ثقافة وفن

عبد السميع بنصابر: الفايسبوك غيّرَ نظرة الكاتب للقارئ الرقمي

عبد السميع بنصابر، كاتب شاب من مدينة الداخلة، صدرت له مجموعتان قصصيتان: “حب وبطاقة تعريف” و”الرقص مع الأموات”. حائز على مجموعة من الجوائز الأدبية في المغرب وخارجه.

بنصابر الذي أصدر قبل أيام رواية “خلف السور بقليل يتحدث في هذا الحوار عن “أدب الفايسبوك” عن النقد المجاملاتي بين الكتاب والشعراء وأشياء أخرى.

– بن صابر، هل يمكن الحديث عن “أدب فايسبوكي” مستقل؟

– لا أعتقد، على الأقل حالياً، وإن كان من اللازم الحديث عن أدب يكون بذرة الفايسبوك، فلا بُدّ أن ننتظرَ قليلاً، ريثما يتشكّل شيئاً فشيئاً إلى أن تتبيّن كُل معالمه.. فكل ما يُنشرُ إلى حدّ الآن هُناك لم يبرَح بعدُ التّجنيسات المعروفة (شعر، قصة، مقاطع روائية، يوميات..)، وإن استطاع الفايسبوك إفراز جنس أدبي جديد، فلا أعتقِدُ أنهُ سيبتعدُ عمّا سبق من أجنــاس. ومعظم “الستاتوهات” التي تُنشَرُ حالياً على موقع “الفايسبوك” غالباً ما تكونُ خليطاً بين تلك الأجنــاس الأدبية، تمتحُ في ذلك السّرد من القصة والرواية، والصُورة من الشّعر، والحوار من المسرح، والبوح من اليوميات.. وطبيعة هذا “النص الفايسبوكي” تُفرزهُ طبيعة النّشر الرقمي اليومي، كما حدثَ مع جِنسَي المقالة والقصة الّتي أسهَمت الصُّحُف في ترويجهما بشكل خــاص.

يلاحظ أن ظاهرة المجاملات بين الأدباء ضربت بأطنابها في أرض الفايسبوك بشكل لافت، كيف ترى هذا الأمر؟

– لا يمكنني إلا الاعتراف بوجود ظاهرة النقد المجاملاتي أو الأصدقائي وبكثرة، والمؤسف أن يتورّط فيها العديد من الأدباء، بدعوى التشجيع. ولا أعتقدُ أن ثمة داع لتشجيع نصوص مليئة بالأخطاء، وتفتقد الحدّ الأدنى من الفنيّة. ومع ذلك فنحنُ لا نعيب على هؤلاء هذا التوجه بدافع الهجوم، لا طبعا، إذ نؤمن أن عبارات المجاملة تلك تنم عن نُبل وتفاؤل ما، لكن ما هي النتيجة؟ أقلام تدّعي امتلاك ناصية الأدب من فرط الغرور دون أي اعتبار لذوق القارئ، وإذا ما قُوبِلت تلك “النصوص” بنقد ما، سواء من قبل المُختص أو القارئ العادي، جُوبِهَ بـأحكام مُعلّبة سلفاً (قصور في فهم القارئ، ضُعف الذوق..إلخ).. فإما أن تقول (رائع !) وإلا فأنت لا تفهم “الأدب” وتفتقر إلى “الذوق”.. وهذه الصرامة لا يُمكن طبعا أن نُسقِطها على كُلّ ما يُنشر على صفحات الفايسبوك، فليس كُلّ ما يُنشَرُ هناك أدباً.. إذ ثمة أقلام لا تدّعي الأدب، وتجعل من هذا الموقع مجالا للتواصل والبوح بالهموم اليومية والطموحات المشتركة، وشخصيا أتفاعل معها بكل جدية أيضاَ، كيفما كانت درجة فنيّتها، لأنّ المرء في نهاية المطاف يكتُب مشاعره وأحاسيسه على صفحته الشخصية، ولا يضعُها على طاولة دار نشر حتّى يُتَعاملَ معها بنفس الصرامة التي تُقابَلُ بها النصوص الأدبية التي تحدثتُ عنها آنِفاً.

المتابع لصفحتك يلاحظُ شغفَ القُراء بأسلوبك السّردي الساخر في غالب الأحيان، سواء من خلال نصوصك الطويــلة أو شذراتك الشعرية القصيرة.. ما السر في ذلك؟

– لا أكتبُ إلا نتيجة تشجيع العديد من الأصدقاء والأحبة الذين أتقاسم معهُم الفضاء الأزرق، ومن أفضال الفايسبوك على الكاتب، هو أنه استطاع تقريب المسافة الفاصلة بينه وبين القارئ المُفترَض، فمن خلال التعليقات أو الرسائل الخاصة يستطيع الكاتب الاقتراب أكثر من اهتمامات القُراء وأذواقهم، وهذا ما يجعله يُعيد النظر دوماً في طرائق الكتابة لديه، ويسعى إلى صقل موهبته بشكل مُتجدد، ليصير مختبر الكتابة ورشا مفتوحا.. وبالنسبة لي، أنشُرُ على صفحتي إما نُصوصا سبق أن نشرتُها ورقيا سواء ببعض الجرائد أو ضمن أحد كُتُبي المطبوعة، وإما أنشر نصوصا جديدة، تُساير المستجدات السياسية والثقافية والاجتماعية.. وأحاول ما أمكن أن أحافظ على قالبها الفني حتى لا تتحوّل إلى نصوص جافة، دون إغفال آراء القارئ، الذي نلاحظُ اهتمامه بالكتابة الأدبية السلسة التي تعتمد عوالم بسيطة تكون تيمتها في غالب الأحيان نوستالجيا مُشتركة.. كما أعمدُ في النصوص إلى ترويض اللهجة العامية ومُحاولة تفصيحِها، وهي عملية سبقَنا إليها العديد من رواد السّرد المغربي كالراحل محمد زفزاف والأديب الأميــن الخمليشي.. أما بخصوص النصوص الطويلة، فالفايسبوك غيّرَ نظرة الكاتب للقارئ الرقمي على أنه يجنح أكثر إلى الومضات القصيرة، إذ إن هذا الأخير يبحثُ بالضرورة عن متعة الكتابة، ولا يُشكلُ حجم النصوص بالنسبة إليه أي عائق للاطلاع أو المتابعــة.

ما رأيك في دعوة البعض إلى التحرر في الأدب، واجتراح مواضيع مسكوت عنها كالجنس بشكل مُباشر؟

– عندما نكتُب، فإننا نكتُب لأنفسنا، وعندما ننشر نكون قد أقحمنا طرفاً آخر (القارئ) في المُعادلة، لذلك أرى شخصيا أنّ الكتابة التي تثقُ في نفسها لا تحتاج التّعري لتُعجب القارئ.. الكتابة –كما سبق أن كتبت- تُعرّي ولا تتعرّى، إنّها ذكية.. ساخرة.. زئبقية، تجعل الجميع يعتقدُ أنه امتلكها، لكن هيهات!.. وأعتقد (شخصيا دائماً) أنه من الممكن أن نكتُب عن كُل المواضيع، وبطرق جميلة وراقية، دونما الحاجة إلى لغة فجّة مباشرة.. فالقارئ ذكي بما فيه الكفاية..

هل تعتقدُ أن النشر الفايسبوكي هو بداية نهاية النشر الورقي؟

– لا أعتقد ذلك، ولا أحب أن يكون الأمر كذلك.. النشر الفايسبوكي امتداد للنشر الورقي طبعاً، والكُتابُ يُبدعون انطلاقا من حمولات سابقة. ولا بُدّ هُنا أن أنوه بالمجهود الكبير الذي يبذله الأصدقاء الأساتذة (أحمد بوزفور، عبد القادر وساط، محمد علي الرباوي) على صفحات الفايسبوك، من خلال الرسائل التي يتبادلونها منذ مدة، والتي قرّبَت القُراء كثيرا من الأدب العربي القديم بشكل متميز جداً، إذ أنه باستحضار صعوبة عودة قارئ هذا الجيل لأمهات الكُتب، إما لحجمها الكبير، أو نُدرتها، فقد استطاع هؤلاء الأدباء إعادة تشكيل موادّ تلك الكُتب بطريقة أقرب إلى “رسالة الغُفران” لأبي العلاء المعري، والتي نقلها عنه المنفلوطي من خلال قصة “البعث” التي أورَدها بالجُزء الثالث من كتاب “النظرات”.. حيث يصير من العادي جدا لقاء أحمد بوزفور بالشنفرى، ومناقشتهما قصيدة لمحمد علي الرباوي قام بترجمتها الدكتور عبد القادر وساط مثلا.. وما لا نهاية لهُ مما يُسميه الشاعر الكبير الرباوي “الهبل الجميل”.. تلك الرسائل في نظري تُشكّلُ كتاباً مُتجدداً، لكن يلزمه التوثيق الورقي حتى يغدوَ مرجعاً.. وهذا ما فطن إليه الدكتور عبد القادر وساط، الذي يستعدُ لنشر تلك الرسائل قريبا في كتاب ورقيّ. كما ألاحظُ بدوري أنّ العديد من الكُتاب يطمحون إلى تجميع شذراتهم الفايسبوكية في كُتب ورقية.

ما هي مشاريعُك المُستقبلية؟

– صدرت لي قبل أيام روايتي “خلف السور بقليل” عن منشورات اتحاد كُتاب المغرب، وبعدها سأنشرُ مجموعتي القصصية الثالثة “السكابَندو” إن شاء اللــه، وقد بدأتُ منذ مدة الاشتغال على رواية جديدة، وأتمنى أن أتوفق فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *