متابعات

بداية انهيار قصور الرمال .. الحقائق الصادمة

على غير العادة وخلافا للسنوات الأخيرة التي كانت “المجموعة” المتحكمة في مخيمات تندوف تحتفي بما يسمى ”المحطات النضالية” للجبهة، وكفاح “الشعب الصحراوي” حيث كانت تجند لها كل الطاقات والوسائل لتلميع صورتها سواء على مستوى منطقة لحمادة أو على المستوى الخارجي، خاصة عبر بعض الهيآت الموالية لأطروحتها وبعض الدول المانحة، إلا أن الوضع تغير خلال السنتين الأخيرتين.

إذ مع توالي الأحداث من انتفاضات متتالية وفضائح متكررة، مرورا بالهجمة الشرسة والتنكيل بأبناء المخيمات الذين يرزؤون تحت وطأة البؤس والشقاء، من خلال تفشي الأوبئة واستفحال الأمراض، وصولا إلى شح الماء والمستلزمات الضرورية من أدوية ومواد غذائية أولية، هي عبارة عن إعانات تحول وجهتها نحو السوق السوداء .. لم تجد القيادة التي يصفها الجميع بالفاسدة والمتسلطة، وهي التي تتاجر بمعاناة رهائن قضية الاسترزاق الخاسرة بدا سوى الاكتفاء ببعض الأنشطة الشكلية المحتشمة، علما أن مصطلح “حشمة” غريب عن قاموسها، في عناد ومكابرة للواقع.

لعل بإمكان أي متتبع لشأن المخيمات بتندوف أن يسجل الحقائق التالية قصد استنتاج دواعي هذا الفتور:

1- تنامي الاصطفاف القبلي في المخيمات وسيادته في العلاقات، على باقي الاعتبارات، الأمر الذي أفرز  حكما على شاكلة العصابات أكثر تحكما وطغيانا تتمتع بكل الامتيازات من سلطة ومال، وفي المقابل ترزأ باقي الساكنة تحت وطأة التنكيل والقمع والدونية والحرمان من الوسائل الضرورية للعيش.

2- توالي فضائح القيادة ومن يدور في فلكها وانكشاف حقيقة فسادها ومتاجرتها بمعانات الصحراويين المحتجزين بتحويل الإعانات المالية إلى أرصدة بنكية بالخارج والمواد الغذائية إلى الأسواق السوداء بموريتانيا و غيرها من دول الجوار.

3- الوعي المتنامي لدى الساكنة وجل الصحراويين بزيف الشعارات وبكونهم ليسوا سوى رهائن في يد طغمة مستبدة تستغلهم قصد الاسترزاق والاغتناء، ولعل الفضل في هذا الوعي راجع بالخصوص للصحراويين المقيمين بالخارج والذين لم يتوانوا عن فضح فساد القيادة في المخيمات عبر شتى وسائل التواصل الشئ الذي عجل بظهور ”شباب التغيير” وبمجموعات وتيارات مناوئة تطالب برحيل محمد عبد العزيز وزبانيته، علما أن كشف هذا الزيف للشعارات، انعكس أيضا على حقيقة زيف “القضية” ككل.

4- لقد كان فك الحصار على المحتجزين عبر تبادل الزيارات الذي فرضته هيأت منظمة الأمم المتحدة، من أبرز عوامل تنامي الوعي بحقيقة الطغمة المتحكمة، فرغم قلة عدد المرخص لهم بالزيارات فإن جلهم فضل البقاء بين ذويه على أرض الوطن الأم ، بعد انجلاء الفرق الصارخ بين الادعاءات المغرضة الزائفة وواقع أبناء عمومتهم في الأقاليم الصحراوية المغربية حيث مظاهر التنمية وحرية التعبير والتنقل والتملك وخصوصا حفظ الكرامة.

5- ردة الفعل القوية لمحمد عبد العزيز ومن معه في مواجهة الانفلات، قصد إحكام القبضة و تكميم الأفواه المنادية بالحرية والانعتاق والالتحاق بالوطن الأم حيث لجأت لشتى وسائل القمع والترهيب وكذا إلى كل الأساليب القذرة، من نشر الآفات الاجتماعية من أمراض من قبيل الانحلال الخلقي، وتعاطي المخدرات إلى اللجوء للبلطجة وتلفيق التهم للمحتجزين بالمخيمات لردعهم عن مواصلة مطالبتهم بحقوقهم وعلى رأسها الحرية والكرامة.

6- عزوف جل الطلبة الصحراويين عن الدعم المعنوي ل”القضية” حيث غن الطلبة الذين كانوا يشكلون الدعامة الرئيسية للانفصال على مستوى مدن الداخل، لم يعودوا يبالون بتعليمات قادة الرابوني ولم يتبق منهم سوى ثلة قليلة تحاول يائسة في بعض ”المحطات” الدفاع عن أطروحات البوليساريو، ليس من باب الإيمان ”بالقضية” لكن فقط من أجل الاستفادة من فتات الارتزاق، حيث يعمل هؤلاء الطلبة على إرسال تقارير زائفة وصور مفبركة عن أنشطة أو وقفات احتجاجية وهمية وخيالية قصد الاستمرار في تلقي الدعم.

7- عدول بعض المنظمات والهيآت المانحة عن دعمها ماديا للبوليساريو، حيت قرر عدد منها خصوصا بجزر الكناري وببعض الدول الاسكندينافية التوقف عن مساندة أطروحة الانفصاليين بعد وقوفها على حقيقة كون هذه الشرذمة المتسلطة مجرد أذناب للحكام  الجزائريين، يأتمرون بأوامرهم، قصد تحقيق مصالحهم الضيقة وأطماع أسيادهم في المنطقة.

كل هذه العوامل وأخرى، جعلت من محطات الانفصال التي دأبت قيادة الرابوني المهترئة على ضخ بعض الحماسة في مواليها مجرد تواريخ نسي أغلب الصحراويين دلالتها، أفرغها التاريخ والواقع الجغرافي من محتواها، وأصبحت مجرد ذريعة لبعض الحالمين لتبرير تنقلاتهم ووقوفهم في منابر لا مصداقية لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *