آراء

من هو الطالب المغربي اليوم؟

لا يخامرنا أدنى شك في أن الحياة الطلابية قد فقدت معناها أو بالأحرى تم إفقادها هذا المعنى.. فقبل عقدين من الزمن كانت الاتحادات الطلابية المغربية من أقوى الاتحادات في العالم، وكانت تمتلك من الجرأة السياسية والفكرية ما جعلها قادرة على مواجهة جبروت الأنماط التقليدانية والاستبدادية أيا كان موقعها. اليوم وبشكل عام يقبع الطالب المغربي تحت الإعاقة والعوز الفكري والسياسي بالقدر الذي يجعله في مصاف الدواب التي يسهل ترويضها وتسييسها.

طيلة الفترة التي قضيتها في الدراسة بالثانوية، وأنا أحلم بولوج أحد الأحياء الجامعية، لأحتك بالطلبة، وأعيش عالمهم الخاص. لقد كان عالما يغري بخوض تجاربه؛ فبحسب ما كنت أطلع عليه في بعض الأعمال الأدبية والسينمائية العربية، كان الطلبة بمثابة النخبة الممتلكة للوعي السياسي والأدلوجي، والقادرة على لعب أدوار طلائعية في تحريك المياه الراكدة في البني السياسية والاجتماعية .. وكانت الصورة المثالية للطالب الجامعي في مخيلتي تدور حول الكفاءة والوعي والثقافة الواسعة والشهامة والنبل والنضال المتواصل.

لقد حصل فعلا ما كنت أتمنى، فالتحقت بأحد الأحياء الجامعية الشهيرة في البلاد، وتحققت أمنيتي في الاحتكاك بعالم الطلبة، إلا إن الخلاصة التي خرجت بها بعد ما يناهز أربع سنوات في الوسط الطلابي، هي أن الغالب الأعم منا لا يمكن المراهنة عليهم في شيء، وإننا بصريح العبارة طلبة فاشلون وضالون وغائبون.

فطيلة هذه الأربع سنوات رأيت مظاهر يشيب لها الولدان، ورأيت أن الدرس الجامعي لا يضيف شيئا إلى سلوك الطالب .. في تناغم تام مع أزمة كل الفاعلين في الحقل الجامعي المغربي، من إدارات وبرامج وأساتذة. الحقيقة المرة هي أننا طلبة “مكلخين أو السواد الاعظم مكلخ”، حيث أن أهم ما يشغل عقل أغلب الطلبة المغاربة هو أسماء لاعبي تلك “الجلدة” المعبأة بالهواء، وأسماء زوجاتهم أو بالأحرى عشيقاتهم وأسماء العلب الليلية التي يترددون عليها وأسماء أكلاتهم المفضلة، وأوقات نومهم ودخولهم إلى المرحاض.

وبعد ذلك تجد الطالب يرتل هذه الأسماء مع أصدقائه الطلبة كأنها أسماء الله الحسنى. ويحق لك أن تعتبره بمثابة وكالة أنباء متخصصة في متابعة أخبار الأندية، وتعاقداتها مع اللاعبين، وأخبار سوق اللاعبين، وتواريخ المقابلات التي جرت منذ قرنين، بالإضافة إلى مواعيد المقابلات التي ستجرى بعد 60 عاما. ولا تستغرب إن وجدت الطالب المغربي يحلل ويرسم التكتيكات الدفاعية والهجومية، ويبرر أسباب فوز ذاك الفريق الحبشي، أو هزيمة الأخر البيزنطي. وبعد أن كان الطلاب يروجون للشعارات السياسية والادلوجية المزلزلة، صرنا نصادف جدران المدارس والمؤسسات العامة والشوارع ملطخة بأسماء اللاعبين والأندية، إلى جانب عبارة “ممنوع البول”.

وينضاف إلى التخذير الذي رُكب في التكوين الشخصاني للطالب المغربي، المخدرات بكل أشكالها وأنواعها … لهذا لا نستغرب أبدا إن سمعنا باستفحال السرقة بين الطلبة أو الشجارات العبيطة حول جوان أو كرسي بمطعم الحي الجامعي أو بمقصفه. المقصف الذي يعكس بوضوح مستوانا واهتماماتنا الضئيلة، فكلما قصدت المقصف الا ووجدت نقاشات تافهة لا محالة لها من الإعراب. وكأنهم لا ينتمون إلى هذا العالم ولا يعنيهم أخباره وأين وصل.. ولا نستغرب أيضا عندما نرى حلقية تناقش إشكالات مهمة لا يحضرها إلا عشر طلبة بالتمام والكمال.. لهذا نجد وجود تلك القلة القليلة المتميزة إلى حد ما وجودا خافتا، لأنها تنصهر وتتلاشى بعدما يجرفها التيار العام ويطبعها بخصائصه.

أما الطالبة المغربية، فوعيها دائم الانشغال بالحلقة القادمة من مسلسل ”الحب وبوحمرون” وقد تجدها مشغولة بالبحث عن سر جاذبية بعض المناطق من جسم هيفاء وهبي، ولن يهدأ لها بال حتى تعرف سبب امتناعها عن ارتداء الكعب العالي في حفلها الأخير.. وتقضي هاته الطالبة وقتا ليس بالهين أمام المرآة، حتى تنتهي من أعمال الحفظ والصاينة، من أصباغ وملونات ومرطبات.. ثم تخرج للنضال في الشارع، نضال الصدر العريض والمكشوف، بحيث كلما كان مكشوفا أكثر كلما كانت نتائج النضال ايجابية.

وفي حديثها مع صديقاتها نكتشف أن حلمها الكبير هو أن ترى تامر حسني بالمباشر في مهرجان “تيمتار” القادم، وتؤكد لصديقتها أنها لا ترغب في الاقتراب منه بل مشاهدته من بعيد لأن ذلك قد يفقدها الوعي.. وقد سألتني احداهن يوما بعدما رأتني أحمل كتابا تاريخيا ومظاهر الاستغراب في عينيها: ماذا سيفيدك قضاء وقت طويل في قراءة هذا المجلد الضخم؟ وأضافت: أنا مازلت الى حد الآن لا أفهم ما الذي يستفيذه الناس من قراءة الكتب؟. وهي للاشارة إلى أن الأمر يتعلق بطالبة في السنة الثالثة بمدرسة وطنية عليا.

لقد غاب النضال السياسي وحل محله النضال الكروي، وغاب النبل وجاءت الندالة والأنانية والسلوك البهيمي عفوا والسذاجة والتخبط، إننا كطلبة فقدنا المعنى الإنساني أو لم نكتسبه من الأصل. أليس منا مدمن المخدرات والغاش واللص والكذاب والمخاذع، الذي يخدع الكل ليخدع نفسه أخيرا.. لقد صدق من قال إن المغرب مازال منذ الاستقلال يبحث عن مدرسته وجامعته. فالوضع يسوء يوما بعض يوم ما يقتضي التعجيل بتشخيص الداء والبحث عن مواطن الخلل التي ما أكثرها، فعلى الطالب تراهن البلدان المحترمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *