آراء

موسم “الصّبار” .. هل سيعلنون عن رحيلك؟

حل موسم “أكناري” أو مايسمونه بلغتهم “موسم الصبار”، و ذمع قدومه يعتاد العديد من المستغلين البشعين على التهليل بحلوله “أهلا بموسم الصبار”، لكن المعنيون عندنا ينقسمون في تهليلهم بقدوم موسم “الصبار” إلى أطراف:

يمثل طرفه الأول أصحاب الموقف التقليدي من الفلاحين الصغار تجاه موسم “أكناري” و الذي يتناغم مع المشاعر التلقائية التي يتفاعل معها الفرد كلما حلت هذه الفترة بشكل عفوي مُرحباً بهذا الموسم ، و معدداً مناقبه وعائداته ومشيداً بأهميته كقوت موسمي التي هي محفورة في مخ الإنسان في وعيه ولا وعيه وهو ينتظر بشغف متى يصل هذا الموسم ، في ذلك لا يتردد في في الإستعداد إلى الجني والحصول على ماطاب له من الرزق كما هو في مخيلته ، لما لا وهو رمز السلام والتعايش ، بمسمياته ” أشفري” نسبة إلى أكرام ، و أكناري ن موسى ، نسبة إلى موسى عليه السلام أي الديانة اليهودية ، و أكناري ن عيسى ، نسبة إلى المسيحية ، و أكناري أموسلم نسبة إلى الإسلام ، كل هذه الديانات كانت تعتني وترعى المنتوج في هذا المجال الجغرافي. ودليل على تعايش حضارة عريقة مرّت من هناك.

أما الطرف الثاني فيجسده المعسكر الدخيل، إن صح التعبير، حيث الحنين إلى الإستغلال البشع للإنسان والمجتمع ولايهم غير الربح بأية الطرق . إنه معسكر التوجس مما هو قائم في الحاضر واستشعار الأيام الخوالي التي يظن أن موسم أكناري أو الصبار كان يجب أن يجني فيه في البداية وبأثمان مناسبة في أفق احتكار غير مسبوق ، حيث يستغل فيه الإنسان الباعمراني أبشع استغلال دراجاته تصل إلى أرواحهم ويفيض فيها على سلوكهم ثوباً من المشاعر المؤسفة وتعاسة في جو من العفوية وذلك بشكل أعمق مما هو عليه الآن.

و بين هذين الموقفين تتأرجح مشاعر فئة ثالثة تجاه “موسم أكناري الجديد”، فئة ليست ممن يدعون وصلاً بموسم أكناري القديم سوى ما تبقى من أطياف لذاكرة طفولية في بيت الوالدين، مهد الصبا والشباب، و الذي يعيد المرء بحنين إلى أهمية تلك الفاكهة في تعليمه ومعيشته البسيطة ،في الوقت الذي تنفر فيه روحه اليوم من بعض سلوكيات المفسدين تحت ذريعة تثمين فاكهة الصبار، إلا أن هذه الفئة الثالثة تقف مع ذلك متألمة مع ما وصلت إليه درجة الظلم والفساد بمعية أطراف تدعمها لوبيات من بعض مفسدي السلطة الذي تحاول بأن تطوع هذا الموسم لأغراضها ومصالحها الشخصية كما طوعت حياة ساكنة المنطقة مع معطيات العصر الجديد من مخطط أخضر و أزرق ، إلى أسود بسبب درجة الظلم المنتشر في القطاع ،وطريقة تدبير هذا المنتوج أمام أعين مسوؤلي هذا البلد.

إنتاج أكناري اليوم ، كما تراه هذه الفئة، ولم تعد تتحكم فيه ، هو جزء من منظومة فساد واستغلال بشع أمام غياب النقابات والأحزاب السياسية ومساومات السلطات المحلية ، في مفارقة تعيد إلى الأذهان إدعاءات العولمة والتجارة والاستهلاك دون احترام أبسط الشروط لمدونة الشغل وللقوانين الجارية بها العمل ، وهي في العمق عصابات تدور في رحاها محاولة الاستفادة منها بالقدر الذي يؤهلها للموازنة بين المال والسلطة والتسلط، فبالرغم من أن هذه الفئة من الناس تؤمن بأن الظلم أصبح غايات لهؤلاء المفسدون ومقاصد ممنهجة اتجاه ساكنة المنطقة إلا أنهم يرون في أنفسهم أن بعض من أبناء بلدتهم “الأذناب” يكتسون بلباسه ويستنشقون نسائمه..

الحنين إلى الماضي القبيلة وإلى زمن “امغارن” ، سمة ذات زمان، فكما يحن اليوم معسكر النوستالجيا إلى الماضي ويشتكي من الحاضر فالحالة ستتكرر مستقبلاً ليحن أبناء العصر القادم لهذا العصر في سيناريو قد يبدو عبثياً لنا اليوم، فالآباء يتذكرون عندما كانوا يسيرون أمورهم ، وعند الاختلاف والتقاضي يأخذون بحكم أسلافهم ولعلنا نتذكر بعضها في زمن غابة فيه العدالة وانتشر الظلم بحدافريه ، حين يتخاصمون يأخذون بمحكمة ” إغ أن طزي ارنسقرا” ، اغ أن طسا أْْر نترا” مامعناه ” في حالة المخاصمة ، نستند إلى تبريرات ووثائق ، وفي حالة المرح ، نستعين بالكتابة والتوثيق” … يتذكرون عندما كانوا يأكلون فاكهة أكناري، حلالا طيبا لا على شكل “كبسولات” الأطعمة اليوم المحرمة والمسروقة بالأحرى.. يتذكرون كذلك عندما كانت تصل مواسم “الموكارن” ، ينتظرون تصريف مدخراتهم على قلة دريهماتها ، كل واحد يتباهى بما أشتراه من الموسم واحتياجات المنزل ، والأطفال … لا على شكل مهرجانات اليوم التي تراعي المفسدين وتسوق لمنتوجاتهم المسروقة أصلا ، باحتكاراتها المشبوهة ، وبقيمة قوة العمل ، وأيضا باستخدام الأطفال والنساء في السرقة الموصوفة في غياب شبه تام لتدبير القطاع كما نحن اليوم.

وبنفس الموثوقية، فإن أسلافنا كانوا يحنون إلى موسم الصبار كلما حان وقته ، والذكريات تموت بموت عوائدها وأعرافها.

نحن فعلاً نفتقد في كل موسم “أكناري ” أو الصبار اليوم كثيراً بأجوائه المعتادة المألوفة منذ الصغر به تعلمنا وبه صنعنا “بقرونbokroun ” وبه لعبنا على مشارف الطريق ، وبه تعلمنا كرة القدم ، وبه أكلنا جيدا بدون “حرقة المعدة”… ، بل كانت جداتنا تغسلن به رؤوسهن أيام زمن ، وبه كن يشبعن أبقار الدوار ، وو…. نفتقد فرحة الناس بقدومه اليوم أمام عوائد دخيلة من تعاونيات فاسدة تحتكر المنتوج إلى تهريب علني وبأثمان بخسة ، في الوقت الذي تتبجح به الحكومة أنها قامت بتصريف الملايير من أجل تثمين هذا المنتوج ، ولا شئ من ذلك تحقق ، فيكفي أن نسألهم عن وضعية وحدات التثمين ، ووضعية الوعاء العقاري التي احتضنته وعن المشرفين عنها ، ومن يحتكر سوق الصبار ، وهل يستفيد الفلاحين الصغار من المنتوج ؟ أم أن العصابات المألوفة هي التي تسيطر على هذا القطاع ؟ وهل تستند التعاملات القائمة على الإحتكار و الإستغلال البشع للأطفال والنساء، وأعمال السخرة على قانون الشغل ووو…. أعتقد أن بهذه الأساليب بدلاً من فرحتهم بهذا الموسم سيعلنون عن رحيله… ولكن كما يقال هذه سنة الحياة، إذا كنا نحن تغيرنا بفعل سياسات ممنهجة فلابد للزمن أن يتغير هو الآخر بالتغييرات المناخية ولا شيء يبقى على حاله.. و تبقى ساكنة إقليم افني على حالها تقاوم باستمرار أمواج متلاطمة من التعاسة ، موجة تتبعها أخرى، لتستمر تعاسة موسم الصبار ،و كل عام والاكتئاب يزيد .. فأهلا بك يا موسم أكناري في تعاسة جديدة ، وهل بها سيعلنون رحيلك ، مادام إن جبال ايت بعمران صالحة لعشبة “القنب الهندي ” الأغلى ثمنا ، لما لا والحكمة في أفواه السياسويين ” من افني يأتي التغيير ” و تقبل الله صيام الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *