متابعات

خطاب الملك محمد السادس .. والعودة إلى الأصول

مقال رأي:

إثارة الملك محمد السادس في خطاب العرش، لموضوع الرأس المال غير المادي يطرح أسئلة جديدة لتدبير إقتصاد الدول الأقل نموا مثل المغرب، وهو ما يعني فشل مخطط التنمية البشرية، وهو المخطط الذي يعني فقط الدول المتخلفة التي تحتاج إلى نمو سليم يعتمد على مؤشرات معروفة تشمل التغطية الصحة والتعليم… وهذه المعايير هي التي جعلت المغرب يحتل الرتبة 129 من سلم التنمية البشرية.

ونظرا لكون مثل هذه الدول المتأخرة في النمو، أصبحت مصدر التعاسة، رغم تدفق ديون صندوق النقد الدولي لدعم حكوماتها، وهبات الدول الخليجية للحفاظ على الامتداد المذهبي المشرقي، واستنزاف الثروة من جراء الضغط وانتشار الفساد، بيد، أن المعيار الجديد الذي سينظاف إلى معايير التمويل الدولي، هو الرأسمال غير المادي، وهو بالمناسبة المحدد لقيمة المؤسسات المالية التي تتحكم في اقتصاد العالم مثل، شركات عملاقة، كـ “مؤسسة كوكا كولا وجنرال اليكتريك…”، حيث ترتكز أساسا على الجوانب الغير المادية.

فمثل هذه المؤسسات تملك أكبر حصة سوقية، تفوق تكنولوجي، ومهارات نادرة، وهو الإختيار الاقتصادي اليوم بالمغرب، بعد تصدير مخطط المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى إفريقيا، فعندما كلف الملك للمجلس الإقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب بالجواب عن أسئلة تعاسة المغاربة وعن فقرهم، يمكن ربطه بمحطات إعدادية قبلية، حيث أن وزير الاقتصاد والمالية السابق نزار بركة حصل على جائزة “وزير المالية السنة” بإفريقيا وذلك على هامش أشغال الدورة الـ 48 للجمع العام السنوي للبنك الإفريقي للتنمية، المنعقد بمراكش من 27 ماي 2013، وهو اللقاء الذي مهد للملك محمد السادس زيارته إلى مالي ودول الساحل جنوب الصحراء، وبعده تم تعين نفس الشخص على رأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بديلا لسفير المغرب في فرنسا، ووزير الداخلية السابق شكيب بن موسى.

وبعد أشهر فقط من هذا التتويج سلمت له جائزة “وزير مالية السنة” بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من طرف (إميرجينغ ماركيتس)، المجلة المرجعية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وذلك خلال حفل بواشنطن على هامش الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في أكتوبر 2013، لذا فهذه المحطات ضرورية لفهم خطاب الملك، والإستراتيجية البديلة للتنمية في المغرب.

وعندما تسأل الملك عن ظروف عيش المغاربة، وهل حقا يشعرون بالارتياح في حياتهم اليومية، فهي جرأة واعتراف، أن المجتمع المغربي يعاني، فهناك مؤشرات كثيرة تؤكد أن المجتمع يعاني إنفصام الشخصية “لاسكيزوفرين”، ويعكسه نسبة حالات الإجرام بالمغرب، وتفكك الأسر، والنسبة المرتفعة لحوادث السير، ونمو وتيارات دينية تدعو إلى ركوب دورة “كبسولة الزمن” للرجوع الى أيام الجاهلية العربية، وإلى عهد قيصر، والمغول …، ناهيك عن الفقر المدقع واتهام المغرب من طرف تقارير أمريكية عن تصديره للدعارة.

هذه السلوكيات نتاج اعتماد غير مسبوق للفكر الدخيل، وعن مقاربات أحادية ترتكز أساسا على ثنائية المخزن ، والهوامش، بعيدا عن مؤسسات الدولة المعاصرة، إذ يظل المخزن، بالياته وعناصره البشرية هو المستفيد الأكبر، بل في محطات كثيرة أصيب بالغرور، وأعتبر باقي الشعب رعايا أشبه “بالماشية”، فصنع أعيانا له، وجعلهم “غثاء أحوى” لإلهاء المهمشون عبر “الولائم” في كل المناسبات سواء كانت انتخابية أو تحسيسية آو غيرها، إلى درجة أن الإنسان فقد كرامته وأصبح مستلبا بحثا عن القوت اليومي بعيدا عن العادات والتقاليد والخصوصية المغربية العريقة.

فالرأسمال غير المادي للمغاربة اليوم هو إعادة الاعتبار لكرامة الإنسان وحريته، فعندما يفقد الإنسان كرامته فإنه حتما يفقد إنسانيته، ودون الكرامة لايمكن الحديث عن الأرباح المستقبلية ولا التدفق الإفتراضي للربح الذي يمكن أن يحصل عليه المغرب كما لايمكن الحديث هنا عن واقع وتنبوءات الأجيال القادمة. وهذه الخطة التي أطلقها الملك بشأن اعتماد الرأسمال الغير مادي يحتاج إلى:

أولا: إعادة الإعتبار للخصوصية المغربية، ففي المجتمع المغربي العريق، كان أساس بناء الدولة هي التوازنات، وقيمة الإنسان داخل مجاله الجغرافي، وفي تراتبية تفتقدها الأسرة المغربية اليوم.

ثانيا: الرأسمال البشري، فالمعرفة في المغرب أصبحت مقتصرة على مؤسسات خصوصية محتكرة من طرف أعيان المخزن، ومنح تعطى لدوي القربى للتحصيل في جامعات أمريكية وكندية ..، في حين أن إرتفاع نسبة الأمية باللغات المتداولة بما فيها تجاهل مسؤولي الدولة للأمازيغية رغم ترسيمها في الدستور.

فالأمية معممة في مناحي المغرب سواء بالعربية أو الامازيغية، فهل غالبية الشعب مثلا تفهم ما ينقل إليها عبر التلفيزيون؟ فالرأسمال الغير المادي يحتاج إلى الرأسمال البشري المهئ وإلى المهارات بل إلى القيم والأخلاق، وهي خصوصية مغربية تعود بنا إلى زمن الإندماج الأسري والعشائري في أشكال تعاونية مثل “تويزا” وأعراف مميزة من شأن إدماجها طبعا، يمكن ان تعيد الثقة في النفوس.

ثالثا: إن لحظة المكاشفة التي كلف بها نزار البركة المحسوب على حزب الإستقلال سابقا، لانريد أن تكون لحظة إستهلاك إعلامي، أو أن يخصص لها خبراء “فرنكوفونين” بصفقات مشبوهة على غرار البرنامج الإستعجالي في التعليم …، إنما نريد هذا التحول أن يلغي ويفكك الثناية بلا “المخزن” وبلاد “السيبا” وأن يعمم مفهوم التشاركية على الشعب، لا الإحتكار السياسي، وبالنظر إلى توسع آليات اشتغال الفئة الأولى منذ البداية، فإن مجموعة من الأسئلة تطرح مسبقا حيث تكون النتيجة ذات طابع نوعي كاستعمال تقييم ولّ عليه الدهر وشرب، مثل ضعيف / ناقص/ متوسط …

فالمسالك المخنوقة للتنفس المغربي تحتاج اليوم إلى تجنب الغرور كما قال الملك محمد السادس، لا أن تبقيه على خيارات اقتصادية التي لاتسمح بوصول الثروة الوطنية إلى أهاليها المغاربة في كل جهة ومنطقة، وهوإختيار لامناص منه، فخطاب الملك يسمح بالإطلاع على الخلل والعودة إلى عمق الحضارة المغربية وخصوصيتها العريقة، إذا كنا حقا نريد أن نقارن المغرب بمنافسيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *