آراء

الصحراء بين الخضراء والحمراء 1/2

للرجال في الصحراء شيم تبدو للوهلة الأولى ميسورة الإدراك متواضعة شكلا وبخاصة لمن لا يعرف الحقائق معرفة مباشرة وما عايش تلك البيئة المشبعة بثقافة شعبية – مجتمعية عز نظيرها في أمصار عدة ، لكنها في العمق تشبث وثيق بين هؤلاء الرجال الأشداء الفضلاء الشرفاء ، وفروض الكرامة وشروط تحقيقها عبر مسيرة العمر ومهما كانت الأجواء طبيعية أو تلك المبتكرة بفكر الإنسان واجتهاداته ومنها السياسية الصرفة ، علياء زرقاء وأديم مفروش بالأصفر وخيام وبر الإبل منصوبة في شموخ العزة، وشمس الحرية تحرس المساحة طوال النهار، ونجوم ترسم خريطة طرق لسير القوافل في مأمن من التيه ، وصيحات تأنسها القبائل في شريعة عرف لا يبخس المتمسك به حقا من حقوقه ، الحياء سيد الموقف ، والكرم منبع التعامل ، والوفاء حس التعاقد ، والوفاق ضمير التقارب، والتواضع عند المقدرة وعاء التراحم ، والتضامن التلقائي سر التواجد الوهاج على الأرض الخصبة كالقاحلة ، بالمروءة لا فرق على الخير والمودة اللقاء كالفراق ، حليب مالح مشروب في لذة يتقبلها جوف تربى على مص رحيق الأجود والأطيب بالحلال ، ولحم نوق يُطبخ بلا زيت اصطناعي ولا بهارات مضافة ، ضامن للشبع دون جشع ، وصلاة حمد الواهب الرزق بقلوب خافقة بالطاعة لخالقهم جل علاه لا إله سواه ، حمدا يفوق تعداد حبات رمال بيد الأرض جمعاء.

… حلّت الحضارة بالمقلوب المعاكس مهدا لشبه الحداثة، إنتاجا لكل عادة ملوثة، لكن الأصيل بقي أصيلا كالنخلة لن تعط تفاحا يُقَارَنُ لونه بتورد وجنتي حسناء في مقام لا يحترم النساء، وإنما ثمر يتغذى على حلاوته الأتقياء من فقراء وأغنياء. بقيت الصحراء بأهلها بيتا نظيفا وعقلا نيرا ونتاجا فكريا حميدا محمودا، النماذج كثيرة، والعينات جد متوفرة، منها الأستاذ سلامة هلال الرافع لواء القناعة ، (في زمن اتخذ كل مجامل لحصد المنافع الشخصية قناعا، يغطي ولو مؤقتا محياه خوفا على نفسه مما يتخيلها تدهمه كمجاعة ) فعاش سيد نفسه محبوبا من طرف مجتمعه ، أخاله مبتسما رغم بكاء قلبه في شجاعة ، عن حال تحول هزبر المرحلة الآنية هرا ، والذئب فيها السيد المتحدث المسموع الآمر .

… في الصحراء داخل إقليم العيون قرى لجماعات محلية ، محلها من الإعراب قائم ببضع بنايات توحي بفراغها أن أمرا غير عادي طالها ، أو متروكة لجديد يُنتظر وقوعه في يوم ما بشكل ما ، قرى كالمسماة “تاروما” التي وصلتُها للتأكد من صحة “معلومة” ، قبل الإفصاح عنها أود أن أشكر من استقبلني هناك بحفاوة مبرهنا أن الصحراويين لهم من شجاعة التعبير عما يحسونه من غبن أصابهم بسبب احتقار بعض السلطات المحلية لهم وتدخلها فيما لا يعنيها أصلا واستعمالها أسلوبا كان المفروض أن ينقرض في تلك المقامات ، لكن شح الرقابة وغض الطرف على مظاهر الفساد جعلت مما لا ضمير لهم يشعرون أن المناسبة سانحة لهم ليتصرفوا كما شاؤوا ضد القانون والأخلاق والمسؤولية التي يتحملونها للإسف الشديد ، وكان على عامل الإقليم أن يتجول في مثل المواقع دون إخبار أحد بغرض التوصل لمعرفة من يعرقل ومن يساهم في استقرار البلد بوطنية مُثلى وغيرة المؤمن الساعي لخدمة مجتمعه بالتي هي أقوم ، بدل أن يظل نفس العامل قابعا في مكتبه يتبادل الحديث البيزنطي مع خلانه الذين قاسمون ذكرى طفولته في “كلميم” أو ما جاورها من جهات يكن لها المحبة التي لا يُلام عليها أصلا .

… قرية “تاروما” صرفت عليها الدولة المغربية الملايير بفكرة تجميع الصيادين من أبنائها ، لكنها تخلت لسبب ظل مجهولا عن تشييد رصيف بحري صغير يتمكن بواسطته هؤلاء إنزال قواربهم بيسر للبحر لمزاولة حرفة الصيد ، وأمام هذا الموقف اللامفهوم لدى 111 صياد تجمد كل شيء وبقي المكان مشلولا بالكامل ، اللهم ما استقر منهم في مساكن جديدة حُوِّلوا لها بتعويض لم يناسب البعض فضلوا حيث كانوا يتنقلون بحثا عن الرزق إلى جماعة “المرسى” ذات الأهمية على مستوى المنتوج البحري الذي سنتطرق لخباياه مستقبلا بمشيئة الرحمان . الشيء الجميل في هذه القرية مدرستها الابتدائية المبنية على الطراز الرفيع بمساحة محترمة ومتوفرة فيها جميع الخدمات ، والأجمل أن المؤسسة برمتها وتكاليفها وأطرها الأربعة (ثلاثة نساء ورجل) إضافة إلى الأستاذة فطيمة دكيش التازية الأصل (كمديرة) موضوعة رهن إشارة 21 تلميذا وتلميذة لا غير، وبذلك تكون الوحيدة من هذا الصنف على مستوى التراب الوطني .

تكدس بائع الفواكه بين طرقات مدن الصحراء الكبرى لا يعني أن الأهالي امتزجوا بما يُطْلَبُ منهم بطُرُق غير مباشرة ، البائعون هم من مغاربة الداخل كما يُطلق عليهم هنا ، الصحراويون ظلوا منزهين عن مثل المظاهر القائمة على احتلال الملك العمومي ليكونوا تحت رحمة المطاردين لهم من شرطة وقوات مساعدة ، يرون أن الأرض فسيحة مؤهلة مثلهم لتقبل استثمار أوسع وأهم من عرض فواكه بين الدروب واصطناع ازدحام لا يليق والبيئة المحلية المتعودة على امتداد الرؤية انطلاقا من نقطة معينة إلى أخرى شبيهة بما يُتداول فيها أنشطة توازي ما يُستخرج من عمقها أو ما يُصطاد من شطئانها المفعمة بما يغذي ربع بشر الكرة الأرضية يوميا وعلى مدار قرون إلى ما شاء الله .

سياسة إشغال الناس بهاجس المخاطر المحدقة بالمنطلقة من “تندوف” الجزائر، لم تعد مُجدية البتة ، فطرق الاتصالات المتاحة من الشبكة العنكبوتية رفعت حواجز السرية وفضحت ألاعيب الدهات مهما كان مقامهم أو قدرهم من المسؤولية التي تحموها انطلاقا من الدفاع عن مصالحهم . الجزائر لن تستطيع وحدها فرض أي شيء هنا لتنعم بما تحلم به من اكتساب ممر أرضي يوصل منتوجها النفطي أو ما تبقى من غازها إلى الضفة المقابلة للأمريكتين ،الشمالية وبها كندا، والجنوبية حيث تتكدس الدول الناطقة بإسبانية جبهة البوليساريو ، البساط يُسحب بتؤدة من تحت حكومتها بقوة القانون الدولي وحكم لاهاي في المقدمة والمصوتين كانوا بنعم لصالح المملكة المغربية، وتخلي بعض الدول الإفريقية عن مسايرتها طرح بوتفليقة (شفاه الله) ابن مدينة وجدة المغربية البار وأحد تلامذة حلاق لا زال حي يُرزق في شارع مراكش بنفس مدينة زير بن عطية التي كانت أحن عليه من جزائريته ذات وقت .

… الصحراء ليست كرة تتقاذفها أرجل مصالح مؤقتة أو قارة، مَنْ يعتقد ذلك فهو واهم لا يعرف جذور الصحراويين ولا يتبَيِّنُ ما هم قادرون على فعله إن جد الجد، فكان الأجدر أن يتغير الأسلوب الذي أرادت به داخلية الحكومة حسم الأمور ليندمج هذا بذاك في جو من الاطمئنان على مصائر ذاك وهذا ، صرف المال ليس وحده الكفيل بإخضاع أقلية تتمكن بدورها في سياقة أغلبية للاستكانة في مذلة واحتقار، وما هو واضح ميزان في الساحة ثقل كفة الباطل فيه لا يُبشر بالخير على الإطلاق .

… عصابات ظهرت في الأفق كل لها خدام وأعوان تُصرفُ لهم مبالغ تغنيهم عن العمل إلى حين خروجهم للعبث الممنهج الغرض منه تبليغ الدولة رسالة يكون الجواب عليها مقرونا بسخاء العطاء إدراكا لإبقاء الحال على ما هو عليه قائم ، ويكفي مساءلة ميزانية “الإنعاش الوطني” لمعرفة أسرار تبذير الأموال العمومية على مسخرة إسكات البعض وكأن كلامهم إن نطقوا به سيفصل الصحراء عن الوطن ، ويقذف بالمغاربة هناك إلى عمق المحيط الأطلسي .

… لا أريد الإفصاح عن المبلغ المهول الممنوح للآلاف

على شكل (CUARTILLAS) وترجمتها عن الاسبانية بُطَيّقَةًً تصغير بطاقة ، إذ يكفى المبلغ في إنشاء مصنع لاستيعاب ألف عامل كل ثلاثة أشهر ، فبدل أن يُعطى الشغل يُزود المعني بالمال ليصرفه وهو ممدود ليتربى على الكسل أو إخراجه بعد مدة من بيئته التي تربى عليها ، الأكيد أن مَن سن هذه الظاهرة / العادة له نصيب وافر مما يُصرف عليها والأيام بيننا لإظهار صدق ما ندعيه وأمرنا لله الحي القيوم ذي الجلال والإكرام .

… في نقاش مع مسؤول في ولاية العيون طرق سمعي ما حكاه لاستخلص عبرة ترجمها فيما سبق وذكرته .

… إبان الإحصاء طرق مكلف بالعملية دار أسرة فانبرى راعيها مستفسرا من الطارق ؟ ، ولما علم أنه المكلف بالإحصاء خاطبه :

لا يهمني هذا الأمر فأنا جزائري

بعد يومين بلغ لعلمه أن المسؤولين شطبوا على اسمه من قائمة المستفيدين من بُطَيِّقَةِ الألفي درهم ، فاتجه صوب مقر الولاية محتجا فواجهوه بنتيجة ما فاه به بكونه جزائري وما عليه إلا الرحيل لتلك الدولة حتى يتوصل بنفس المبلغ .

… تمنيت لو انطلقت السلطة وعلى رأسها الوالي في حملة استفسار الناس عن الأسباب الداعية لتدمرهم ، لتتيقن هذه السلطة أن العيب ليس في الأهالي وإنما في فيها وعلى رأسها ابن المنطقة للأسف الشديد ، لكن لا حياة لمن تنادي ، العيون بسكانها في وادي وهؤلاء الحكام المحليين في آخر ، وبينهما نجد مجلسا بلديا برئيس لا يبالي لا بذاك ولا بتلك ، منشغل بسياسة حزبه وخارج ذلك فليشرب من شاء وكيفما شاء من الساقية الحمراء وانتهى الأمر. المعادلة كما رأيناها في حاجة لتعديل حتى يُقام العدل على أسس عادلة أما الوضعية المعاشة حتى كتابة هذه السطور يتحرك وسطها مَن ينهب بغير رقيب ومن يتفرج ولا قدرة له على تغيير المنكر ومن يحرس كي لا تضيع الصحراء ، لذا من واجب واجبات الدولة أن تراجع حساباتها قبل فوات الأوان ، الصحراويون سيحبون وطنهم إن أحبهم هذا الوطن ، وسينفرون منه إن استمر الحال مهما كان المجال ، وكفانا صمتا على ما يجري انطلاقا من كلميم إلى العيون ، هذا الخط المليء بحفر المتآمرين على استقرار المغرب ووحدته الترابية ، لا يغرنّكم ما تشاهدونه نقلا عن شاشات تلفازاتنا خلال المناسبات ، الواقع لا يطمئن المخلصين الأوفياء لمغربهم العزيز ، الضبابية المطلقة تهيمن على المدى القصير ، والعقول أوعية تصورات تتحول في أي لحظة لما يُعبر عليه بالانفجار التلقائي ، “كلميم” التي منها البدايات الإيجابية والسلبية عبر التاريخ القديم والمعاصر تحتضر، ونتضرع إلى العلي القدير أن لا تنطلق منها أيضا نهاية من نهايات . “العظمي” العامل أو الوالي ، لم يستطع مسك الملفات الضخمة التي لا زالت عالقة، و يتعامل معها كممثل للحكومة بقوة القانون . وأتذكر ما كان يخاطب “عمي صالح الجزائري” من إذاعات الرباط ووجدة وطنجة من خلال برنامجي ” صوت الحق” و”منبر الحقائق” الموجهين لتوعية الشعب الجزائري الشقيق ويُطلعه على مخاطر ما يتهيأ بإيعاز من حكومة الراحل “هواري بومدين” و انجاز جماعة البوليساريو بمشاركة “العظمي” نفسه، إنطاقا من 76 لغاية 78 ، لا زلت أسترجع ما كان يفوه به “عمي صالح” في حق الأخير الذي اعتقدَ أن المغاربة (وهو ابن كلميم منهم) يفقدون الذاكرة بعد حين ، لذا كان عليه أن …

(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *