ملفات | هام

مركب نور بورزازات .. حديقة الألواح التي تحول الشمس لطاقة نظيفة

على مرمى البصر، وحيثما وليت وجهك في مركب نور بورزازات، تقف آلاف الالواح الشمسية منتصبة قبالة الشمس تستمد نورا تحوله طاقة نظيفة، مثل أوراق الزهور وندى الصباح يجف عنها مع طلوع يوم جديد كانت الالواح الضخمة المتراصة في الساعات الأولى لهذا اليوم الخريفي.

ومن الداخل، تبدو هذه الحديقة الشمسية الممتدة على 3400 هكتار، أي ما يعادل مدينة من حجم الرباط، سمفونية من زخارف الألواح بديعة الترتيب، بعلو من أكثر من أربعة أمتار، ممتدة على مرمى البصر، ضمن سبع منصات، ذات هندسة متوالية، على طول منطقة تعرف بأرض الشمس الاستثنائية. إننا في حديقة الالواح الشمسية بورزازات أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم.

تقع المحطة عند خاصرة سلسلة الأطلس على بعد نحو 10 كيلومترات الى الشمال الشرقي عند الطريق المؤدي إلى الرشيدية، وتقدم لأول وهلة للزائر القادم وسط الكتبان الرملية والتلال الصغيرة المعشوشبة، متوالية غير منتهية من الالواح والأنابيب والأحبال مثل متاهة حقيقية تقود نحو الضوء.

ويشرح أحد التقنيين في عين المكان قائلا “إن المبدأ بسيط، فهذه الألواح الضخمة يتم التحكم فيها انطلاقا من مركز مراقبة، لتوجه باستمرار حسب حركة الشمس تماما مثل زهرة عباد الشمس، فتحدث الحرارة المستمدة طاقة تدير التوربينات والمولدات، فينتج الكهرباء”.

ومن أجل ذلك يتوقع إقامة منشئات مائية على سد المنصور الذهبي الأضخم بالمنطقة والذي ستصبح له وظائف جديد، كما أن المناطق التي كانت إلى وقت قريب وعرة الولوج تشهد حاليا تحولات، وكذلك السكان في المنطقة.

فأنور المغراوي المنحدر من تنغير والحاصل على الإجازة في القانون لا يخفي سروره بالوقع الإيجابي لهذا المشروع من حيث توفير مناصب الشغل، معربا عن الأمل في رؤية منطقته تحتضن مشاريع أخرى من هذا الحجم والأهمية.

أما محمد إيفراسن رئيس جماعة غسات، التي يقع المشروع ضمن نفوذها، فقد لمس مبكرا أهمية هذه الحديقة الشمسية التي أعطى الملك محمد السادس انطلاقتها في نوفمبر 2009، ضمن مخطط مغربي رائد للطاقات المتجددة تبلغ مجموع استثماراته 72 مليار درهم يطمح لتلبية نحو 42 في المائة من حاجيات المغرب من الكهرباء بحلول العام 2020.

وبالنسبة إليه فإن بلدة غسات ستعرف مستقبلا زاهرا من حيث تحديث تجهيزاتها وتأهيلها سواء في قطاعات التعليم والصحة والطرق والمنشئات السياحية وهي التي عانت بشدة من قساوة الظروف المناخية وتوالي سنوات الجفاف والتهميش والعزلة.

وفي تاسلمانت الدوار الأقرب للموقع يستشف بشكل بارز حماسة السكان والتزامهم وكذلك آمالهم وتطلعاتهم. فالكل يولي اهتماما منقطع النظير لمشروع أصبح حقيقة ملموسة على أهبة إطلاق أنواره، فالألسن لا تكف عن الحديث وتتوالى عبارات الإطراء والمديح.

وبالنسبة لخالد البالغ 28 سنة والذي يشتغل في مقاولة محلية فإن انعكاسات المشروع أصبحت ملموسة وتتمثل بالخصوص في عملية بناء الطريق ومشاريع الدعم الزراعي للسكان المحليين (تربية المواشي وتهيئة السقايات وأنظمة الري وتأهيل واحات النخيل).

نفس الرأي يتبناه إمام المسجد محمد الموكل ولحسن اغنجاي من ساكنة الدوار والذين اعتبرا أن مشروع نور سيحدث تحولات عميقة على قريتهما، ولم يخف العديد من السكان شيبا وشبابا رغبتهم في المساهمة وتقديم خدماتهم ذلك ان المشروع أحدث ثورة جلية سواء على المجال أو السلوكيات.

ويقول يونس بلحسن عميد الكلية التقنية بورزازات إن ذلك مرده كون الساكنة منخرطة في هذا المشروع وتعتبر نفسها جزء منه، مضيفا أن الكلية أحدثت منذ العام 2009 تخصصات في الطاقات المتجددة والهندسة والتخطيط المعلومياتي وجميعها تعرف إقبالا هاما والنتيجة هي تخرج 147 جامعيا جزء كبير منهم أبرم عقود تشغيل.

وبالنسبة للزبير بوحوت مدير المجلس الإقليمي للسياحة فإن الأثر السريع لهذا المشروع الرائد بالغ الأهمية على القطاع السياحي من حيث الاقامة والتغذية وكراء السيارات وغيرها، ولكن أيضا على المدى الطويل لأنه أتاح إشعاعا عالميا جديدا لورزازات التي باتت تعرف بأكبر مركز عالمي لإنتاج الطاقة الشمسية النظيفة.

ويقول إن دليل ذلك هو الوتيرة المتزايدة لتنظيم المنتديات الكبرى والمهرجانات المتمحورة حول موضوع الطاقة الشمسية بمشاركة كبار المتخصصين والفاعلين الاقتصاديين والفنانين ذوي الشهرة العالمية.

وبينما تتواصل أشغال التهيئة في أوراش المحطة الشمسية بورزازات يجري الحديث عن تنظيم مسالك سياحية للطاقة الشمسية وزيارات علمية وماراتون وأشياء أخرى.

هي ورزازات التي لم تكشف بعد عن كل سحرها، فقد كانت دوما أرض التاريخ والأساطير ما جعل منها وجهة سياحية بامتياز، ثم أصبحت هوليود إفريقيا باختيارها من قبل كبار المخرجين العالميين لتصوير عشرات الإنتاجات السينمائية الضخمة.

وورازات الآن تكشف للعالم أسرار الشمس، وتلقنه درس الحفاظ على كوكب الارض باستخدام الطاقة النظيفة، فما أن يرخي الليل سدوله حتى تستدير الألواح الضخمة لوضعها الطبيعي في انتظار أنوار صباح جديد.

* و.م.ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *