مجتمع | هام

مجتمع سبتة.. تباعد في الحياة وتجاور في المقابر

يلاحظ المهتم بموضوع المدن المتاخمة لنقاط التماس بين شعبين أو بين ثقافتين أن التفسير الاقتصادي للعلاقة هو الغالب بحكم حركة المد والجسر القائمة عادة بين الطرفين. غير أن وضع سبتة مختلف لأنها قائمة على تمازج خاص بين شعبين عاشا المد والجسر على إيقاعات مختلفة، منها ما كان وقت الوجود الإسباني بالمغرب، وما ترتب عن الوضع الأول من مستقرين بالمدينة وحاملين لجنسيتين مغربية وإسبانية،ومنها ما ارتبط بمن التحقوا من جراء حركات الهجرة التي تكثفت أواسط التسعينيات فأنتجت مجموعات اجتماعية جديدة مكونة أساسا من مغاربة لم يتمكنوا من الاندماج في إسبانيا في الضفة الأخرى، فعادوا للاستقرار في سبتة. ويظل الفرق بين المستقرين الأوائل والمجموعات المهاجرة الثانية بائن في درجات الاندماج إذ اندمج الرعيل الأول بتمكنه من ناصية اللغة أولا وبعمله في مختلف المجالات وبمعاشرته الإسبان معاشرة اجتماعية تامة قائمة على الاختلاط وعلى تشرب ينابيع الثقافتين وتأثر البعض منها بالبعض الآخر ثانيا؛ في حين نشأ عن الهجرة الثانية استقرار المغاربة النازحين الى سبتة في أحياء شبيهة بالغيتوهات أكدت عزلتهم الاجتماعية ولم تسعادهم على التمكن من اللغة التي تسهل الاندماج ولم تمكنهم من التعرف على مناحي الحياة لدى الآخر وطرح ما لهم من غنى ثقافي وهوياتي يستحق التعرف.
وتميز هذه الأحياء المغربية الجديدة اعتماد أصحابها على بناء دورهم بالطريقة المغربية الحديثة القائمة على اقتناء بقع أرضية وتشييدها على شاكلة مكعبات متجاورة (حالة حي بريسيبي الذي هو حي الأمير سابقا)، ويظل المثير في هذه الأحياء هو الغياب شبه التام للمرافق الترفيهية والغياب التام للتجاور مع الإسبان، مما نتج عنه عزلة اجتماعية ظاهرة للعيان عمقها اشتغال الفئات الجديدة في مهن حرة تغلب عليها التجارة الصغرى غير المنظمة (منهم البراكدية) وحرف البناء.
ويبقى الشيء الوحيد الذي حافظ على تجاور هادىء هو وجود مقابر المسلمين إلى جانب مقابر اليهود والنصارى جنبا إلى جنب تأوي الراحلين من مختلف الفئات، وكأن الاندماج الذي لا يتحقق في الحياة يفتح له الموت ذراعه في بهاء. لذلك، في سبتة يتبادر الى الذهن سؤال اليوم هو : كيف سيكون الجيل القادم المكون من أبناء المهاجرين الجدد الذين يتمدرسون اليوم في المدارس الإسبانية ويعيشون هناك ولكنهم سيدركون يوما أنهم مسلمون عاشوا في سبتة ولكن في الغيتوهات؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *