خارج الحدود | هام

مسؤول عراقي: الكل فاسدون .. حتى أنا

جلس مشعان الجبوري، رئيس منظمة مكافحة الفساد العراقي، في مكتبه قائلاً في سخط: “لا يوجد حل. إن المجتمع فاسد حتى النخاع، والجميع فاسدون بما فيهم أنا. كل الوجوه المعروفة في العراق هم الذين سرقوا ثروتها، وهناك أشخاص على قمة الهرم سيقتلونني إن حاولت ملاحقتهم.”

صحيفة الغارديان البريطانية تحدثت إلى الجبوري أمس الجمعة 19 فبراير 2016 وبدأ الحديث عن الحكم المريض في العراق، وما يتم القيام به لإصلاح الأوضاع، وقال بأنه على الأقل صادق فيما يقول، وأضاف: “تلقيت عرضاً بـ5 ملايين دولار لأتوقف عن متابعة التحقيق عن شخص ما، وأخذت المال لكنني استمررت في ملاحقته مرة أخرى”.

يرأس الجبوري إحدى هيئتي مكافحة الكسب غير المشروع، المنوط بهم حماية الأموال العامة في العراق ما بعد الحرب.

alraq

ويزداد الاهتمام بهذه الهيئات حالياً بسبب انخفاض سعر البترول، وما قد يسببه ذلك من تهديد لعائدات العراق، كما تزداد التساؤلات عما فعله الأوصياء على الأموال العامة بعشرات المليارات من الدولارات خلال العِقد الماضي، ومدى إمكانية استغلال هذ الأموال لحماية الدولة من عجز الميزانية.

فمع استمرار انخفاض أسعار النفط ووصوله إلى أدنى معدلاته التاريخية كما هو متوقع، قد يصبح العراق عاجزاً عن دفع مرتبات بعض موظفيه، أو الوفاء بتعهداته لبناء الطرق ومحطات الطاقة في السنة المالية القادمة. وخلقت الأزمة حالة من البلبلة والحسابات غير المريحة وسط الطبقة السياسية العراقية، وعسكرييها وبعض الشخصيات الدينية العامة الذين قادوا مسيرة مذهلة من النهب لـ13 عاماً، جعلت من العراق واحدة من الدول الـ5 الأولى الأقل شفافية والأكثر فساداً على مستوى العالم.

وأضاف الجبوري لمراسل الصحيفة: “صدّقني حين أخبرك بأن معظم الأسماء المعروفة في العراق هم الذين سرقوا ثروتها، هناك أشخاص على قمة الهرم سيقتلونني إن حاولت ملاحقتهم. هنا، يسرقون دون الحاجة إلى الإخفاء، بل يتفاخرون بذلك، هناك فيروس هنا، مثل الإيبولا، اسمه الفساد. وأنا آسف لأقول إنه ما من أمل”.

يتنامي الإدراك عبر مختلف مستويات المجتمع بأن العراق يدخل إلى مرحلة جديدة قد تكون مُهَدِدة لاستقراره كمواجهة الدولة الإسلامية، وربما أكثر.

جمال البطيخ، الزعيم القبلي البارز، قال بأنه منذ 12 عاماً تم فتح مناقشة الميزانية في البرلمان، لكنها لم تُغلَق قط. ولم تكن هناك محاسبة على الإطلاق، وقال بأنهم “كانوا يُقَسّمون الغنائم فيما بينهم كل هذا الوقت”.

alkhmyny

“هذا أمرٌ وجودي” كما أضاف إياد علاوي، النائب السابق للرئيس، والذي ألغي منصبه في أواخر السنة الماضية وسط إجراءات خفض التكاليف، وقال: “هناك نقابات منظمة للفساد تدير البلاد، بالإضافة إلى الميلشيات، سأخبرك بوضوح، ما من قوة عراقية تستطيع التصدي لهم”.

على مدار الأشهر الـ4 الأخيرة، حاول حيدر العبادي رئيس الوزراء، وبعض كبار المسؤولين العراقيين فعل ذلك، مدعومين من آية الله السيستاني، المرجع الديني الأكبر في البلاد، فعملوا على إطلاق حملة لمكافحة الفساد للتخلص من كبار الفاسدين وتقديم آليات مساءلة مُعتَمَدة على مختلف مستويات قطاع الأعمال والسياسة.

السيستاني الذي ظل قليل الكلام معظم حياته، أظهر تشدداً غير اعتياديّ في خطب الجمعة التي نقلها متحدث باسمه، إلى أن توقف عن ذلك في يناير كنوع من الاحتجاج. وقال وقتها: “لقد تكلمنا كثيراً حتى بُحَّت أصواتنا، لكن أحداً لم يستمع”.
وعلّق علاوي على تدخلات السيستاني المتزايدة بقوله: “لقد كان أقوى وأكثر عناداً وشدة من أي وقت مضى. إنه يعرف مدى جدية هذا الأمر”.

وأُسند إلى وزير المالية، هوشيار زيباري، محاولة إيجاد حلول لمواجهة عجز الميزانية المرتقب، والذي يخشى السيستاني وعبادي وغيرهم من أن يؤدي إلى اضطرابات داخلية.

وأشار زيباري إلى صعوبة موقفهم هذا العام مقارنة بأي عام سابق، واعتمادهم على عائدات البترول بنسبة 93-95%، وأضاف: ” لقد استنفدنا القروض المحلية لدينا، يجب علينا أن نعيد التفكير فيما نفعله، وأن ننقص اعتمادنا على البترول، وأن نؤهب الشعب للتغيرات التي ستتم، إنها مسألة تغيير، والناس هنا لم يعتادوا ذلك”.

وُضعت ميزانية العراق على اعتبار سعر برميل النفط هو 45 دولارا، لكن سعر النفط انخفض في الأشهر الأخيرة إلى حوالي 27 دولارا، قبل أن يرتفع مرة أخرى بنسبة 14% خلال الأسبوع الماضي. لكن خبراء النفط في الشرق الأوسط يعتقدون بأن هذا الانخفاض هيكلي، وليس دوريًا، مما سيؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصادات التي تعتمد على هذا النوع من الطاقة.

كما قال زيباري بأنه قد حمل الحسابات المالية الكاملة للعراق وذهب بها إلى آية الله السيستاني في مدينة نجف الشيعية، ليفحصها. وأضاف الزيباري: “السيستاني عازم بشدة على تغيير الأوضاع، لكنه محبط للغاية”.

ويملك العراق عدداً هائلاً من الموظفين الحكوميين، إذ يبلغ عددهم 7 ملايين من تعداد السكان البالغ 21 مليون نسمة. ويعتقد زيباري أن معظم الفساد المؤسساتي المخفي يوجد في هذه المنطقة. وأضاف: “إن مشكلتنا الرئيسية هي الجنود الأشباح. هناك حوالي 500-600 مليون دولار من المرتبات يتم دفعها لأشخاص غير موجودين، وما من آلية لمراقبة الأموال”.
في هذه الأحوال يحصل الموطفون على رواتبهم، وفي أحوال أخرى يدفع الجنود نصف رواتبهم للموظفين مقابل عدم ذهابهم للعمل. وكان بابكر زيباري، القائد السابق لأركان الجيش العراقي والذي تقاعد العام الماضي قد اعترف بأن قضية الجنود الأشباح تقض مضاجع الجيش، بالإضافة إلى مناقصات الأسلحة.

كما قال: “لقد حذرت من هذا الأمر طوال الوقت، الجميع يعلم رأيي”. وأضاف: “إن المناقصات يجب أن تحصل على اهتمام أكثر من ذلك، فأنا أظن أن الكثير من المال قد فُقِد هناك”.

ويعتقد هوشيار زيباري بوجود ما يقدر بـ30000 جندي شبح في القوات المسلحة العراقية، يحصل الموظفون على رواتبهم، ويؤثر هذا الأمر للغاية، إذ إن سقوط الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية في منتصف 2014، كان جزء من أسبابه هو وجود عدد قليل من الجنود للدفاع عن المدينة، عدد أقل من أولئك الموجودين على الأوراق، ولم يتم تقديم الجنرالات وغيرهم من كبار الضباط المسؤولين عن هذه الفضيحة للمحاكمة حتى الآن.

يقول الجبوري: “إنهم محميون. نحن نذهب وراء الأهداف السهلة. تم حبس أحد رجال الأعمال لمدة عامين، بسبب سرقته لـ200 ألف دولار. هذا لاشئ مقارنةً بما يحدث في أماكن أخرى”.

“لقد دفعنا مليار دولار لطائرات لم تصل أبدًا. وفي تكريت، خُصصت ميزانيات لمحاكم لم يتم بناؤها، نفس الأمر مع طرق لم تُشق، وميناء أم القصر بالبصرة. حتى لو كان لدي 50 موظفًا لمساعدتي، لن نتمكن من فعل شيء يُذكر”.

وأضاف: “المشكلة هنا اجتماعية أيضًا، سيعتبرك الآخرون ضعيفًا إن لم تسرق، الجميع يريدون الحصول على القوة لأن لا أحد سيشاركك القوة التي حصل عليها”.
قال علاوي أيضًا إنه قد حمل خطة لعبادي تتضمن دعوة مدققي الطب الشرعي لفحص سجلات العراق، لكنه قوبل “بصمت مطبق ونظرات فارغة. وكأن قنبلة أُشعِلَت في الغرفة”.

أما عن اعتراف رئيس مكافحة الفساد بفساده الشخصي، فقد قال: “لقد فعلتها لأتحدى من يريد ملاحقتي” وأضاف: “لا أحد يجرؤ. لديّ ملفات تدينهم جميعًا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *