مجتمع

الصحافة الحرة تساهم في التنمية الاقتصادية وسيادة القانون

يركز اليوم العالمي لحرية الصحافة في العام 2014 على ثلاثة موضوعات مترابطة تتمثل في أهمية وسائل الإعلام في التنمية، سلامة الصحافيين وسيادة القانون، استدامة ونزاهة الصحافة. وسيعقد مؤتمر دولي بمقر اليونسكو في باريس يومي 5 – 6 مايو الجاري.

واختير الثالث من مايو لإحياء ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي خلال اجتماع للصحافيين الإفريقيين نظّمته اليونسكو وعُقِد في ناميبيا في 3 مايو 1991. وينص الإعلان على أنّه لا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرّة ومستقلّة وقائمة على التعدّدية، وهذا شرط مسبق لضمان أمن الصحافيين أثناء تأدية مهماتهم، ولكفالة التحقيق في الجرائم ضد حرية الصحافة تحقيقاً سريعاً ودقيقاً.

الإعلام الحر يسهم في الحكم الرشيد والتمكين والقضاء على الفقر

بحسب تقرير الفريق الرفيع المستوى بشأن برنامج عمل التنمية لما بعد العام 2015، يعتبر مفهوم الحكم الرشيد أنه قدرة المجتمع على ضمان سيادة القانون، وحرية التعبير، والحكومة المنفتحة والمسئولة. وفي المقابل، وبشكل أوسع فإن حرية التعبير تعتبر ركناً أساسياً في الحوكمة، لأن هذا الحق يمكّن أكبر عدد من المواطنين من المساهمة في ورصد وتطبيق القرارات العامة بشأن التنمية. وأكدت الأعداد المتزايدة من الناس الذين لديهم إمكانية الوصول الى المنابر الإعلامية على أهمية حرية الصحافة في تعزيز الحكم الرشيد، كما أشارت إحدى الدراسات إلى أنه «لا تتعارض حرية الصحافة مع الحكم الرشيد، فهما يدعمان بعضهما بعضاً وفي الوقت نفسه تعزز تنمية البلد الاقتصادية والبشرية».

كما بين التقرير أن وسائل الإعلام الحرة والمستقلة والتعددية على جميع المنابر تعتبر مهمّة لتسهيل الحكم الرشيد والشفافية، وأنه في الإطار الأوسع لوسائل الإعلام، لاتزال تعتبر وسائل الإعلام الإخبارية قنوات مركزية لعمليات التقييم العام المستمرة بشأن أنشطة الحكومة وغيرها من المؤسسات التي لها أثر إنمائي، وأن الصحافة هي عملية تقديم معلومات وآراء إلى الساحة العامة، إذ توفر منبراً لمناقشة العديد من القضايا المتعلقة بالتنمية مثل البيئة، العلوم، النوع الاجتماعي، الشباب، السلام، الفقر والمشاركة، ويمكن للحكم الرشيد أن يترسخ فقط عندما يكون الصحافيون أحراراً في رصد سياسات وإجراءات المجتمع والتحقيق فيها ونقدها.

ويرى التقرير أن الشفافية هي مسألة مهمة في الحكم ولها علاقة كبيرة في التنمية وفي دور وسائل الإعلام الإخبارية، ويؤدي غياب الشفافية في النهاية الى الفساد والذي يعتبر بدوره من أصعب القضايا التي يتعين على الدول أن تواجهها في عملية التنمية، معتبراً أن التحقيقات الصحافية المستقلة هي حليف للحكومة المنفتحة وبالتالي فهي تعزز من فعالية، ومن ثم شرعية عمليات التنمية، وأنه من المهم أيضاً ملاحظة أن الدراسات قد أوضحت أن معدلات الفساد العالية ترتبط في أكثر الأحيان بانخفاض مستوى حرية الصحافة.

كما أشار إلى أن المجتمع الذي يضمن الوصول الى الوثائق العامة وعمليات صنع القرار العامة، قادرعلى كشف تضارب المصالح على تمكين المواطنين بمعلومات عن عمليات التنمية، وأن هذا يدعم بشكل كبير قانوناً قوياً يتناول الحق في المعلومات والذي يمكّن المواطنين بما في ذلك وسائل الإعلام الإخبارية من سهولة الوصول الى المعلومات في المجال العام بسرعة وحرية، وأن قوانين حرية المعلومات تتزايد في جميع أنحاء العالم، ولكن تنفيذها يحتاج الى تحسين حتى تستطيع أن تسهم في التنمية.

واعتبر التقرير أن الإصلاح التنظيمي لقوانين الإعلام والقدح والذم هو خطوة ضرورية في طريق الحكم الرشيد والتنمية، وأن قوانين السب والقذف الجنائية تبقى غير متناسبة من حيث المعايير الدولية للحدود الشرعية لحرية التعبير، إذ تحمي مثل هذه القوانين المقيدة المسئولين بشكل مصطنع من تفحّص وسائل الإعلام والجمهور لهم، فهي لديها تأثير سلبي على حرية التعبير تعرقل الحكم الرشيد على المدى البعيد.

وذكر أن التجريم الشامل لقوانين القدح والذم هو أمر ضروري في أي عملية إصلاح تنظيمي تهدف لتشكيل التنمية من خلال تمكين المناقشة النقدية. وبالمثل، فإن العديد من قوانين وسائل الإعلام التي تستند الى قوانين الحقبة الاستعمارية الدكتاتورية القديمة تتعارض مع مشاركة الجمهور في عقد التنمية المقبل.

كما اعتبر أن وسائل الإعلام الاخبارية الحرة التعددية والمستقلة تسهم في التمكين، الذي يعرف بأنه عملية اجتماعية اقتصادية وسياسية ناتجة عن زيادة قدرة الجمهور على الوصول إلى المعلومات الموثوقة التي تمثل تعدد الآراء والحقائق والأفكار والمساهمة فيها، وأن ذلك هو نهجٌ محوره الناس وخاصة النساء والشباب والفئات المهمشة كفاعلين في برنامج عمل التنمية.

كما يدعو تقرير الفريق الرفيع المستوى أيضاً أن يكون الناس «جزءاً أساسياً لشراكة عالمية جديدة»، وأنه للقيام بذلك، يجب إعطاء الناس الحرية للتعبير عن آرائهم والمشاركة في القرارات التي تؤثرعلى حياتهم من دون خوف، فهم يحتاجون الى الوصول إلى معلومات تعددية وإلى وسائل إعلام مستقلة، كما يحتاجون إلى تعزيز القدرة على المشاركة الاجتماعية في وسائل الإعلام وتعهيد جماعي، بهذه الطريقة، يمكن للحكومات والشركات ومنظمات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية فهْم احتياجات المواطنين والتفاعل معها والاستجابة لها بطرق جديدة.

كما أكد التقرير أن أحد الأهداف الإنمائية للألفية الحالية هو الحد من الفقر، وأنه على رغم إحراز تقدم، سيبقى هذا الهدف أولوية قصوى في برنامج عمل التنمية لما بعد العام 2015، وأن الفقر هو أكثر من مجرد نقص في الموارد، بل ضعف التمكين، وأن إتاحة معلومات موثوقة وذات جودة للفقراء وتزويدهم بمنصات للصوت العام تعتبر خطوة مهمة في تحقيق هذا الهدف في التنمية.

كما أن تمكين المرأة يعد إحدى التوصيات من قبل الفريق الرفيع المستوى، وتتضمن تحقيق المساواة بين الجنسين والقضاء على العنف ضد المرأة، وأنه بالنظر إلى قلة عدد النساء في وسائل الإعلام في معظم المجتمعات والضغوط الخاصة التي يواجهونها، مازال هناك الكثير من الأشياء التي يتعين القيام بها لتعزيز المساواة بين الجنسين في هذه المهنة.

سيادة القانون لضمان سلامة الصحافيين ومكافحة الإفلات من العقاب

وذكر تقرير الفريق الرفيع المستوى عن برنامج عمل التنمية لما بعد العام 2015 أن «سيادة القانون، وحرية التعبير ووسائل الإعلام، والخيار السياسي المفتوح ومشاركة المواطنين الفعالة، والوصول إلى العدالة، والحكومات اللاتمييزية والخاضعة للمساءلة، والمؤسسات العامة كلها تساعد في تحريك التنمية وتعطي قيمة ذاتية خاصة، وأن كلها وسيلة لتحقيق غاية، وغاية في حد ذاتهم».

كما أشار إلى أن سيادة القانون أمر أساسي لاستقرار وحسن سير المجتمع، وأنه يمكن للمواطنين أن يشعروا بالثقة في العملية الديمقراطية على المدى البعيد والاستثمار في التنمية المستدامة لمجتمعهم فقط عندما يتم احترام سيادة القانون، وكذلك فإن لوسائل الإعلام الاخبارية وظيفة حيوية لكونها أكثر قطاع من قطاعات المجتمع قدرة على تعزيز اليقظة تجاه سيادة القانون، وخصوصاً من خلال رعاية التحقيقات الصحافية، وتشجيع انفتاح المحكمة، والإجراءات التشريعية والإدارية، والوصول إلى المسئولين وإلى وثائق عامة. وأكد التقرير على دور الحكومة في حماية استقلال وتعددية وسائل الإعلام الإخبارية، وخصوصاً خلال اللحظات الحرجة من هذه العمليات.

وأشار إلى أن سيادة القانون لها أهمية، وخصوصاً في ما يتعلق بحماية الحق في حرية التعبير للجميع، وأنه يجب ضمان الأمن، وخصوصاً لمن تصفهم اليونسكو بـ «الصحافيين، العاملين في وسائل الإعلام، منتجي وسائل الإعلام الاجتماعية الذين يولدون كمية كبيرة من صحافة المصلحة العامة».

وأكد أن تعرّض الصحافيين (وكذلك المواطنين الصحافيين) والمحررين والناشرين والوسطاء على الإنترنت على حد سواء للتلاعب وللإكراه السياسي أو المالي سوف يلحق الضرر بالتنمية، كما يتعرض المراسلون أيضاً للاضطهاد باعتبارهم مصادر معلومات للصحافيين على رغم أنهم يقدمون تقاريرهم بشأن ممارسات فاسدة من المعروف أنها تعمل ضد مصلحة التنمية.

وبين التقرير أنه عادةً ما يتعرض الصحافيون الذين يحققون في قضايا الفساد إلى عمليات انتقام شديدة، إذ يقوم المسئولون الفاسدون بتهديد أماكن عملهم وعائلاتهم وسمعتهم، وأن من أكثر الأشياء ضرراً بالتنمية هو قتل الصحافيين، وأنه من غير الممكن الحديث عن الحكم الرشيد عندما يكون متوسط قتل بعض الأعضاء الأكثر وضوحاً في المجتمع والذين هم مسئولون عن جلب المعلومات والأخبار إلى الجمهور بمعدل واحد كل أسبوع.

وأكد التقرير ضرورة أن تكون البيئة الإعلامية الحرة المستقلة والتعددية سواء متصلة بالإنترنت أو منفصلة عنه بيئة يستطيع الذين يعملون في الصحافة العمل فيها بأمان وبشكل مستقل من دون الخوف من أن يتم تهديدهم أو حتى قتلهم، وأن التنمية يجب أن تكون بيئة تندر فيها الهجمات والمضايقات والترهيب والاختطاف والسجن التعسفي والتهديدات وقتل الصحافيين وحيث يتم التعامل مع أية انتهاكات بشكل صحيح في ظل سيادة القانون.

الاستدامة والكفاءة المهنية للصحافة جزء من التنمية

ترى اليونسكو أن المجتمعات الأكثر تضرراً من الفقر هي المجتمعات الأقل قدرة على الحصول على المعلومات ونقلها، وأنه نتيجة لذلك، يتم استبعادها من النقاش العام فلا تستطيع أن تؤثر على القرارات التي لها تأثير عميق على حياتهم اليومية، وأن ذلك يتضح وخصوصاً على صعيد الخدمات الأساسية، فعلى سبيل المثال، يعتمد المجتمع الصحي على المعلومات المتعلقة بالمياه النظيفة والصرف الصحي واللقاحات والبيئة، ومن دون استدامة وسائل الإعلام في مختلف قطاعات الإعلام الخاص والعام والمجتمعي، يحتمل أن تستمر الحالة المهمشة لتلك المجتمعات.

كما تواجه جميع وسائل الإعلام الإخبارية اليوم – سواء كانت عامة أو خاصة أو مجتمعية – تحديات بشأن كيفية التعامل مع الجهات الفاعلة الجديدة التي تولد المحتوى الإخباري للجمهور، مثل المدونين والمنظمات غير الحكومية والشركات الخاصة والهيئات الحكومية. وفي كثير من الحالات تتصارع وسائل الإعلام التقليدية مع قضايا نشأت نتيجة دخولها في وسائل الإعلام عبر الإنترنت بشكل عام، فإن اتصالها مع الجمهور من خلال الهواتف الخلوية ووسائل الإعلام الاجتماعية عبر الإنترنت يعني تداخلاً بين وسائل الإعلام المجتمعي ووسائل الإعلام الخاصة والتجارية، إذ تمكن جميع القطاعات مشاركة الجمهور بشكل متزايد، كما تواجه العديد من وسائل الإعلام الإخبارية تحديات بشأن إنتاجها وتداولها للصحافة؛ لأنها أصبحت تتأثر بالتغيرات في برامج الإعلان، وأن كل هذه العوامل تؤثر على استدامة وجودة ودور الصحافة فيما يتعلق بالتنمية.

وأصبح النظام الواسع للبيئة الإعلامية يضم مزودين للمحتوى الإخباري لا يعون ولا يتقيدون بالمهنية الصحافية، ولكن أيضاً لا يُمنحون دائماً الحماية نفسها كالصحافيين التقليديين، وأدى ظهور وسطاء الإنترنت مع إمكانية التأثير من خلال حرية التعبير إلى إيجاد مجموعة جديدة ممن يفرضون سلطتهم على الشبكة مع أن معظمهم غير ملم وغير مستعد بما يتعلق بهذا الدور، وأن تحقيق التوازن بين الحق في حرية التعبير مع الحقوق الأخرى مثل الخصوصية والسمعة والأمان تعتبر مشروعاً ناشئاً وغير ناضج وخصوصاً في ما يتعلق بالإنترنت.

وترى اليونسكو أنه في كثير من الأحيان لاتزال المعايير القانونية لفرض القيود على حرية التعبير على جميع الأصعدة غير متماشية تماماً مع المبادئ الدولية والتي تتطلب الشفافية والتناسب والهدف المناسب حتى تكون مشروعة، وأنه غالباً ما يكون الإلمام بالجوانب الصحافية في تغطية قضايا التنمية المعقدة والتي تتراوح بين إعداد التقارير بشأن الفوارق بين الجنسين وحتى تقارير تغير المناخ غير كافٍ.

وفي الوقت نفسه، ترى اليونسكو أن الوصول الواسع إلى وسائل الإعلام يثير تساؤلات بشأن المسائل المتعلقة بإمكانية الوصول الأوسع مثل فجوة الحزمة العريضة وفجوة النوع الاجتماعي والفروقات كالاختلاف اللغوي والاجتماعي، وأنه في سياق توسيع المعلومات، تعتمد نزاهة الصحافة أيضاً على كفاءة الإلمام بوسائل الإعلام والمعلومات، وأنه يجب أن يكون المشاركون في وسائل الإعلام مجهزين باستمرار لإيجاد وتقييم والمشاركة في المعلومات بشأن مناقشات التنمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *