آراء

ما سر هذا الظلم المسلط على مدينة مكناس؟

رسالة مفتوحة إلى أصحاب القرار 

اسمحوا لي، أيها السادة، أن أخاطبكم، من خلال هذه الرسالة/المقال، في شأن العاصمة الإسماعيلية التي تشكو الإهمال والحيف والتهميش والظلم. وليس في نيتي أن أخاطبكم بلغة العاطفة أو بأسلوب من يريد استدرار العطف واستجداء الاهتمام، بل بلغة العقل والمنطق، التي تعتمد الحجة والبرهان بناء على التاريخ وعلى الواقع المعاش. وبمعنى آخر، فإن خطابي لن يكون ذا نزعة إقليمية أو نظرة شوفينية، بقدر ما سيكون نظرة واقعية لمدينة يرى كاتب هذه السطور- وهو، بالمناسبة، ليس مكناسي المولد والمنشأ وليس له مطمح أو مطمع شخصي وراء هذه “المرافعة”، إلا ما كان من الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية تجاه مدينة مضيافة تشكو الضيم والجحود- أنها تستحق وضعا أحسن مما هي عليه الآن ومستقبلا أفضل مما يراد لها في إطار التقسيم الجهوي الجديد.

يكفي قاطن الحاضرة الإسماعيلية أن يخرج منها ويزور مثيلاتها من المدن السلطانية والمدن العتيقة، أو حتى بعض المدن التي يمكن وصفها بالحديثة، ليدرك مستوى التهميش الذي تعاني منه مكناس. فبقدر ما سيرى بأم عينه الاهتمام (أو على الأقل بعض الاهتمام) بالمدن المشابهة لمدينته، بقدر ما سيعرف مدى التهميش الذي تعاني منه هذه المدينة (التي أصبحت عبارة عن قرية كبيرة)؛ مما سيعمق لديه الشعور بالحسرة والغبن وسيثير لديه الكثير من التساؤلات.

وقد يكون أول سؤال يتبادر إلى ذهنه، هو: ما سر هذا التهميش الذي تعاني منه مكناس، على عكس مثيلاتها (بل والأقل منها) التي تحظى بالاهتمام وبالدعم المادي والمعنوي؟ وقد يصل به الأمر إلى طرح أسئلة، تعبر عن القلق الذي يساوره حول مصير مدينته ومستقبلها السياسي، من قبيل: هل ليس في الدولة من تأخذهم الغيرة والحَمِيَّة على مصالح هذه المدينة وعن وضعها الاعتباري في تاريخ الأسرة الحاكمة؟ ألا تستق أن يكون لها نفس الوضع الذي لمثيلاتها من المدن السلطانية؟ أو من قبيل: أين النخب الاقتصادية والإدارية والسياسية والاجتماعية… ؟ فهل استقالت من دورها أو أنها لا تحسن (أو لا تريد) الدفاع عن مصالح هذه المدينة التي تدهورت أحوالها بشكل ملفت؟؟ أم أن بسبب ضعف هذه النخب وتضارب مصالحها، فصوتها لا يُسمَع ورأيها لا يُقنِع وموقفها لا يُحفل به…؟؟؟

نسمع عن برامج التأهيل الحضري ولا نرى لها أثرا في هذه المدينة. فهل هي مستثناة من هذه البرامج أم أن حصصها من ميزانية الدولة (التي هي أموال الشعب المغربي) تذهب لمآرب أخرى؟ فإذا كانت مستثناة، فيحق لسكان هذه المدينة أن يعرفوا السبب؛ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما السر في غياب المراقبة ومحاسبة المسؤولين عن تبديد أموال الدولة وضياع حقوق ساكنة مكناس والإقليم (بل والجهة)؟

يحدث أن ترى بعض الأشغال هنا وهناك، ويكون منتوجها عبارة عن بعض المنجزات البسيطة من قبيل بناء نافورة أو مدار أو غيرهما… ثم تراها، بعد مدة، قد تكون قصيرة جدا، تُهدَّم ويُعاد بناؤها، فتتساءل عن السر. وقد يأتيك الجواب، دون أن تبحث عنه، حين تعلم أن من كان بالأمس لا يملك إلا راتبه الشهري، قد أصبح من أصحاب الأرصدة البنكية السمينة أو من أصحاب العقارات والضيعات الفلاحية، الخ.

لن أنس، أبدا، حدثا يعود إلى بداية العهد الجديد، وقد يكون مَرَّ من دون أن يُعار له الاهتمام؛ لكنه معبر جدا عن نوعية المسؤولين- سواء في أعلى هرم السلطة أو على رأس المؤسسات المنتخبة – الذين ابتليت بهم هذه المدينة. فبعد أن تتبعنا، عبر التلفزيون، تدشين المشاريع الكبيرة والمهيكلة من قبل الملك في الجهة الشرقية، جاء دور مكناس ليكون حظها من “التدشينات” هو فقط رفع الستار عن لوحة تحمل اسما جديدا لأحد شوارع المدينة العتيقة.

لا أريد أن أعلق على هذا “الحدث”؛ لكن، يحز في النفس أن يصل الأمر إلى هذا المستوى من اللامسؤولية؛ إذ، في نظري، يبقى المسؤول (أو المسؤولون) عن مثل هذا العمل من الذين لا يحترمون المؤسسات، وفي مقدمتها، مؤسسة رئيس الدولة. فأن يُنظَّم استقبال لملك البلاد في عاصمة المولى إسماعيل من أجل “الحدث” البسيط جدا (حتى لا أقول التافه) الذي أشرنا إليه في الفقرة السابقة، لدليل على انعدام حس المسؤولية وعلى عدم الخوف من المحاسبة.

وإلا لكان قد بُذل بعض الجهد لتكون للزيارة الملكية مردودية اقتصادية واجتماعية… فـ”الحدث”، في حد ذاته، رسالة سيئة بكل معنى الكلمة. فهي تعبر ليس فقط عن عدم احترام المؤسسات، بل وأيضا تحمل، في طياتها، قسطا كبيرا من الاحتقار الواضح والجلي لسكان العاصمة الإسماعيلية وتاريخها المجيد…

لذلك لا أستغرب أن يصل الأمر إلى مستوى التآمر من أجل إعدامها لوحدها من بين المدن السلطانية، كعاصمة للجهة؛ إذ يبدو أن هناك نية مبيتة للانتقام منها. فنضالها من أجل حقها في أن تظل عاصمة لجهتها، يُقابل، فيما يبدو، باللامبالاة وعدم الاهتمام؛ وكأن هناك “حكما” صدر وعُهد بتنفيذه لجهات لا تحمل، ربما، لمكانس سوى الغل والضغينة، لأسباب نجهلها…

وما هذه الرسالة إلا صرخة من الصرخات التي تطلق هنا وهناك (وقد تأخذ، أحيانا، صيغة مذكرة أو عريضة أو غير ذلك) لإثارة الانتباه إلى ما يحاك ضد العاصمة الإسماعيلية كتراث حضاري وككيان سياسي.

فهل يعود سبب استقصاد مكناس (بكل ما تحمله من رمزية تاريخية وسياسية وحضارية وثقافية وفنية…) إلى كون هذه المدينة تعدم نخبة حقيقية، قادرة على الدفاع عن حقها في المحافظة على وضعها الحالي كعاصمة للجهة؟ ربما؛ إذ من المحتمل جدا أن يكون من أسباب الظلم الذي تتعرض له هذه المدينة على يد أصحاب القرار(الذين نخاطبهم بهذه الرسالة/المقال)، هو كونهم يعرفون جيدا نوعية “النخبة” التي تتصدر المشهد السياسي بالمدينة؛ ذلك أن من بينها من يُظهرون الغيرة على المدينة ويتظاهرون بالدفاع عنها؛ لكنهم، في قرارات أنفسهم، يحملون عكس ما يظهرونه؛ فهم، في واقع الأمر، يضعون مصالحهم الشخصية في المقدمة قبل المدينة وقبل الجهة. ومن بينها أيضا أناس، إما “في كرشهم العجينة”، وإما غير مؤهلين ثقافيا وسياسيا (وفاقد الشيء لا يعطيه) للدفاع عن حقوق المدينة وعن تراثها وتاريخها وأحقيتها(نظرا للروابط التاريخية والعائلية والسياسية والثقافية واللغوية وغيرها) في أن تظل عاصمة للجهة…

ولهذا، فإني أخشى على مكناس من بعض نخبها التي تم تدجينها (سياسيا وثقافيا)، فأضحت لا تملك القدرة ليس فقط على المبادرة، بل وأيضا على الإقناع. فيا ما من قضايا عادلة، خسرها أصحابها بفعل ضعف الدفاع أو تواطئه. وأرى في بعض (وأقول البعض) ممن يعتبرون أنفسهم “وجهاء” المدينة والذين نصبوا أنفسهم مدافعين عن مكناس عاصمة للجهة، صورة لذلك المحامي الفاشل (أو المتواطئ) الذي يخسر كل قضاياه، بما فيها القضايا العادلة.

لذلك، فالنضال من أجل رفع الحيف والتهميش والظلم المسلط على الحاضرة الإسماعيلية باستثنائها من مجهود الدولة الذي تستفيد منه مثيلاتها، بل والأقل منها، من المدن العتيقة، يجب أن يسْتَعر وينخرط فيه الكل (والخطاب موجه للفعاليات التي تلتزم الصمت أو تلك التي تقف على الحياد لكونها لا تجد نفسها فيما يتخذ من مبادرات…) لتحقيق الهدف المنشود؛ ألا وهو إعادة الاعتبار إلى الحاضرة الإسماعيلية.

أما الدفاع عن حقها في أن تظل عاصمة للجهة، فيجب أن يحتد لكونه يستند على الشرعية والمشروعية ويستمد قوته من العوامل الموضوعية والواقعية، سياسيا وجغرافيا وتاريخيا وثقافيا… فكفى من الظلم والحيف !!!. فمكناس ليست أقل من مثيلاتها من المدن السلطانية. فرجاء، لا تدفعوا “المكناسيين” إلى المواقف المتطرفة بسبب المزيد من الظلم والميز و”الحكرة”… فللصبر حدود !!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *