متابعات | هام

نجاة أنور .. فاعلة حولت “الاعتداءات الجنسية على القاصرين” إلى قضية رأي عام

ظل الحديث عن الاعتداءات الجنسية على القاصرين في المجتمع المغربي ولفترة طويلة من بين الطابوهات ، الشيء الذي ساهم في إفلات المتورطين في مثل هذه الاعتداءات من المتابعة القضائية، وانتفاء شروط الحماية القانونية والأخلاقية للطفولة المغربية وللمجتمع برمته.

لكن هذا الصمت الذي ظل يصاحب ظاهرة الاعتداء الجنسي على القاصرين ، كان يوازيه صمت آخر ظل يستفز الضمير الحي لفئة عريضة من أفراد المجتمع الذين لم يستسيغوا استشراء هذا الفعل المؤذي في المجتمع المغربي الجدير بأن تترعرع طفولته في بيئة اجتماعية ونفسية سليمة ، ومن هؤلاء الأفراد الفاعلة الجمعوية نجاة أنور، مؤسسة ورئيسة جمعية “ماتقيش ولدي”.

منذ سنة 2004، تاريخ تأسيس هذه الجمعية، إلى حد اليوم ، ظلت نجاة أنور مثل الرحالة ، تتنقل من مدينة لأخرى ومن مدشر إلى آخر عبر مختلف مناطق التراب الوطني، جاعلة من نفسها أما بالتبني لكل الأطفال الذين تم المساس بكرامتهم، ساعية إلى إقناع الأسر المغربية التي تعرض أبناؤها القاصرون للإعتداء الجنسي بالانتفاض ضد الصمت ، وصون كرامة أبنائهم من تسلط العابثين ببراءتهم.

ومن جملة الملفات القضائية التي راجت أمام المحاكم المغربية وتتبعتها جمعية “ماتقيش ولدي” هناك القضية التي هزت الرأي العام الوطني والدولي سنة 2004، والمعروفة بملف عبد العالي الحاضي، الذي كان يقتل الأطفال القاصرين في مدينة تارودانت بعد الاعتداء الجنسي عليهم، حيث كانت الجمعية بمثابة السند القوي لأولياء الضحايا، أثناء أطوار المحاكمة، وكذلك بعد انتهائها.

لم تكتف نجاة أنور بربط الإتصال بعائلات الأطفال المعتدى عليهم، بل سعت دائما إلى إقناع المحامين بضرورة الانخراط في تبني قضايا الاعتداء على حرمة الطفولة، حيث تعتبر أن ذلك من صلب المهام الموكولة لأصحاب البذلة السوداء، و استطاعت بذلك أن تدفع بالعديد من المحامين، في مختلف الهيئات عبر التراب الوطني، إلى الانخراط في تبني قضية الدفاع عن الطفولة المغربية، بل بادر عدد من المحامين لطلب العضوية في جمعية “ماتقيش ولدي”.

وحرصا منها على جعل ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال القاصرين قضية رأي عام في المجتمع المغربي، أقدمت السيدة نجاة أنور على توظيف مختلف أشكال التواصل، علاوة على اللجوء لمختلف السبل القانونية الممكنة لتوسيع دائرة الوعي بخطورة الاستمرار في الصمت إزاء هذه الظاهرة المشينة.

وكما استجاب المحامون لنداء الضمير، استطاعت نجاة أنور استقطاب عدد من الفنانين والرياضيين ، الذين يحظون بتقدير وحب كبيرين لدى الجمهور المغربي ، لتبني قضية الدفاع عن الأطفال القاصرين الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر نجم الشاشة الكبيرة والصغيرة، الفنان المقتدر عبد القادر مطاع، إلى جانب اللاعب السابق للمنتخب الوطني لكرة القدم الموهوب صلاح الدين بصير.

وإلى جانب إقناع المحامين ومشاهير الفن والرياضة في تبني قضية الدفاع عن القاصرين ضحايا الاعتداءات الجنسية، بادرت نجاة أنور بزرع التوعية بهذه الظاهرة وسط الجمهور العريض ، وكذلك وسط فئات المثقفين، وذلك عبر إقامة أروقة تواصلية لجمعية “ماتقيش ولدي” في بعض التظاهرات والمهرجانات الفنية والثقافية، ومن ضمنها على سبيل المثال لا الحصر “مهرجان أكادير الدولي للسينما والهجرة”.

ومن أجل توسيع دائرة الدفاع عن الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية، وتقريب خدمات الجمعية منهم، بادرت نجاة أنور بوضع رقم هاتفي مجاني رهن إشارة العموم وفي مقدمتهم الضحايا وأسرهم . كما فتحت المجال لاستقبال الشكايات عبر البريد الالكتروني، وصفحة المنظمة عبر الفاسبوك.

بعد مرور أزيد من عشر سنوات على تأسيس جمعية “ماتقيش ولدي”، وتمرسها في الدفاع عن القاصرين ، أصبحت اليوم نجاة أنور تتوق إلى جعل هذه المنظمة المدنية قوة اقتراحية تساهم، بتشاور مع خبراء وأخصائيين، في الدفع باتجاه تغيير بعض القوانين الزجرية التي تسري على المتورطين في الإعتداء على الأطفال القاصرين.

ومن ذلك مثلا مطالبة الجمعية باعتبار جريمة الاعتداء الجنسي على القاصرين جناية وليست جنحة، وذلك بغض النظر عن ثبوت استعمال العنف والإكراه من عدمه عند ارتكاب الفعل الجرمي، حيث تعتبر الجمعية أنه من غير المعقول القول بأن فعل الاعتداء الجنسي يتم بدون عنف.

وإلى جانب ذلك، تسعى رئيسة “ماتقيش ولدي” إلى جعل الجمعية حاضرة وبقوة خارج الحدود الوطنية، وهذا ما تأتى لها بعدما باشرت متابعة بعض القضايا التي كان مواطنون أجانب ضحايا فيها. كما تقدمت بشكاوى ضد أجانب في بلدانهم الاصلية بعدما تورطوا في اعتداءات جنسية على أطفال قاصرين في المغرب.

وتؤكد السيدة نجاة أنور أن جمعية “ماتقيش ولدي” لازالت تستشرف المستقبل بأمل وتطلع نحو غد أفضل لفائدة الطفولة المغربية، حيث تسعى الجمعية في هذا السياق إلى تثمين الشراكة التي تربطها مع وزارة الصحة في مجال مواكبة وعلاج الأطفال الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية.

كما تعمل الجمعية في الظرف الراهن على إنجاز دليل لفائدة المتعاملين مع الأطفال من أجل تسهيل عملية تحسيسهم وتوعيتهم بخطورة الاعتداءات الجنسية على القاصرين ،إضافة إلى انجاز أفلام قصيرة ، وأشرطة وثائقية قصد توعية الجمهور الواسع بخطورة التجني على الطفولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *