متابعات

محمد كريشان .. قضية الصحراء ليست بميتة فتُدفن ولا بحية فتَرْكُض

مقال رأي للصحفي التونسي بقناة الجزيرة القطرية محمد كريشان:

لا هي بالميتة فتُـدفن، ولا بالحية فتَرْكُض … هي أقرب إلى من يغط في نوم عميق لا يعكره بين فترة وأخرى سوى نفس شخير عال تحدثه فيجلب انتباه البعض وفضول البعض الآخر.

هكذا هي قضية “الصحراء الغربية” العالقة دون حل منذ 1975 تاريخ خروج الاستعمار الإسباني منها وبقائها محل تجاذب مفتوح بين المغرب القائل بتبعيتها له وبين جبهة «تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» المعروفة باسم «بوليساريو» الساعية للاستقلال. وبينهما تقف الجزائر التي تراها الرباط سببا رئيسيا في استمرار النزاع بسبب دعمها المتواصل للبوليساريو فيما ترى هي نفسها مؤيدة لضرورة «تجسيد تصفية الاستعمار» في تلك المنطقة كما أقرته الأمم المتحدة.

آخر ما سجل هو تهديد جبهة بوليساريو قبل أيام قليلة بـ «العودة الى الكفاح المسلح» ضد المغرب لتحرير الصحراء الغربية وذلك ردا على تاكيد العاهل المغربي الملك محمد السادس الأسبوع الماضي ان الصحراء الغربية ستظل تحت سيادة بلاده «إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها» مؤكدا أن «مبادرة الحكم الذاتي هي أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب».

ومنذ خروج القوات الإسبانية من هذه المنطقة البالغ مساحتها زهاء 260 ألف كيلو مترا مربعا والقضية مطروحة قانونيا دون حسم نهائي يرضى الجميع، فرغم مرور زهاء الأربعين عاما على الرأي الإستشاري لمحكمة العدل بأن لا شيء يعيق ضرورة تصفية الاستعمار هناك و»تطبيق مبدأ حق تقرير المصير من خلال التعبير الحر والحقيقي عن إرادة سكان المنطقة «، فإن كل المساعي الدولية لتجسيد هذا المبدأ باءت بالفشل وتعثر استفتاء تقرير المصير الذي كان مقررا لسكان المنطقة عام 1992 أكثر من مرة قبل أن تتضح استحالة إجرائه عمليا ثم يتقدم المغرب لاحقا بمقترح الحكم الذاتي الموسع تحت سيادته لإغلاق الملف وهو المقترح الذي جوبه برفض الـ “بوليساريو” والجزائر.

ليس هذا أول تهديد بالعودة إلى السلاح تطلقه «بوليساريو» فقد سبق لها أن أطلقته كذلك في صائفة 2011 دون فائدة، مما يؤكد من جديد أن موضوع الصحراء بات محشورا بين تسوية توافقية غير قادرة على أن ترى النور حتى الآن، وعودة مستحيلة إلى حرب لم يعد أحد يرغب فيها أو قادرا على تحمل تبعاتها. ثم إن موضوع الصحراء لم يسمم فقط العلاقات بين الجارين المغرب والجزائر المغلقة حدودهما البرية منذ عشرين عاما بل ومنع «اتحاد دول المغرب العربي» المعلن عام 1989 من أن يخطو ولو خطوات محدودة أو رمزية في تكامل دول المنطقة وتعاونها.

لم يعد أحد تقريبا يذكر هذه القضية التي سئمتها حتى الأمم المتحدة التي اقتصرت جهودها على التمديد الدائم لعمل القوات الدولية العاملة هناك. باءت جهود كل مبعوثيها الدوليين بالفشل وأبرزهم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر الذي كان متحمسا عام 1997 لفكرة الحكم الذاتي الموسع كمخرج معقول وحل وسط ممكن بين وضع قائم على الأرض من قبل المغرب لم تظفر بتزكيته قانونيا على الصعيد الدولي، وحلم استقلال لم يعد أحد، عدا الجزائر، متحمسا له أو عاملا من أجله. لقد أُغرقت القضية في جمود من الواضح أن لا أحد مستفيدا منه في نهاية المطاف سوى الرباط التي تعزز وجودها هناك مع السنوات.

صحيح أن قضية الصحراء هي من آخر ملفات تصفية الاستعمار التي لم تقع تسويتها دوليا بعد ولكن يمكن اعتبارها أكثر إحدى القضايا العالقة المتبقية من الحرب الباردة. ويبدو أنه طالما لا تبدو «بوليساريو» مستعدة لتسوية الحكم الذاتي الموسع، حتى مع بعض التعديلات التي تراها، فإن القضية ستبقى موجودة رسميا ولكن خاملة عمليا مع فرق كبير: المغرب دولة قائمة وكبيرة وقادرة على التحمل والاستمرار بينما قد تتلاشى «بوليساريو» وتندثر إن لم يكن ذلك ما أصابها فعلا.

المسألة الأخرى المهمة أن دولة مستقلة في الصحراء الغربية تبدو، رغم كل الترسانة القانونية في الأمم المتحدة، دولة لا وجاهة لها ولا أحد ، غير الجزائر، يرى له مصلحة في قيامها. لا وجاهة عرقية أو قومية لها كقضية الدولة الكردية المنشودة، ولا وجاهة دينية لها أو قبائلية كبيرة كما هي جمهورية جنوب السودان، ولا وجاهة تاريخية أو وطنية لها كالدولة الفلسطينية. ثم أي قيمة لدولة تنشأ ضعيفة مهلهلة لا مقومات لها يعتد بها وستظل عبئا على المجتمع الدولي والدول المانحة، أو دولة تدور في فلك الجزائر وهذا ما يبدو أحدا من الدول الفاعلة دوليا مستعدا له. فهل من خطوة تنقذ هذه القضية من النسيان والإهمال الكاملين؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *