلي” يعرف الجهات المعنية بممارسة التهديد (جهات محسوبة على الحركة الأمازيغية، كما قال) وما دام التهديد قد تم بواسطة الهاتف (حسب ما جاء في بعض الأخبار؛ أما “بوعلي”، ربما لحاجة في نفسه، فقد تحدث عن رسائل التهديد ولم يشر إلى وسيلته أو وسائله، بينما أفاض في طبيعته). فالهواتف المستعملة (نقالة كانت أو ثابتة)، لها مالكوها؛ وهم مسجلون في قوائم زبناء شركات الاتصال.

ولسنا من الذين يحرِّفون النقاش عن مواضعه، ولا من الذين يحاكمون النوايا، ولا من المتشككين، حتى نشك أو نشكك في حجم التهديد ونفكِّر في قصد التهويل والاستغلال السياسي لتصرف صبياني، قد يكون صدر بالفعل عن جهات محسوبة على الحركة الأمازيغية (رغم كون الأمازيغ معروف عنهم أنهم مسالمون)، كما قال “بوعلي”، أو عن جهات أخرى لها حساباتها الخاصة، أو ربما عن أشخاص معزولين يفتقدون إلى التوازن الطبيعي وإلى فضيلة العقل والتعقل. لكننا نعتقد أنه بالإمكان محاصرة الظاهرة والتقليل من مفعولها، في انتظار قيام الجهات المسؤولة بواجبها. فالمتصل، إما أنه لا يخفي رقم هاتفه؛ و في هذه الحالة، من السهل على “أبي زيد” أن يقدم شكاية في الموضوع للجهات المعنية ويأخذ القانون مجراه؛ وإما أن المتصل، يخفي رقم هاتفه؛ فالموقف الصائب، في هذه الحالة، هو عدم الجواب على المتصل، وينتهي الأمر (وأنا أتحدث، هنا، عن تجربة؛ صحيح أنها ليست من عيار تجربة “أبي زيد”، لكنها تجربة مع تصرفات صبيانية وبليدة من هذا النوع ).

وقد يكون الاستغلال السياسي لهذه النازلة مشروعا، إلى حد ما؛ وللذين استغلوا زلة “أبي زيد” نفس القدر من المشروعية، وربما أكثر لكون البادئ يكون دائما أظلم! لكن ما ليس مستساغا هو الدفاع عن الباطل باختلاق الأعذار والنفخ في الجزئيات وركوب المغالطات باسم الوطن والأمة. فـ”بو علي” يدعي أن سبب الحملة على “أبي زيد” “ثلاث أحداث سياسية ومفصلية عرفتها الساحة الوطنية وكنا على يقين(كذا) أن الجواب سيأتي سريعا”(وكأن اتهام العرق السوسي بالبخل قد تم اختلاقه من طرف المتضررين منه للتغطية على الأحداث العظيمة التي أنجزها “أبو زيد” و”بوعلي”): 1. النجاح التاريخي للمؤتمر الوطني الأول للغة العربية ؛ 2. فشل حملة التلهيج لدعاة الفرنكفونية والأمازيغية؛ 3. وضع مشروع قانون في البرلمان المغربي لأول مرة، يجرم التطبيع مع إسرائيل. ويعني هذا الكلام الغليظ أن كل من واخذ “أبا زيد” على نكتته السخيفة التي أساءت إلى كل السوسيين المنتشرين عبر الوطن (وإلى كل الأمازيغيين وغير الأمازغيين الذين يعتزون بتعدد روافد ثقافة بلادهم)، هو ضد اللغة العربية وضد القضية القومية وضد الأمة التي جعل “بو علي” “أبا زيد” عنوانا لها.

أليس هذا هراء في هراء؟ أليس هذا تحريفا للنقاش عن مواضعه؟ أليس هذا تزويرا للحقيقة وللواقع؟ أليس هذا قمة الإسفاف؟ أليس…؟ أليس….؟ ويكفي القارئ أن يلقي نظرة سريعة على ما نورده، هنا، من كلام “بو علي” في هذين القوسين (“عناوين ثلاثة أزعجت كثيرين خاصة أن للمقرئ فيها دورا أساسيا: فهو رمز من رموز الدفاع عن العربية وخرجاته وبياناته في البرلمان [ولعل أفصح بيان وأشهره تلك النومة العميقة على مقاعده الوثيرة التي طبقت الآفاق]… وموقفه القوي والعلمي من طرح التلهيج انتشر بسرعة انتشار النار في الهشيم، ومواقفه من الصهيونية واضحة وله جولات وصولات في مسار مواجهة التطبيع في كل بقاع العالم. عناوين ثلاثة شكل فيها المقرئ العنوان الجامع. لذا فالرد كان من دعاة التدريج والتجزئ والتطبيع، هي عناوين متعددة لكنها فصل واحد من قضية واحدة”)، ليدرك مدى قلب الحقائق وتشويهها ومستوى التزوير وتحريف النقاش عن مواضعه، ليعلي من شأن صاحبه الذي يتقاسم معه القناعات الاستئصالية والفكر الأحادي الذي لا يقبل الاختلاف، بل يمجد الاستبداد ويبحث له عن المشروعية.

ولنفترض أن كل ما قاله “بو علي” صحيح فيما يخص دعاة التلهيج، مثلا. فماذا يساوي ما قاله “أبو زيد” في هذا الموضوع، بالذات، أمام الخطاب العلمي الرصين(وليس الإيديولوجي الهجين) للدكاترة “عبد الله العروي” و”عبد القادر الفاسي الفهري” و”محمد العمري” و”سعيد بنكراد” وغيرهم كثير؟ أما في مسألة مناهضة التطبيع، فيكفي أن نشير إلى واقعة حضور الإسرائيلي الصهيوني المعروف، “برنشتاين”، كضيف من ضيوف المؤتمر الوطني السابع لحزب العدالة والتنمية الذي يعتبر “أبو زيد” من قيادييه البارزين. فكفى من الازدواجية فكرا وسلوكا وكفى من النفاق السياسي ومغالطة الرأي العام… ويزداد وزر هذه الآثام حين يقترفها أستاذ جامعي (وله تخصص علمي لصيق بالنقاش الدائر في البلاد حول المسألة اللغوية وتعقيداتها؛ ونعني بذلك اللسانيات)، يفترض فيه أن يتسم بالموضوعية ويعتمد الحجة العلمية ويتحلى بالنزاهة الفكرية وبتواضع العلماء، أو على الأقل، وهذا أضعف الإيمان، أن يمسك، حين غياب هذه الصفات الجميلة، عن الخوض في المسائل الشائكة والخلافية: فلا يزور الحقائق لا تشويها ولا تجميلا.

 لكن الحَميَّة، غالبا، ما تستأثر بعقول الذين يعتقدون أنهم يملكون كل الحقيقة أو الذين لهم استعداد لتزويرها لتتناسب مع أهدافهم التي، للأسف الشديد، يلبسونها، زورا وبهتانا بالطبع، رداء الوطنية والصالح العام وموروث الأمة (وأساسا، الدين الإسلامي الحنيف)، إلى غير ذلك من المبادئ والقيم السامية، لدغدغة عواطف البسطاء (حتى وإن كانوا من أصحاب الشهادات العليا) وتأليبهم ضد المخالفين لرأيهم؛ وذلك ليس فقط من أجل انخراطهم في حملة الإرهاب الفكري التي يقودونها، بل وأيضا من أجل ضمان أصواتهم في العمليات الانتخابية، جماعية كانت أو تشريعية. لذلك، تراهم يبيحون لأنفسهم ما ينتقدونه عند غيرهم.

 وانسجاما مع هذا التوجه، وإمعانا في التظليل وفي تهريب النقاش، وتأكيدا لمواقفه العدائية من أحد المكونات الأساسية للشخصية المغربة وللنبوغ المغربي – وأقصد بذلك اللغة الأمازيغية التي أصبحت، مع دستور فاتح يوليوز 2011، لغة رسمية، إلى جانب اللغة العربية؛ تلك الدسترة التي سبق لـ”بو علي” أن وصف مجرد الحديث عنها بالخطير، في مقال له بجريدة “التجديد” ليوم 14 أبريل 2011- راح صاحبنا( في فقرة مهلهلة التركيب وتعج باللُّبس والخلط، حيث تراه يبرر ويدافع ويزكي ويخِّون ويهاجم ويتهم ويبرئ ويتنبأ، الخ) يحرِّف النقاش عن مواضعه ويبحث في ردود الفعل القوية والفورية على نكتة “أبي زيد”(التي تحدث فيها عن عرق معين، وليس عن لسان معين) عما يبرئ به صاحبه، بل ويجعل منه ضحية؛ وفي المقابل، اعتبر أن الذين تصدوا له بالنقد للدفاع عن كرامتهم، يشكلون تهديدا للوحدة الوطنية ووحدة المجتمع المغربي. وانسجاما مع منطق التخوين (والمؤامرة) الحاضر بقوة في ثنايا المقال، جعل ردود الفعل على زلة “أبي زيد”غطاء لـ”أجندة الهلال السامي الخصيب والتقسيم الآتي بدل التوافق المرسوم”، و”رسالة تتدثر بالأمازيغية للقضاء على كل مفردات الوطن والانتماء والمشترك الجمعي”؛ والحال أن ردود الفعل تتعلق بالوصف القدحي والمهين الذي أطلقه “أبو زيد” في حق العرق السوسي، متهما إياه بالبخل؛ ولا علاقة، هنا، للغة (لا العربية ولا الأمازيغية) بالموضوع. فهذا كذب وبهتان وافتراء واختلاق…وانتصار صاحبه للزور المحرَّم شرعا وقانونا.

وختاما، فإذا كان د. “المقرئ أبو زيد” قد اعتذر عن زلته، كما أشارت إلى ذلك بعض المنابر الإعلامية – وهذا أمر محمود ومطلوب؛ ذلك أن الاعتراف بالخطأ فضيلة-، فإن خطاب “بوعلي” (وقبله “الريسوني” ومن لف لفهما) قد أصبح ليس فقط متجاوزا وغير ذي موضوع، بل ومذموما ومُدانا، لكونه نصَّب نفسه مدافعا عن الخطأ ومنحازا إليه انحيازا سافرا؛ وبالتالي، فهو يندرج ضمن سلوك من أسماهم السيد “لحسن أمقران” بـ”صناع الفتن” (“الجزيرة ريف”، 17 يناير 214) “من دجالي الطائفية وتجار الدين”. ولا أحتاج، هنا، أن أُفيض في لخلفيات الإيديولوجية المؤطِّرة لهذا النوع من الخطاب. لكني، لا بد أن أبدي حسرتي على الأمة (حاضرا ومستقبلا) وعلى وطني(المتنوع والمتعدد والغني بأعراقه ولغاته وثقافاته…) الذين اختزلهما “بو علي” في شخص “المقرئ أبو زيد”. فبِأس المطمح والمطمع!!!

استدراك: إن فكرة تكريم “المقرئ أبو زيد” وكونه قبل هذا التكريم (الذي أراد أصحابه أن يجعلوا منه حدثا) في مدينة الحاجب، بوابة الأطلس – في الوقت الذي لا زالت فيه تداعيات نكتته المعلومة تتفاعل بين الأمازيغ- لدليل على أن المنظمين والمحتفى به يفتقدون الحكمة والتبصر ويركبون الاستفزاز والتهور ويزرعون بذور الفتنة والتفرقة ويهددون (بفكرهم المنغلق الذي ترعاه جمعياتهم الدعوية والدعائية، المنتشرة عبر أرض الوطن) تماسك المجتمع المغربي. وما وقع من احتجاجات على حضور “المقرئ أبو زيد” إلى مدينة الحاجب، يؤكد قوة أثر الإساءة وعمق الإهانة التي شعر بها المغاربة الأمازيغ وغير الأمازيغ. ويحق للمرء، بعد هذا الحادث، أن يتساءل عن مدى صدق ومصداقية الاعتذار الذي قيل إنه قد قُدِّم في الموضوع؛ وكذا مدى جدية التهديد الذي تلقاه المعني بالأمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *