آخر ساعة

النموذج التنموي..ثورة اقتصادية واجتماعية للرقي بالأقاليم الجنوبية للمملكة

 

في أجواء الحماس الوطني الفياض والتعبئة المستمرة، يخلد الشعب المغربي الذكرى 63 لملحمة ثورة الملك والشعب الغراء، والتي جسدت أروع صور التلاحم في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة العرش العلـوي في سبيل حرية الوطن واستقلاله ووحدته.

وفي استرجاع تاريخي لفصول هذه المحطة الوطنية فإن هذه الملحمة المباركة اندلعت يوم 20 غشت 1953 حينما امتدت أيادي المستعمر إلى رمز الوحدة الوطنية وبطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس، لنفيه وأسرته الملكية وإبعاده عن عرشه ووطنه، متوهمة بذلك أنها ستخمد جذوة الكفاح الوطني وتفك العرى الوثيقة والترابط المتين بين عرش أبي وشعب وفي.

غير أن هذه الفعلة النكراء كانت بداية النهاية للوجود الاستعماري وآخر مسمار يدق في نعشه، حيث وقف الشعب المغربي صامدا في وجه هذه المؤامرة، مضحيا بالغالي والنفيس في سبيل عزة وكرامة الوطن، وصون سيادته ومقوماته، وعودة الشرعية والمشروعية بعودة رمز وحدة الأمة المغربية مظفرا منتصرا حاملا لواء الحرية والاستقلال.
وتأتي هذه الذكرى والمغرب قد قطع أشواطا طويلة في مسيرة الجهاد الأكبر، أي تنمية ورقي البلاد، كما تشكل هذه المناسبة فرصة لساكنة الأقاليم الجنوبية للوقوف على عدد من المكتسبات الباهرة التي تحققت منذ استرجاع هذه الربوع.

وفي هذا السياق فقد شهدت الأقاليم الجنوبية للمملكة، وفي إطار مشروع الجهوية الموسعة، إرساء أسس النموذج التنموي الجديد الذي يسعى إلى الدفع بعجلة الاقتصاد المحلي بهذه الربوع، من أجل الانخراط في ورش التنمية المستدامة لكافة أنحاء المملكة.

ويستمد هذا النموذج التنموي مبادءه الكبرى من دستور 2011 عبر تمكين الأقاليم الجنوبية من الاضطلاع بدور حيوي في تحقيق الإقلاع الاقتصادي، ليشكل بذلك لبنة أساسية تنضاف إلى أوراش التنمية التي يشهدها المغرب في كافة المجالات، ويساهم في تحقيق دينامية تنموية تمكن الأقاليم الجنوبية من الانخراط في ركب الإقلاع الاقتصادي.

وفي سياق متصل أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس أنه “نموذج ينبثق من رؤية واعدة، غايتها النهوض بجهات الجنوب الثلاثة، لتصل إلى المستوى الذي يسمح لها بلعب دورها كاملا، كقطب اقتصادي إفريقي، وجسر يربط أوروبا بمنطقتي المغرب العربي والساحل”.

“لقد أصبح اليوم هذا المخطط التنموي”، يضيف جلالة الملك، “حقيقة ملموسة، حيث أعطينا خلال زياراتنا الأخيرة للصحراء، الانطلاقة لعدد من الأوراش التنموية الكبرى، وفاء بالتزامنا تجاه مواطنينا في أقاليمنا الجنوبية. ويتعلق الأمر بإحداث أقطاب اقتصادية تنافسية، قادرة على الرفع من معدلات النمو، وخلق فرص للشغل، وتثمين البعد الثقافي وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحماية البيئة”.

كما اعتبر جلالة الملك أن “من شأن هذه الأقطاب أيضا أن تساهم في تدعيم القطاعات المنتجة، كالفلاحة والصيد البحري والسياحة البيئية، وتعزيز شبكات الربط البري والجوي والبحري بين الأقاليم الجنوبية وباقي جهات المملكة من جهة، ومع الدول الإفريقية من جهة أخرى”، فضلا عن إيلاء الجانب الاجتماعي اهتماما خاصا، من خلال إطلاق مجموعة من المشاريع الرامية للرفع من جودة التعليم والخدمات الصحية، والبنيات السوسيو اقتصادية.

فتنزيل النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالعيون بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، والمتسم بطابعه المندمج، يعكس إرادة ملكية قوية وانخراطا شعبيا من أجل النهوض بالتنمية المتوازنة لكافة الأقاليم، وإطلاق دينامية حقيقية يستفيد منها كافة أبناء الوطن، في إطار جهوية موسعة تضمن لكافة الأقاليم الاستفادة بشكل عادل من ثمار أوراش التنمية الكبرى.

إذ سيمكن هذا النموذج التنموي، الذي خصص له غلاف مالي بقيمة 77 مليار درهم، من إحداث أزيد من 120 ألف منصب شغل، باعتباره مخططا مندمجا وشاملا تتكامل فيه مختلف القطاعات من أجل تحقيق قفزة نوعية لاقتصاد الأقاليم الجنوبية للمملكة، وجعلها جسرا بين أوروبا والعمق الإفريقي للمغرب.

وينطلق النموذج التنموي الجديد من مبادئ احترام وتشجيع حقوق الإنسان الأساسية في معناها الواسع، مدرجا الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.

إن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، يشكل بحق، خطوة حقيقية ستمكن من كسب رهان الجهوية المتقدمة، إذ يضع هذا النموذج الإنسان في صلب رؤيته الاستراتيجية المندمجة، الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة في كافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، لتساهم هذه الربوع، إلى جانب باقي أنحاء الوطن، في مسيرة الازدهار وتحقيق رفاه الإنسان.

انخراط فعلي وجدي في التنمية وبدون انتظارية
يبدو أن المغرب قرّر أن يطبّق هذه الاستراتيجية في ملف الصحراء، الذي بلغ من العمر أكثر من أربعة عقود، وما زال دون حلّ، بما أثّر على التنمية في تلك المناطق، وفي ظلّ تعنّت جبهة البوليساريو ورفضها لمبدأ الحكم الذاتي، قرّر جلالة الملك محمد السادس أن يطوّر أساليب الدفاع عن قضيّة المغرب الرئيسية وفي نفس الوقت يضمن لسكان الأقاليم الجنوبية حقوقهم التنموية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأيضا حقهم في العمل على استغلال ثروات منطقتهم بما يفيد صالح بلادهم والمشاركة في رفد اقتصادها.

ولأن الوحدة الترابية للوطن لا تقبل المزايدة ولا التآمر، وحتى تثبت أن هذا القول ليس مجرّد شعارات بدأ المغرب منذ أكثر من سنتين في تنفيذ مشروع طموح لتنمية الصحراء يهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الأقاليم الجنوبية وربح رهانات التنمية، لأن حلّ القضية يكمن في تحقيق هذه الرهانات.

وتشيد تقارير دولية عديدة بمخطط المغرب الطموح الذي يهدف إلى الرقي بالصحراء إلى مستوى تنمية مشابه لنظيره بباقي أقاليم البلاد، وذلك انطلاقا من اقتناعه بأن التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية ستؤدي إلى حلّ النزاع المفتعل حول هذا الجزء من المملكة.
من بين هذه التقارير ما نشره مطلع هذا الأسبوع معهد السياسة الدولية الأميركي (فورين بوليسي ريسورتش إنستيتيوت)، يشيد بالخطة المغربية التي تتجاوز أزمة الصحراء لتستقرئ أزمة أعمق وأخطر وهي قضية الجماعات الجهادية التي تتغذّى وتكبر من خلال المجنّدين من تلك المناطق.

وقد نجح المغرب في تجنب العواصف التي اجتاحت المنطقة على مدى الخمسة أعوام الماضية، وما يؤكّد هذا النجاح هو أن المملكة المغربية واجهت تقريبا نفس التحديات التي واجهتها بعض دول شمال أفريقيا من هجمات إرهابية وصعوبات اقتصادية، إلا أنها خرجت منها قوية وسالمة لأنّها تبنت سياسات مختلفة عن جيرانها.

ويشير ذات المعهد إلى أن التنمية الشاملة على جميع الأصعدة التي تشهدها الأقاليم الجنوبية هي ثمرة لهذه السياسات والرؤية الحكيمة التي وضعت المغرب على سكة إصلاحات اقتصادية واجتماعية وقانونية.

وقد مكنت هذه الاصلاحات من دفع دينامية التقدم والازدهار القريبة من تلبية تطلعات واحتياجات المواطنين في الأقاليم الجنوبية وفي مختلف مناطق البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *