خارج الحدود | هام

سر تقاعس العرب في محاربة “داعش” موجود لدى إيران

تتصاعد في الآونة الأخيرة الجهود الدولية التي تتضافر في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وتتزايد الدعوات للدول العربية لكي تبذل المزيد من هذه الجهود لمجابهة فوضى “الإرهاب” الذي يشكله “داعش”، الذي تجتاح موجته أوروبا والعالم العربي.

لكن، وبحسب التقرير الذي نشره إيان بلاك، محرر شؤون الشرق الأوسط بصحيفة الغارديان البريطانية، ثمة عوامل تثبّط تجاوب العرب مع هذه الدعوات المتزايدة وتتسبب في إحجامهم عن الاستجابة لها بالمستوى المطلوب منهم.

من هذه العوامل موقفهم من مزاحمة إيران لهم على النفوذ في منطقتهم، بالإضافة إلى اختلاف المواقف بشأن الأزمة السورية، ناهيك عن العامل الطائفي في المعادلة.

حضور كردي وغياب سُني

القوات الكردية المدعومة أميركياً والميليشيات العراقية الشيعية وحزب الله اللبناني الشيعي جميعها تقاتل “داعش”، لكن ثمة صعوبة في العثور على قوات برية عربية سُنية (تحارب التنظيم)، بحسب رأي الكاتب.

ويرى مراقبون من الشرق الأوسط أن هناك مؤشرات ترتفع وتيرتها على أن الأزمة السورية ما عادت قضيتها الإطاحة بحكم نظام الأسد بقدر ما باتت قضيتها الأولى الآن القضاء على “داعش”، في رأي هؤلاء المحللين.

دعم عربي ضعيف للتحالف الدولي

وتعول الولايات المتحدة سياسياً على دعم شركائها العرب المشاركين في الضربات الجوية (السعودية والإمارات والأردن والبحرين)؛ لأنه يوفر غطاءً سياسياً من دول المنطقة العربية لضرباتها.

وبالفعل كان هناك احتفاء إعلامي بمشاركة أمير سعودي وقيادة امرأة إماراتية بمقاتلة حربية في إطار الحرب الجوية، خاصة أيام حرب تحرير “كوباني” عندما وفرت غارات الجيوش العربية الغطاء الجوي للمقاتلين الأكراد لتحرير البلدة من قبضة “داعش”.

لكن ما الذي حل بالغارات العربية؟ ولماذا لم نعد نسمع بها؟

يعزو بلاك تراجع المشاركة السعودية في الحرب على “داعش” إلى انشغال السعوديين بحربهم ضد “الحوثيين” في اليمن، الذين تصر على أنهم مدعومون إيرانياً.

المعهد الملكي للخدمات المتحدة يرى في دراسة له أن عملية “العزم التام” التي تشنها أميركا على “داعش” كشفت في الحقيقة عن غياب هذا العزم وعن هشاشة الاتفاق – لا صلابته – بين هذه الدول.

فجوهر المشكلة – بحسب الكاتب – يكمن في أن “داعش” عدوة عدو العرب (إيران ونظام الأسد الذي تدعمه).

مخاوف من النفوذ الإيراني

يقول الكاتب الإماراتي سلطان سعود القاسمي: “مازال السعوديون يخشون إيران على المدى البعيد أكثر من داعش”.

وتؤكد إيميلي هوكايم، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن “الجميع يقولون إنهم ضد (داعش)، لكنها ليست أولوية بالنسبة لهم، فهي ليست بعد المعيار الذي يغير سلم أولويات سياسات هذه المنطقة”.

رسمياً مازال العرب في التحالف ضد “داعش” ويصرون على أن شيئاً لم يتغير، فالضربات الفرنسية لمدينة الرقة عاصمة “داعش” انطلقت من قواعد في الأردن والإمارات.

غير أن القوات الجوية الوطنية لهاتين الدولتين غائبة عن المشهد، إذ لا ينسى أحدٌ مصير الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي أحرقته “داعش” حياً في قفص.

وتكتفي دول التحالف العربي بـ”الدعوة” لمزيد من الضغوط وتضافر الجهود. وتدعو السلطات السعودية لمضاعفة الجهود للقضاء على بؤر إرهاب “داعش” التي باتت تستهدف المراكز الشيعية على أراضي المملكة لتأجيج الخلافات الطائفية.

وزير الخارجية الإماراتي تعهد بالاستجابة لأي طلب أميركي للمساعدة، أما مصر فمنشغلة بتداعيات حادثة الطائرة الروسية التي لعل إسقاطها جاء رداً من المجموعات الإرهابية في سيناء على دعم روسيا للأسد.

حرب اليمن

لا يعتقد أحدٌ أن التحفظ العربي على مواجهة “داعش” يرجع إلى ضيق ذات اليد من الإمكانات العسكرية، فالسعودية والإمارات تمتلكان ترسانات عسكرية متطورة غربية الصنع، غير أنهما الآن مشغولتان بدكّ أوكار الحوثيين في اليمن.

يعلق الكاتب الأكاديمي العماني عبدالله صالح باعبود قائلاً: “لدول الخليج سياسات متضاربة، فمن جهة لديها التزام بمحاربة داعش، لكنها في الوقت ذاته منشغلة بصراع آخر تراه صراعاً ضد هيمنة الشيعة/الفرس على المنطقة. إنها بالتأكيد تريد مساعدة شركائها، غير أنها كذلك قلقة من الرأي العام الداخلي، فهي لا تريد أن تبدو كمن تحارب السنة. أي أن الوضع صعب بالنسبة لها”.

بالفعل ازدادت حدة التوتر والشكوك التي تشوب العلاقات بين العرب وإيران كثيراً منذ الاتفاق النووي الإيراني في يوليو/تموز الماضي، خاصة مع تبادل الانتقادات اللاذعة بين الحكومتين السعودية والإيرانية إثر حادثة تدافع الحجاج في مكة.

وهنا يقول الكاتب القاسمي: “لا نستطيع أن نلقي باللوم كله على السعوديين ونغفل دورهم في الحل، فالمسألة ليست بوضوح الأبيض والأسود بل هناك الكثير من المسائل في المنطقة الرمادية”.

ويتابع “لماذا ينتدب السعوديون أنفسهم لمحاربة عدو أعدائهم: الأسد وإيران؟ إن الكرة في ملعب إيران فعليها أن تقدم بادرة حسن نية للسعوديين بالضغط على الحوثيين للجلوس إلى طاولة محادثات السلام في اليمن بشكل جدي، أو تخفيض حدة لهجتها العدائية حول البحرين”.

كما أن تقاعس الحكومات العربية وتلكؤها في حرب “داعش” بدأ يعكس خوفها من تنامي التعاطف مع “داعش” والقاعدة بين صفوف مواطنيها.

تباين المصالح الوطنية

يقول جوزيف باهوت، الباحث الفرنسي اللبناني في مؤسسة كارنيغي بواشنطن، إن الهوة بين السعودية وإيران سحيقة جداً لا تسمح لهما بالالتقاء على أرضية وسط لتوحيد جهودهما ضد “داعش”.

ويضيف أن المشكلة الثانية هي نظام الأسد، فالسوريون هم أقدر من غيرهم على محاربة “داعش” في أراضيهم إن غاب وتقاعس العرب أو الغرب، لكن مشكلة المقاتل السوري أنه لا يريد مقاتلة “داعش” إن كان مآله ومصيره بعد ذاك العودة إلى سجون النظام السوري التي سيقبع فيها إن هُزِمت “داعش”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *