آراء

بدون

تعاني الضاوية من حالة اكتئاب، لا شيء يعجبها منذ التحاقها بركب محو الأمية، أصبحت تفكر بشكل جدي في حقيقة تلك الكلمة التي تعشعش في بطاقة تعريفها الوطنية “بدون”. فجلست كعادتها تنتظر الحلقة الألف من مسلسلها التركي سامحيني. فتتأمل في بطاقة تعريفها لعلها تستطيع فهم شيء. فسألت نفسها أسئلة لم نعرف لها ماهية فحملت نفسها باتجاه معلمة القرية بحثا لها عن بقعة ضوء تسقطها في دوامة “الثامن من مارس”.

الضاوية تريد تغير كلما يحيط بها، لا منزلها أصبح يعجبها ولا الأولاد ولا حتى الزوج. لا شيء قادر على إسعادها منذ اكتشافها بأن الدولة لا تعترف بها كإنسان له دوره في الحياة. أصبحت تحس برتابة قاتمة تخنق حياتها فتتناسل الأسئلة في داخلها كالكوابيس المزعجة عن جدوى حياتها، وما تلك الأعمال التي تقوم بها صباح مساء أليست وظيفة في حد ذاتها. لا أحد ممن يحيطون بها يريد أن يفهم أن المسألة أعمق بكثير. فالضاوية تريد رد الاعتبار. الضاوية تسعى إلى تحرير المرأة “اللي هي كالسة فالدار” من عبودية المطبخ، بعدما شرحت لها معلمة القرية ماهية “بدون”. فما كان من زوجها المخلص إلا أن نصحها قائلا “وا بدلي لاكارط وباركة من الطبوحيط راه 8 مارس داز”. ليترك لها رسالة مشفرة فوق لوحة أبجديات اللغة العريبة.

“عزيزتي الضاوية لا أخفيك سرا أني تمنيتك وزيرة في ذات نهار، ولو بمقلمة وزارية تحضر المؤتمرات، تحصل منها على قلم ومذكرة. وتلتهم أصابع الكعب غزال في البيفيهات، وتقضي قيلولتها بقبة البرلمان. أو موظفة شبح ضمن الآلاف تمارس نشاطيها المفضلين الماكلة والنعاس. الضاوية لم تفهم شيئا فهي لم تحضر مؤتمرا قط ولم تشاهد في حياتها جلسة برلمانية. لكني اخترتك هكذا “بدون” اخترتك ربة لبيتي ووصية على أولادي. وفى يومك العالمي حرى بي أن أقف لك إجلالا وتقديرا. فأنت الصديقة والزوجة والرفيقة. أنت المربية والأم والمدرس الخصوصي والمحقق والمستشار النفسي ووزارة الداخلية والخارجية. فأنت كل شيء في الوجود. فبدونك تنعدم الحياة ولا تخدعنك المظاهر، فالتنمية لا تتم خارج البيت فقط، فأنت عماد البيت وبدونك لا أستقيم. ففي يوم عيدك لا أنسى أن أغير بطاقة تعريفك بالبطاقة البيوميترية الجديدة، لا مجال للمعاناة بعد اليوم”. زوجك المخلص الضاوي. فانفجرت الضاوية بكاء فالبطل قد توفي وغدا الحلقة الأخيرة من المسلسل.

الضاوية تريد عالما آخر، تريد أن تدافع عن حقوق المرأة. فمنذ تعلمها أبجديات اللغة العربية ورأسها يكاد ينفجر. الأخيرة تريد رخصة السياقة والخروج بدون محرم وحسابا دسما بالبنك. المسكينة تظن أن الأمر يستحق النضال، قبل أن يخبرها زوجها المخلص، أن تلك الطفرات التي حققتها المرأة اليوم ما كان بفضل كفاحهن ونضالهن المستمر؟؟؟ “الله يبارك فعمر سيدنا” وفي نظراته ذلك التهكم الذي يقهرها من جديد. والفاهم يفهم.

إلى كل نساء العالم أقول: كل يوم وأنتن في رفعة وسمو سواء “بدون” أو بغيرها من الأبجديات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *