ثقافة وفن

الأمازيغية بالجزائر .. بأي حرف ستكتب؟

شرع باحثون جزائريون متخصصون في علوم اللسانيات، في العمل على إنجاز قاموس جامع للغة الأمازيغية، يكون مرجعاً أساسياً في الاستخدامات العلمية والتعليمية، وذلك تماشياً مع المكانة التي خُصّت بها في الدستور الجديد، حيث أصبحت “لغة رسمية”.

وسيتضمن القاموس الموحّد جميع مفردات “تمازيغت”، المنحدرة من اللهجات الشاوية، القبائلية، المزابية، التارقية والشلحية، وتعرض بشرح وتعريف وافٍ مثلما هو معمول به في قواميس كل اللغات.

ويعتبر المشروع خطوة جادة على طريق توحيد هذه اللغة الضاربة في أعماق تاريخ الجزائر، غير أن بعضاً من المتخصصين والمراقبين يرى أن هناك عراقيل عديدة تترصد مسار تطور الأمازيغية، أبرزها الجدل القائم بشأن الخط الذي ستكتب به، إلى جانب صعوبات تتعلق بتعميم تعليمها.

 

أخيراً الأمازيغية لغة وطنية ورسمية

 

كل شيء بدأ في الأسبوع الأول من يناير 2016، وبالتحديد حين تم الكشف عن فحوى مشروع تعديل الدستور، الذي أصبح دستوراً جديداً رسمياً للجزائر بتاريخ 7 مارس 2016.

ففي هذا النص التشريعي نقرأ في مادته الرابعة ما يلي:
“تمازيغيت هي كذلك لغة وطنية ورسمية، تعمل الدولة على ترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني، يحدث مجمع جزائري للغة الأمازيغية ويوضع لدى رئيس الجمهورية، يستند المجمع إلى أشغال خبراء ويكلف بتوفير الشروط اللازمة لترقية تمازيغيت قصد تجسيد وضعها كلغة رسمية فيما بعد، تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة بموجب قانون عضوي”.

ويستشف من نص المادة أن الأمازيغية تحتاج إلى جهد ووقت، كي تجد مكانتها كلغة رسمية كاملة المعالم في الدولة الجزائرية، ويتعلق الأمر بعمل بحثي أكاديمي، واستحداث هيئات وقوانين.

 

كيف تتوحّد وهي شتات من اللهجات؟

 

ما يُجمع عليه خبراء علم اللغة أن الطريق مازال شاقاً أمام الأمازيغية، كي ترتقي إلى لغة رسمية، بالنظر إلى تشكيلها من 5 لهجات محلية هي: الشاوية، القبائلية، الشلحية، المزابية والتارقية، وبما أن الطابع الشفهي غلب عليها قديماً، ولم يعثر على ما يدل على أن علوماً أو معارف كُتبت بها، جعل ذلك كثيرين يطرحون التساؤل: كيف نوحد لغة مشكَّلة من لهجات؟

الدكتور أزيري بوجمعة، باحث في اللسانيات والترجمة متخصص في الأمازيغية، قال لـ”هافينغتون بوست عربي”، إن لغة “تمازيغت” سيكون لها قاموس جامع وموحّد في الوقت القريب.

أزيري الذي يشغل منصب مدير التعليم والبحث في المحافظة السامية للغة الأمازيغية، وهي أول منظمة تُعنى باللغة الأمازيغية في شمال إفريقيا، اعتبر الاعتقاد بأن تعدد اللهجات إشكالاً خاطئاً من أساسه، وأوضح أن “الأمازيغية من اللغات الطبيعية (يتكلمها الناس) وبالتالي يجب أن تنمو طبيعياً، وبتقوية اللهجات الموجودة ستنتج لغة موحّدة”.

 

تتشكل من النحوية والصوتية

 

وأفاد المتحدث “بأن اللغة الموحدة، وعكس ما يظن البعض، لن تقضي على اللهجات وإنما ستكون هذه الأخيرة قاسماً مشتركاً لها، تمازيغيت، ومثل جميع اللغات تتشكل من المنظومتين النحوية والفونولوجية (الصوتية)، ومن ناحية النحو نجد أن اللهجات الخمس للأمازيغية تتشابه تماماً من حيث التركيب مع اختلاف طفيف في أدوات النفي”.

أزيري أشار إلى أن الفرق في الجانب الفونولوجي يكمن في نطق الكلمات، وقال إن مفردات هذه اللغة تتجدد وتقترض من العربية مثلما هو حال عديد اللغات، مستدلاً بالمفردات الدينية “كالصلاة، والوضوء وغيرهما”.

وفي السياق يقول الباحث في علوم اللغة بجامعة تيزي وزو، حسين ولهة، إن “مكونات اللسان الأمازيغي في صورته الأولى غير ما هي عليه اليوم؛ حيث نجد فرقاً في المستويات اللغوية بين القبائلية والمزابية، والشاوية والتارقية، وهذا الفرق ساهم في إيجاده مكونات اللغة نفسها، فتوسعت بذلك حدود المنطوق على كل لسان وتباعدت الأمازيغية الأولى”.

وأضاف ولهة: “المعجم الأمازيغي فقد كثيراً من السلامة الصوتية، وكم هو صعب تحديد هذه السلامة في يومنا هذا؛ لذلك فإن محاولة إنشاء قاموس موحّد للغة الأمازيغية محاولة شريفة تستحق الاهتمام والثناء، ولكن ينبغي تحديد المدخلات اللغوية الأصلية في صورتها الأولى تفادياً للتنازع بين لهجة وأخرى”.

 

كل شيء عن القاموس الموحّد

 

وكشف د. أزيري بوجمعة أن المحافظة السامية للغة الأمازيغية التي تعد حالياً أعلى هيئة تختص بتنمية “تمازيغت” في شمال إفريقيا، شرعت في جمع مادة إعداد القاموس الجامع أو الموحّد.

وأفاد بشأن منهجية إنجاز القاموس بأنه “سيكون على شاكلة لسان العرب أو لاروس للغتين العربية والفرنسية”، وأضاف: “ستوضع فيه كل الكلمات مهما كان مصدرها، ليصبح بمثابة خزينة للغة الأمازيغية”.

وأكد أزيري أن القاموس لن يعرف اختراع كلمات جديدة، “بل سيشجع المفردات الموجودة، ويعرضها بالشرح والتعريف”، موضحاً في ذات الوقت أنه سيستخدم كنواة تستخرج منها قواميس التدريس، والمصطلحات العلمية وغيرهما من مجالات استخدامات اللغة الأمازيغية.

 

الخط مشكلة حقيقية

 

لازالت مشكلة الخط الذي تُكتب به الأمازيغية، أحد أكبر العراقيل التي تواجه تطورها، حيث تتأرجح كتابتها بين الخط الأصلي المعروف باسم “التيفيناغ”، والحرف العربي والحرف اللاتيني، وغالباً ما تنجز مختلف الأعمال بالخطوط الثلاثة كطريقة ضامنة للتوافق.

ودعا د. أزيري إلى تفادي الدخول في صراع حول الحرف؛ “لأن اعتباره مسألة مخيفة سيوقف كل شيء، وفي النهاية علماء اللغة يملكون وحدهم مسؤولية القرار”، وأضاف: “صحيح أن اللغة يجب أن تكتب بحرف واحد، وفي نفس الوقت لا أحد يستطيع أن يقطع لها الطريق إذا كانت مقبولة، ومن الأفضل أن نترك حسم المسألة للزمن”.

من جانبه ينتقد حسين ولهة ما يسمّيه “رائحة التمييع والتغريب لهذه اللغة من خلال كتابتها بالحرف الفرنسي”، والأولى كتابتها بالخط العربي، مشيراً إلى أن “المثقف وغير المثقف يعلم أن الفرس طوّروا معارفهم وحافظوا على لغتهم ومع ذلك لم يتعصّبوا إلى كتابتها بالخط السنسكريتي أو الهيروغليفي.. إلخ، إنما صورة منطوقهم متمثلة إلى اليوم في الحرف العربي، وبين أصواتهم وأصوات اللغة الأمازيغية تقارب، ثُم إن حروف العربية كما نعرفها 38 حرفاً المستعمل منها 28”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *