ملفات

مغاربة في قلب العاصفة .. قصص العائدين من الموت

لم يبق للمغاربة في جنوب البلاد إلا الأمل برحمة السماء وتوقف الأمطار العاصفة التي خلفت عشرات القتلى وأضرارا مادية جسيمة، كي يدفنوا قتلاهم ويبحثوا عن مفقوديهم ويقلبوا أحجار منازلهم بحثا عن ذكرى تُذكرهم بمراتع صباهم.

يروي المغربي حسني محمد -بأسى وحزن- قصة فقدانه طفليه بسبب الفيضانات والأمطار العاصفة التي ضربت قرية تغبالت جنوب شرق المغرب، حيث انهار جزء من غرفة كان يرقد فيها الصبيان مما أدى إلى مصرعهما.

فمحمد -الذي يقطن بعيدا عن أسرته حيث يعمل في مدينة طنجة- ظل على تواصل دائم مع أسرته المُكونة من زوجته وأطفاله الثلاثة، وحين اشتدت الأمطار، وبعد أن طهت زوجته عشاء للصغار، دخلت لإيقاظهما فوجدتهما جثتين هامدتين.

قصة محمد واحدة من عشرات ترسم لوحة معاناة المغربيين في الجنوب المغربي، فهؤلاء والقبائل الرحل التي استوطنت المنطقة منذ عهود طويلة، صدموا من رؤية المساحات الشاسعة من الصحاري المُقفرة والوديان الجرداء التي طالما سرحوا فيها تغرق بالسيول الهادرة، مما تسبب في مقتل العشرات ودمار المنشآت.

تسارعت الأحداث بشكل لافت في جنوب المغرب خلال الأسبوعين الماضيين على وقع تساقطات مطر استثنائية، حذرت منها الأرصاد الجوية الوطنية في نشرات إنذارية متلاحقة، قبل أن تعلن عن نفسها على شكل عواصف وسيول لم تشهد لها المنطقة مثيلا منذ عقود.

وحذرت الأرصاد المواطنين من استمرار هطول أمطار غزيرة واستثنائية في عدد من مناطق المملكة، لن تقتصر فقط هذه المرة على الجنوب الذي من المرتقب أن تشهد أجواؤه قليلا من الانفراج.

واستفاق المغاربة على مشاهد تناقلتها وسائل الإعلام المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي لغرقى يجرفهم السيل، وبيوت تتهاوى على رؤوس ساكنيها بفعل العواصف، وسيارات وشاحنات يسحبها تيار الماء.

قصص الموت

وحاصرت هذه السيول ساكني أكثر من 250 قرية في مناطق مختلفة في الجنوب، لتغرق في عزلة تامة تحت رحمة العاصفة غير المسبوقة وفي انتظار المُنقذين.

إبراهيم خازين (45 سنة) -أحد ساكني دوار “تمرغيست” بضواحي مدينة كلميم (جنوب غرب البلاد) التي أعلنتها السلطات “منطقة منكوبة” بفعل العواصف والسيول الجارفة- يقول إن أغلب البيوت الطينية في بلدته جرفتها المياه، وما صمد منها لا يصلح للمبيت، مما اضطر أهالي “تمرغيست” إلى اللجوء للمدارس والبنايات الإسمنتية للاحتماء بها.

“خازين” الذي انضم برفقة عدد من أبناء بلدته إلى إحدى المدارس، خوفا من هبوب عواصف تفيض على إثرها سيول الأنهار القريبة من مسكنهم، يقول إن أبناء المنطقة يتناقلون أخبارا عن حالات إنسانية صعبة لمسنين، ونساء حوامل على وشك الولادة، وآخرين محاصرين في قراهم في انتظار وصول إعانات غذائية وطبية عاجلة إليهم.

قرية آيت مسعود، وجارتها آيت الخنوس، وقرية تمرغيست وآيت بكو بضواحي بمدينة كلميم، وقرى وبلدات مغربية أخرى يعيش أبناؤها على وقع خوف وتوجس مرير من ارتفاع محتمل لمنسوب المياه في حال استمرار هطول الأمطار بذات وتيرة الأيام الماضية، قد تحول دون وصول مساعدات غذائية عاجلة، أعلنت السلطات عن إرسالها للمناطق المنكوبة.

قصص العائدين من الموت غرقا وسط سيول الوديان الهائجة، هي ما يجري على لسان أهالي مناطق الجنوب المغربي المنكوبة، يتأملون الأفق المبلد بالغيوم على أمل انقشاعها قريبا، ليجدوا فسحة لدفن موتاهم والبحث عن مفقوديهم، ويقلبوا أحجارا هي ما تبقى من منازلهم.

سجال وحداد

ولا يختلف -بحسب رواية شهود عيان- حال القبائل الرحل المنتشرة على تخوم الصحراء في المنطقة، فهي محاصرة في شعاب بعض الجبال منذ أيام، وتعمل فرق الإنقاذ على فك العزلة عنها في ظل مخاوف من تجدد هبوب رياح عاصفة وتساقطات غزيرة خلال الأيام المُقبلة.

مناطق أخرى كأكادير ومراكش والصويرة -من أشهر المدن السياحية الجنوبية في المغرب- لحقت أضرار جسيمة ببناها التحتية بسبب انهيار بعض القناطر وتجاوز السُيول تدفقها المعتاد. فبحسب تقديرات رسمية، عادلت الأمطار المتساقطة في هذه المناطق خلال يومين منذ بدء هذه العاصفة، ما سقط طوال عام كامل خلال المواسم السابقة.

وتحولت حالة من الاستياء العارمة في أوساط ساكني مناطق الجنوب بسبب الخسائر الفادحة في المُمتلكات والأرواح التي تكبدتها هذه المناطق، لسجال سياسي ساخن في أروقة البرلمان المغربي، حيث اتهمت المعارضة المغربية الحكومة بالفشل في مواجهة هذه الكارثة الإنسانية، وعدم المُسارعة في اتخاذ تدابير استباقية لحماية السكان.

ودعت كتل نيابية من الأغلبية والمعارضة على حد السواء، لإعلان الحداد حزنا على ضحايا هذه الفيضانات الذين بلغوا 36 شخصا وفقا لآخر التقديرات الرسمية، في الوقت الذي تتحدث مصادر محلية عن سقوط ضحايا جدد خلال اليومين الماضيين، سواء غرقا في السيول أو بفعل انهيار المنازل الترابية ببعض القرى المعزولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *