آراء

اكتشف نفسك من جديد

مع كل استعادة لذكرياتك العميقة ستعيد اكتشاف نفسك من جديد..انها فرصة نادرة لتتمعن كيف تغيرت الأشياء من حولك عما كانت عليه حينما كنت صغيرا وغريرا وهشا، حديث العهد بالحزن، ومفعما بالدهشة.. مع كل ذكرى جديدة ستعرف عن نفسك ما لم تكن تعرفه من قبل وبمرور الوقت وتراكم الذكريات ستكتمل الصورة لديك عما اصبحته الآن.

هل لازلت تتذكر وقفتك الأولى أمام باب المدرسة بسروالك القصير وشعرك المصفف بعناية؟هل تتذكر إجابتك المرتبكة حين يسألك أبوك السؤال الخالد الذي لازال يتوارثه الأجيال منذ سنين “ماذا درست اليوم في المدرسة”؟ هل تتذكر أسئلة الكبار التي تدعو للهبل:من تحب أكثر بابا أو ماما؟ (يكون جواب الاثنين غير كافيا)ماذا تريد أن تصبح حينما تكبر؟( كنت أريد أن اكبر فقط )إلى أي حد تحب عمو؟ (قد البحر أو تفتح ذراعيك على الأخر قائلا قد هك) الذي يكذب ماهو مصيره؟(…….) من الذي اشترى لك هذه الساعة الجميلة ؟غالبا ما يكون صاحب السؤال هو الذي احضرها لك ولكن يريدك ان تتفكر دائما فضله عليك..

هل لازلت تتذكر أول مهمة تكلفك بها أمك خارج البيت حين تطلب منك أن تجلب الحليب من بقال الحي فتتعامل لأول مرة مع النقود ( يقول صديقي لحسن “لعنة الله على من اخترع النقود فقد فرق الأرحام وأوقع الناس بعضها في بعض”) هل تتذكر “قرصة” أمك الخفيفة التي تتصاعد حدتها بمرور الوقت، و تختلط بالتوبيخ الشديد ثم تتحول الى قذيفة موجعة على الظهر و بعدها الى تسديدة من خارج الثمانية عشر لفردة البلغة في الزاوية التسعين لأذنك اليسرى إن حاولت الهرب …

هل توقفت يوما أمام البوم صورك لتتمعن في صورتك إلى جانب أختك الكبرى” العزيزة” بلباس العيد وابتسامة القلب الأبيض المندهش ؟ كانت الأسر تخلد صور ملابس العيد الجديدة كل عام حينما كان للعيد طعم وللملابس الجديدة فرحة خاصة

هل توقفت يوما أمام مشهد والدتك تمسح دموعها وهى تشاهد مسلسلا ساذجا لكنه يعبر عن آلامها؟ هل تحفظ جملة موسيقية مميزة زعزعت كيانك الرهيف لعدة شهور وجعلتك تحلم ببنت الجيران التي تزوجت وانجبت وصارت كائنا اخر لايشبه تلك الفتاة ذات الوجه الطفولى النزق المفتون بالحياة والتي كانت عيناها تلمعان بالمرح، وجسدها كسهم يود أن ينطلق من عقاله ؟ هل تتذكر الم خلع السن الاولى ودعاء امك ان يبدل الله سن الحمار بسن الغزال؟

هل تتذكر صراخك وعناق اصحابك حين أحرز خيري وكريمو اهداف البرتغال التي أوصلتنا الى ثمن كأس العالم وحسرتك المريرة حينما سجل الالماني ماتيوس هدف العودة الى الديار؟ هل أضحكك مشهد العم دامبي في غراندايزن وسذاجته حين يؤكد انه الوحيد الذي يرى مخلوقات الفضاء؟هل تتذكرجزيرة الكنز وخمسة عشر رجلا ماتوا من اجل صندوق؟

هل تفاخرت أمام أصدقائك بأنك كلمت فتاة أحلام شباب الثانوية التي تدرس بها، تلك الفاتنة الهيفاء، الحسناء. صاحبة الأنوثة المبكرة والعينين المتطلعتين للعالم تنتظران نصيبها من الحب والسرور؟

هل استعرت رواية وضربت عليها لأنك أحببتها ولثقتك بأن الضرب على الكتب يزيدك ثقة في النفس؟ (حين اكتشفت غابرييل غارسيا ماركيز ورائعته مئة عام من العزلة خلعت قميصي فرحا بلذة الأدب العالمي )هل شاركت أصدقاءك الرقص فى أحد الأفراح وتمايلتم في مشهد كوميدى ساخرلازلت تبتسم كلما تذكرته؟ هل رقصت فى فرح شقيقتك الصغرى كشقيق أصغر منها وفرح شقيقتك الكبرى كشقيق اكبر منها؟ هل فكرت أن توثق قصص حبك الفاشلة بأغنيات عبد الحليم؟ أو لعلك أرَّخت لإحباطاتك الإنسانية بأغنيات ناس الغيوان.هل تتذكر الشجرة الاولى التي نقشت اسمك عليها في فخر وعزة وكبرياء ومع الوقت اضفت اسم فتاة الثانوية او فريقك المفضل او صديقك الاقرب.

هل اكتشفت الان كيف تغيرت الأشياء من حولك عما كانت عليه حينما كنت صغيرا وغريرا وهشا، حديث العهد بالحزن، ومفعما بالدهشة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *