متابعات

ذكرى 6 أبريل .. العودة إلى روح اتفاق “أمزدوغ” بآيت باعمران

مقال رأي:

هل نحتاج دائما في بداية شهر ابريل من كل سنة إلى التذكر والتذكير باليوم السادس منه؟ ذلك اليوم المشهود الذي يمكن اعتباره بداية التاريخ المعاصر لقبائل ايت باعمران، فعلا يمكن اعتباره؛ ذلك لأنه تتجلى فيه كل المقاييس التي يتبعها المؤرخون في تحديد عملية التحقيب التاريخي. لماذا؟ بكل بساطة لأنه يوم “التحول”، وعندما نتحدث عن التحول نعني به تلك السيرورة الممتدة في الزمن التي تحدث تغييرات عميقة تمس البنيات والذهنيات والمجال. فلا مجال هنا لسرد التحولات التي عرفتها آيت باعمران بعد اتفاقية أمزدوغ 6 ابريل 1934، ودخول الاسبان إلى المنطقة. لأنها تحولات كثيرة ومتعددة، فيها جانب مهم وايجابي للمجتمع وللمجال أهمها تأسيس المدينة –ايفني- والانتقال من نمط بدوي إلى نمط الحاضرة وغيرها من آليات التحديث والعصرنة التي جاءتنا عن طريق المحيط الأطلسي على المستوى المادي أو على مستوى القيم والأفكار.. وفيها كذلك جوانب أخرى لها انعكاسات سلبية بل ووخيمة. وسنقتصر على ذكر بعض منها.

إن أكبر خسارة تعرضنا لها نحن المجتمعات الجنوبية التي اعتبرتنا العقلية الاستعمارية في أواخر القرن التاسع عشر مجتمعات بدائية هي قتل المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية، واستبدالها بأنماط إدارية وعسكرية اثبت التاريخ عن محدوديتها وعن عدم ملائمتها مع خصوصيات المجتمع. فاسبانيا مثلا عمدت منذ بداية تواجدها في منطقة ايت باعمران إلى تعزيز مؤسسة الأمغار وتقويتها لخدمة مصالحها الأمنية والاقتصادية إلى درجة أنها أدرجت إمغارن ضمن لائحة موظفين تابعين لها أسندت لهم بعض الأدوار أهمها نزع السلاح من الناس والقبائل، يتقاضون أجورا شهرية حسب مكانة كل أمغار وقوته داخل محيطه. وفي المقابل ضربت في العمق كل مؤسسات وهيئات التمثيلية الديموقراطية التي كانت تزعجها، وأسست بذلك لنمط جديد يشبه ظاهر القياد الكبار في المناطق التي اجتاحتها فرنسا خاصة في الجنوب المغربي، وان كان ذلك بدرجات أقل نظرا لعدة عوامل.

قد نتسائل لماذا إثارة هذا الموضوع في هذه المناسبة؟ لنختصر الكلام ونقول، أن هذه اللحظة التي نتذكر فيها يوم 6 ابريل 34 “اتفاق امزدوغ ” تعيش فيها منطقتنا ايت باعمران؛ مخاضا سياسيا نتيجة لانتخابات البرلمانية الجزئية والتي لها علاقة بتمثيلية السكان في البرلمان الذي يشرع قوانين البلد ويراقب عمل الحكومة التي تمثل الجهاز التنفيذي في مدينة الرباط. وبذلك نريد إبداء بعض من الملاحظات:

– استحضار روح اتفاق أمزدوغ الذي حضره جميع ممثلي قبائل ايت باعمران والتشاور مع ممثلي الدولة الاسبانية في موضوع جد مهم وحساس مرتبط بالسيادة، والخروج باتفاق يضمن الاحترام للطرفين مع استحضار موازين القوى وظروف تلك المرحلة.

– حضور مؤسسة القبيلة التي تشكل عصب العملية السياسية والتمثلية في كل تحركات المجتمع حتى وان سجل التاريخ طغيان بعض الزعامات واستفرادها بالسلطة والتحكم في أرقاب الناس، إلا أن القبيلة كانت دائما المؤسسة التي تعطي الشرعية والتي تحافظ على مصالح الجميع بقوانين وضعية تنظم العلاقة بين المجتمع ومع محيطه البيئي.

– قوة المكان الذي تم فيه الاتفاق الذي هو أمزدوغ النواة الأولى لمدينة افني الحديثة، كفضاء رمزي يحمل الكثير من الدلالات، عكس ما حصل في اتفاق فاس 69 حيث انتقلنا إلى خارج المنطقة إلى مدينة تمثل عاصمة تاريخية ولها دلالات وتاريخ خاص مع القبائل المغربية في صراعاتها مع المخزن المركزي. (هنا نتسائل هل كان اختيار فاس لتسليم ايت باعمران من طرف اسبانيا اعتباطيا أم إشارة سياسية).

واليوم منذ 69 إلى الآن، انتقلنا من أمزدوغ وباقي الأمكنة التي كانت تدبر فيها الأمور السياسية كالأسواق والمواسم داخل المجال الترابي لايت باعمران، إلى صالونات الرباط والمقاعد المريحة داخل البرلمان والمؤسسات الأخرى، لمعالجة مشاكل الناس في تاولاشت وتاموشا وتاوبالت وتانغيلاست…..وأكثر من ذلك تتم العملية الانتخابية بأحزاب تحمل أيدلوجية إما شرقية وإما غربية بعيدة كل البعد عن العمق الحضاري والثقافي للمجتمع وعن مؤسساته التي تم احتقارها واعتبارها من التراث البدائي بل تخرب ( الاحزاب) وتشوه المنظومة الثقافية المحلية في تحالف ضمني مع الدولة المركزية اليعقوبية. (هنا نستحضر لقاء كان قد عقده نائب برلماني سابق في إمي ن فاست بايت علي يناقش فيه الصراع بين مرسي والسيسي في مصر).

فالعملية السياسية كما تتم في مغرب اليوم وخاصة فيما يخص العملية الانتخابية تشوبها عوائق بنيوية كثيرة لها علاقة بالنسق العام. ولا يجب أن ننسى أننا نعاني من أزمة التمثيلية ونؤدي ثمن البيروقراطية السياسية حيث لم يعد المجتمع يمتلك السلطة ولا الحق في الاقتراح والتقرير؛ فما معنى مثلا أن يصوت الناس في تانكارفا أو ايت عبلا او اصبويا على شخص ينتمي إلى حزب معين لكي يصبح زعيمه وحاشيته من المقربين وزراء ويتمتعون بسلط ونفوذ؛ دون أن يعرفوا ولو معلومات بسيطة عنهم وعن حاجياتهم؛ أو أن ينتخبوا من أرادوا ومن يرون فيه أملا لتغيير وضعيتهم وتسيير شؤنهم لكنهم حين يتمكنوا من تحمل المسؤولية يكتشفون أن مؤسساتهم لا تمثيلية لها ولا حول ولا قوة، تبقى فقط مؤسسات شكلية، في حين تدبر كل الأمور وتتجمع السلط في مكاتب ومجالس غير منتخبة. حيث أصبحت سلطة التعيين أكبر من سلطة الانتخاب.

لقد سبقنا العديد من الباحثين المتخصصين في علوم مختلفة الذين وقفوا على أعطاب السياسة والحكم في المغرب. لكن نريد أن نركز من جديد على دور اسبانيا وفرنسا في قتل المؤسسات السياسية والاجتماعية للمجتمع المغربي وتقوية الدولة الوطنية المركزية من طرف المخزن والأحزاب السياسية التي اقتسمت معه الكعكة، وساهمت هي الأخرى في الاستلاب الثقافي وغرس الأوهام عن طريق تبني ايديولوجيات انبثقت من مجتمعات أخرى وتستهدف خصوصيات المغاربة في السياسية والثقافة والتدين؛ حتى أصبحنا غرباء في وطننا. لذلك نرى من الضروري بمكان إعادة الروح لمؤسساتنا وقيمنا وأنظمتنا في التسيير والحكم والتمثيلية ونقوم بحلحلتها وتحيينها لتساير حركية التطور الذي تعرفه البشرية في عصرنا. لا أن نساهم في تشويهها.

فاليوم أصبح الجميع متفقا على موت السياسة في المغرب، وعدم جدواها، لكن من المسؤول على ذلك؟ وكيف تم ذلك؟ يجب أن ننطلق من الأصول ونفتح نقاش هادئ، علمي وفكري في جميع المستويات. فالذين أفقدوا السياسة أدوارها وقاموا بتشويه التمثيلية ربما هم الذين يستفيدون من هذه الفوضى واستفحالها. لانهم بذلك يحافظون على مصالحهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فيعملون بقتل روح التمثيلية وجذور الديموقراطية الحقيقية في المجتمع، حتى لا ينتخب الشعب من يريد. فالذين يحتكرون الثروات والاقتصاد والابناك والمؤسسات المالية الكبرى وكل شيء في المغرب، هم أنفسهم الذين يحتكرون الحقل الحزبي والنقابي….ويدبرون العمل السياسي بشكل عام.

أمام كل هذا، فنحن نتذكر 6 ابريل 34 حين كان آيت باعمران يدبرون شؤونهم بأنفسهم ويتفاوضون مع اكبر الدول الأوربية في بداية القرن العشرين. وحين كانت كل السلط تدبرها مؤسسة القبيلة وهيئاتها ك”ايت مراو” و”ايت ربعين” وغيرها. أما اليوم، فلم يتبق إلا الحنين والصور الذهنية أمام هذه الدولة المركزية التي تدير كل شي من العاصمة. فمن الطبيعي جدا أن تعيش مجالات الأطراف في التهميش والفقر والنسيان. وحتى وان تم التفكير في الحلول فإنها تكون مشوهة وغير مجدية لأنها تأتي من الفوق، خير مثال، هو مصير المشاريع التنموية التي تنجز في الأوراق وتتبخر في الواقع.

خلاصة القول؛ نريد طرح سؤال وحيد وهو : كيف استطاع المخزن في المغرب أن يقتل كل المؤسسات الاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع وعوضها بما يسمى الدولة الحديثة؟ لكن احتفظ هو على الروح التقليدية للمخزن ورسخ كل أشكال البرتوكول المخزني العتيق الذي يعود إلى القرون الوسطى في دولة يقول أنها حديثة وعصرية…مفارقة عجيبة جعلت كل علماء الانثربولوجيا والسوسيولوجيا وجمهور المؤرخين الذين قاموا بتحليل لطبيعة النظام السياسي المغربي، من باسكون وبيرك وكلينر إلى حمودي والعروي…. يستغربون أمام هذه الازدواجية الغريبة مخزن عتيق يحكم دولة حديثة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *