آراء

الحكامة الجيدة مدخل لإصلاح البيت الحزبي

إن تطوير العمل السياسي وتقوية ثقة المواطنين في السياسة رهين باعتماد الحكامة الجيدة في تدبير الشأن الحزبي، وتوفير الآليات الديمقراطية لضمان انخراط واسع لفئات الشعب في الأحزاب السياسية، حيث إن التغيير والإصلاح يجب أن يبدأ من داخل الأحزاب ليتحقق على صعيد المجتمع ككل،ومن أجل الخروج من أزمة غياب الديمقراطية داخل الاحزاب السياسية،لابد من اعتماد شروط ومبادئ الحكامة الحزبية الجيدة ومن خلال تكريس الديمقراطية الداخلية.

لم تخل الكتابات التأسيسية حول الظاهرة الحزبية من التأكيد على المقومات اللازمة لقيام الحزب ونشوئه والشروط الضرورية لامتلاكه صفة الديمقراطية الداخلية،فلكي يكتسب التنظيم صفة الحزب الديمقراطي يحتاج الى شرعية تبرر وجوده وتضفي المشروعية على استمراره.

فالتفاف المواطنين حول حزب ينضوون تحت لوائه،لم يكن مجرد نزعة عفوية أو نزوة دون معنى،بقدر ما كان خيارا إراديا ووعيا سعيا من خلاله الى الدفاع عن جملة أهداف ومقاصد ومطالب، هي من قبيل المشروع المجتمعي الذي ترفعه شريحة أو طبقة وتناضل من أجل انتصاره.

فالحزب هنا يستمد وجوده من حاجة المواطنين اليه،غير أن شرعيته تصبح ديمقراطية حين يلتزم على صعيد الممارسة،باحترام اسس التعاقد الذي أعلنت ميلاده،أي الدفاع عن المشروع المجتمعي الذي تكاتف أعضاؤه من أجل بلورته وصياغة محاورة،مما يعني أن الحزب كي يستمر ديمقراطيا،ملزم باحترام حق أفراده في المناقشة والحوار والنقد والمساءلة والمحاسبة، وفق قوانينه الاساسية والداخلية، وبحسب التوجهات التي تشكل ثوابت هويته ووجوده وما دون ذلك ينزع عن الحزب صفة الديمقراطية ويحوله إطارا أو تنظيما ليس إلا.

إن أهم العناصر المساهمة في تكريس الديمقراطية الداخلية للأحزاب السياسية تكون على مستوى التنظيم الحزبي ثم على مستوى صنع القرار.

على مستوى التنظيم الحزبي:

ضرورة وجود قوانين داخلية ورؤية استراتيجية واضحة حيث يحتاج الحزب السياسي لتحقيق النجاح ودعم الديمقراطية الداخلية الى الأخذ بتنظيم واضح،تسطر فيه الأدوار والمسؤوليات والسلط على كافة مستويات الحزب لضمان التنسيق والترابط.

في هذا الاطار تنص المادة 20 من قانون الاحزاب على أنه يتعين على كل حزب ان يتوفر على برنامج مكتوب ونظام داخلي مكتوب،وصيغة الوجوب هذه مفهومة فيما يخص النظام الاساسي على اعتبار ان الشروط الشكلية لتأسيس أي حزب موقوفة أصلا على مشروع النظام الاساسي أما البرنامج والنظام الداخلي فهي مجالات من الأفضل ترك حرية صياغتها وتبنيها لأجهزة الحزب طالما أن مفهوم البرنامج اساسا مرتبط بالاستحقاقات الانتخابية وبالإمكان تغييره وبتغير الظروف في حين أن النظام الداخلي هو شأن حزبي داخلي لا يمكن التقيد باتخاذه مسبقا مادام أن الضامن أصلا لاحترامه للضوابط الديمقراطية هو النظام الأساسي والذي يحدد القواعد المتعلقة بتسيير الحزب وتنظيمه الاداري والمالي وفقا لأحكام القانون المذكور.

يتميز الحزب السياسي بكونه يتأسس على وحدة الرؤية السياسية والايدولوجيا التي تحكم أعضائه بغض النظر عن مواقعهم الاجتماعية والمهنية أي بضرورة وجود رؤية محددة وبرامج مدروسة في كل مؤسسة حزبية.

التداول على مركز القرار

فكما أن للديمقراطية جوهر ومعنى،فللحزب الديمقراطي بدوره مواصفات وضرورات تتأسس الديمقراطية على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة،واحترام حقوق الانسان،يقوم كيان الحزب الديمقراطي على مبدأ الشرعية والشفافية الداخلية وقاعدة التعددية واليات التداول على القيادة.

كما أن مقاصد الحزب،وهو يروم تحقيق الديمقراطية،اقرار قاعدة التداول على السلطة واحترام الحزب لدورية انعقاد مؤتمراته ومسطرة انتخاب قياداته محليا ووطنيا،وتجديد دوائر صنع قراراته،فالمطالبة بتداول السلطة لا تنصب على الدولة ومؤسساتها فحسب،بل تسري بالضرورة على الحزب وهياكله فالحزب كالدولة مؤسسة مبنية على روح التعاقد،وحيث أن العقد يرتب على صاحبه حقوقا وواجبات،يغدو التداول على السلطة حقا يمارسه العضو بشكل شخصي وإرادي،دون تفويت أو تفويض.

تمثيلية النساء والشباب

إن قياس تطور المجتمعات الحديثة،أصبح يتم من خلال معاينة مؤشرات نموها الاقتصادي والتكنولوجي ولكن أيضا مؤشرات مشاركة الافراد والمواطنين في الحياة السياسية وتسيير الشؤون العامة،من هنا تظهر أهمية اشراك النساء والشباب في الحياة الحزبية،عبر التنصيص في القوانين الاساسية أو الداخلية للأحزاب على ضرورة تخصيص نسبة مئوية لفائدة النساء والشباب قصد تيسير ولوجهن وتبوئهن مقاعد قيادية،ومن جهة أخرى،في حال أقر القانون تخصيص الاحزاب السياسية بمساعدات مالية،يمكن ادخال مبدأ الحصة النسائية والشبابية ضمن مجموعة المعايير التي قد تعتمدها الحكومة لتوزيع المساعدات على الاحزاب.

يعتبر تشجيع المشاركة السياسية للنساء والشباب مسألة جيدة،وبالتالي يرى الكثيرون أن ينص القانون الاساسي على تخصيص حصة للنساء والشباب.

نشر ثقافة المسؤولية:

الشفافية الحزبية حيث تعرف الشفافية بأنها ظاهرة تشير الى تقاسم المعلومات والتعرف بطريقة مكشوفة لمن له مصلحة في الاطلاع على ما يدور في تلك المؤسسة،وأن يحظى بما يخص الشأن العام من معطيات ومعرفة،وتمتلك الانظمة ذات الشفافية في العادة اجراءات واضحة لكيفية صنع القرار على الصعيد العام،كما تمتلك قنوات اتصال مفتوحة بين أصحاب المصلحة والمسؤولين،وتضع سلسلة واسعة من المعلومات في متناول الجمهور.

ومن جهة أخرى يقصد بالشفافية الحزبية سيادة نوع من العلاقات البائنة والظاهرة بين الاحزاب والسلطة في اطار المشاورات السياسية والابتعاد عن التوافقات السرية وخاصة “كولسة الحوار السياسي” وسلك الوضوح والعلانية والانفتاح على المواطنين ووسائل الاعلام والمجتمع المدني حيث يؤدي ذلك بشكل أو بآخر الى تعزيز القدرة التفاوضية للأحزاب التي تستفيد من السند الشعبي ودعم الرأي العام.

ثقافة ادارة الاختلاف

والحزب حين يطالب بالديمقراطية يكون ملزما بممارستها داخله،صحيح أن الحزب ليس ملتقى للنقاش أو ناديا مفتوحا،بل هو اطار مؤسس على مبدأ المركزية الديمقراطية التي تخول القيادة صلاحية صنع القرار بعد مناقشته وتداول حيثياته قاعديا،بيد أن الحزب كي تتوسع دائرته ويتقوى جسمه،ويتطور تفكيره،مطالب بإطلاق صيرورة الاختلاف داخل هياكله وبين أعضائه،عبر احتضان الاتجاهات ورعايتها وصيانة حقوقها في التعبير وإبداء الرأي،علما أن هناك فرقا بين ممارسة الاختلاف داخل الوحدة الحزبية والاندفاع فيه الى حد التناقض مع هوية الحزب وثوابت وجوده،فالحزب الديمقراطي هو الذي يمتلك ثقافة ادارة الاختلاف والاعتراف بشرعية الاجتهاد.

التقويم الذاتي

التقويم هو عملية مراجعة شاملة للأفعال والقرارات أو الاجراءات المتخذة،يرمي بالأساس الى ادراك نواقص الفعل وثغراته،ومستوى ما حققه من نتائج عملية،الشيء الذي من شأنه أن يسمح بإجراء التعديلات والإصلاحات اللازمة على الخطة الاساسية وعلى أساليب العمل،وحيث أن المحاسبة والمراقبة تشكلان شروطا هامة لإجراء التقويم المستمر،فإن العمل الحزبي كيفما كان نوعه ينبغي أن يخضع للتقويم والمراقبة داخليا وخارجيا،فغياب ثقافة المراقبة داخليا،تجعل من ممارسة العمل الحزبي من خلال المشاركة في تدبير الشأن العام المحلي والوطني يظهر في صورة مشوهة لانعدام ثقافة التقويم في عملية التكوين والتأطير داخل هذه الاحزاب،وشرط المحاسبة يجعل كل منخرط في الحزب من خلال موقعه خصوصا إذا كان مسؤولا،قادرا على معرفة ما يجب عليه القيام به ومتى وكيف يتعامل مع الظرفية،كما يجنب سوء التدبير،ويعمل على حماية المال باتجاه تحقيق الادارة الرشيدة ماليا وإداريا.

إن نشر ثقافة التقويم الذاتي لدى أعضاء الحزب والمسؤولية سوف يدعم ولاشك مقدرات الحزب على تجاوز العديد من مشكلات المراجعة والتقويم،بيد أن نشر مثل هذه الثقافة بدل اللامبالاة لن يكون بالأمر اليسير وإن بدأت بعض بوادره تظهر لدى بعض الشخصيات السياسية.

*أستاذة باحثة ودكتورة دولة – تخصص الحياة الدستورية والسياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *