حوارات | هام

اليزيد الراضي: التصوف السني دعامة للحفاظ على الهوية والوطن والدين

على خلفية فعاليات الدورة الرابعة للموسم السنوي للمدارس العتيقة الذي احتضنه مؤخرا مدينة تارودانت، والمنظم من طرف مؤسسة سوس للمدارس العتيقة، بشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى وعمالة إقليم تارودانت، تحت شعار “التصوف السنوي: تربية ووحدة وإشعاع”، استضافت “مشاهد” اليزيد الراضي رئيس مؤسسة سوس للمدراس العتيقة، ورئيس المجلس العلمي المحلي بتارودانت، فكان معه الحوار التالي:

– تعيش مدينة تارودانت هذه الآيام على وقع أنشطة الموسم السنوي للمدارس العتيقة، الذي خصصتموه هذه السنة لموضوع التصوف السني، لماذا اختيار هذا الموضوع بالذات؟

كما تعلمون موضوع هذه الدورة هو الثابت الرابع من ثوابت المملكة المغربية وهو التصوف السني,، وقد اخترنا له هذا العنوان “التصوف السني: تربية ووحدة واشعاع” إشارة الى أهمية هذا الثابت من حيث أنه يهذب طباع الإنسان، ويقوم سلوكه ويجعله أخلاقيا ممتازا.

ومن حيث أنه، أي هذا الثابت، يجمع شمل الأمة، ويبعد عنها أسباب الفرقة. ومن حيث أنه مكن المغرب من أن يتجاوز اشعاعه الروحي حدوده الوطنية، لينفتح على العالم الخارجي، خاصة في اتجاهين بارزين؛ اتجاه المشرق العربي والإسلامي، واتجاه الجنوب والعمق الأفريقي.

ماهو جديد موسم هذه السنة بالمقارنة مع الدورات السابقة؟

هذه الدورة تشترك مع سابقاتها في كونها تدرس مسألة الثوابت. فكما هو معلوم خصصنا الدورة الأولى للثابت الأول وهو الفقه المالكي، وخصصنا الدورة الثانية للإمامة العظمى، وهو الثابت الذي يحمي هذه الثوابت كلها ويرسخها، في حين الدورة الثالثة خصصناها للعقيدة الأشعرية.

وهذه الدورة اليوم بها تكتمل سلسلة هذه الثوابت الأربعة، التي اسهمت بشكل كبير في جمع شمل المغاربة، وجعلهم عبر التاريخ الإسلامي المشرق أمة متماسكة، ومتعاونة ومتضامنة. هذه الدورة تتضمن أنشطة كثيرة متنوعة من قبيل؛ ندوات ومحاضرات وموائد مستديرة مفتوحة مع طلبة كلية الشريعة، وطلبة المدارس العتيقة.

وقد استقدمنا لتأطير هذه الأنشطة نخبة فاضلة من أساتذة الجامعات المغربية، وفقهاء المدارس العتيقة من مناطق مختلفة من المملكة، ويتخلل هذا الموسم مسابقات لفائدة طلبة المدارس العتيقة المشاركة، هذا الى جانب أمسيات دينية.

لقد استدعينا سبع مدارس لتحيي كل مدرسة ليلة من ليالي هذا الأسبوع. واحياء الليلة يتم على مرحلتين؛ الأولى تكون في المسجد بين العشاءين يتخللها قراءة للحزب الراتب ونصيب من بردة البوصيري، واعراب الحزب كما جرت العادة بذلك في مدارسنا العتيقة بمنطقة سوس، في حين المرحلة الثانية تتم بساحة 20 غشت، حيث يحيي الطلبة منظومة قصيرة من المنظومات التي تدرس في المدارس العتيقة، الى جانب باقة من الأمداح النبوية، وسكيتشات ومسرحيات مبسطة ذات أهداف دينية ووطنية. ليختتم الحفل بالدعاء لأمير المومنيين وللأمة الإسلامية جمعاء.

أملنا كبير في أن نعرف بثابت التصوف السني كما عرفنا بباقي الثوابت في الدورات السابقة، ليعرف الشباب خاصة وعموم المواطنين عامة، ان هذه الثوابت ضرورية للمملكة المغربية، لأنها تجمع الشمل وتلم الشتات وتوحد الصف، وتبعد اسباب الفرقة وتكون كما سبق وقلنا سببا لحماية وحدتنا الدينية والوطنية.

هل يمكن اعتبار التصوف السني دعامة أساسية من دعائم ترسيخ قيم الوطنية والدفاع عن الوحدة الوطنية؟

من دون شك لأن وحدتنا الوطنية والدينية قائمة على هذه الركائز الأربع: وحدة المذهب، حتى تكون عباداتنا ومعاملاتنا واحدة، وحتى يكون قضاءنا في المحاكم كذلك واحد، إذن بذلك نبعد أسباب الفرقة والشقاق.

كذلك عقيدتنا واحدة، عقيدة أبو الحسن الأشعري رحمه الله جمعتنا وأعطتنا شخصية فكرية موحدة، فليس عندنا في المغرب صراعات عقدية كما يقع لبعض البلدان، التي تنتشر فيها مذاهب عقدية متعددة، كذلك إمارة المؤمنين التي تعتبر ثابت الثوابت هي التي تحمي هذه الثوابت وتسهر على ترسيخها في المجتمع وتقدم لها الدعم الكافي لتستمر، ليستمتع المغاربة في ظلها بالآمن الروحي والرخاء والإستقرار.

وكذلك الأمر بالنسبة للتصوف حيث أن التصوف يهذبنا ويحلينا بنفس الفضائل، ويبعد عنا الرذائل فاذا استطعنا أن نصوغ وجدان السكان صياغة موحدة، فمعنى ذلك أننا نساهم في وحدتهم وجمع شملهم وابعاد أسباب الفتنة عنهم.

في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها الوطن، بماذا تنصح الشباب المغربي باعتباركم فاعل ذو وزن كبير في الحقل الديني بسوس؟

أنصحهم كما أنصح نفسي بأن يقرؤوا ما يربطهم بدينهم وبوطنهم لأن عزتنا أساس قدرتنا على الصمود أمام التحديات الكثيرة التي تواجهنا اليوم، خاصة وأن المغرب بلد محسود لأنه ذو نعمة الإستقرار وكل ذي نعمة محسود.

إذ علينا أن نقرأ ما يربطنا بديننا وبوطننا وبآصالتنا وهويتنا وكل ما يعمق جدور تاريخنا في وجداننا. لأننا بذلك نكون أمة لها شخصية متميزة ولها حضارة ولها وعي وادراك بمسؤوليتها، ولها قدرة على القيام بواجبها.

القراءة أمر ضروري للإنسان في جميع الأمكنة والأزمنة، وهي ضرورية أكثر في عصرنا الحاضر لأنها هي من تعمق الوعي، وهي التي تربط العلاقات بين أفراد الأمة الواحدة وتجعل أهدافهم موحدة تخدم الأجيال الصاعدة.

وأخيرا إذا انطلقنا من هذه المسلمات وحرصنا عليها فسنكون كما كان أسلافنا أمة قوية ومتحضرة وقادرة على توجيه الآخرين وتصدير النجاح للبشرية جمعاء. والمغرب كان رائدا دائما وينبغي له أن يبقى رائدا الى أن يرث الله الأرض وما عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *