متابعات | هام

مكة المكرمة تجتذب جيلا جديدا من الحجاج الشباب

قدم محمد (33 عاما) مع زوجته الى مكة لتادية مناسك الحج هذه السنة “لتوفر الوسائل، وما دمنا نتمتع بالصحة”، على حد قوله، وهو واحد من كثيرين ينتمون الى جيل الشباب الذين تزداد اعدادهم عاما بعد عام.

منذ قرون، يتوجه الحجاج الى مكة، مستعينين بما يكونون قد وفروه طوال حياتهم. وبعضهم تكون رحلتهم طويلة. وكان الحج يضمن لصاحبه مكانة اجتماعية مرموقة.

اليوم، باتت مكة تستقبل مزيدا من الشباب الذين لا يشكل الحج بالنسبة اليهم ذروة حياة بأكملها، او يمنحهم وضعا اجتماعيا، بل يشكل “فريضة” دينية فقط.

ويقول محمد وزوجته مديحة (28 عاما) القادمان من باريس، ان عددا من اصدقائهما ادوا فريضة الحج قبلهما. واكدت لهما وكالة السفر التي حجزا فيها رحلتهما، انها تنقل عددا كبيرا من الأزواج الشباب.

ويضيف محمد، استاذ التربية البدنية، لدى وقوفه في صف طويل امام مطعم للوجبات السريعة، “الحج هو احد اركان الاسلام الخمسة، انه فريضة”.

وتقول مديحة “بدلا من شراء سلع مادية، كالسيارة على سبيل المثال، من الافضل ان ننفق مالنا في شيء يفيدنا على الصعيد الروحي”.

ويقول الكاتب عمر الساخي، مؤلف كتاب “باريس-مكة، سوسيولوجيا الحج”، ان “الحج لم يعد الافق الصوفي لحياة بأكملها، بل انه حدث عقلاني عادي، يميل الى اسقاط طابع الاستثنائية فيه ليصبح أمرا مبرمجا قابلا للتكرار”.

وتزور سَنِيّة، المسلمة البريطانية التي كانت تحمل بيد عبوة مشروب غازي وفي اليد الأخرى كيسا صغيرا من البطاطا المقلية، مكة للمرة الثانية في حياتها.

وفور خروجها من المسجد الكبير في مكة الذي أدت فيه الصلاة، توجهت لتناول طعام الغداء مع زوجها في واحد من المراكز التجارية الفائقة الحداثة التي تحيط بأقدس مكان لدى المسلمين.

وتتذكر الشابة التي ترتدي حجابا اخضر واسود، “قبل 12 سنة، جئنا مع العائلة لتأدية فريضة العمرة”. لكنها تعود هذه المرة من اجل الحج، لانه يشكل “تغييرا جذريا في الحياة”.

وتضيف بابتسامة “من الاسهل عندما نكون صغار السن، تحمل المسيرات الطويلة والصلوات تحت الشمس اللاهبة”.

ويبحث محمد خزما (27 عاما) الذي يعمل حارسا أمنيا في طرابلس في شمال لبنان عن طاولة شاغرة ليتناول دجاجا مقليا. ويعرب عن سروره لتمكنه من جمع المبلغ للقدوم الى مكة، لأن “ذلك فرصة لا تتوفر للجميع”.

ويقول الساخي ان النسبة المتزايدة لهؤلاء الشباب “المثقفين والمعتادين على السياحة وثقافة الاستهلاك الجماعي” ساهمت رويدا رويدا في تغيير وجه مكة.

ويؤكد لوكالة فرانس برس ان “العلامات التجارية الجديدة والمجموعات الكبيرة تجتذب هؤلاء الزبائن الجدد الذين لا تستطيع السوق القديمة المؤلفة من فنادق ومطاعم عائلية، إرضاءهم”.

وتتذكر سنيّة قائلة “خلال زيارتي الاولى الى مكة قبل 12 عاما، كنا نأكل في الشارع”. اما الان “فالوضع أفضل بكثير، إذ نستطيع اختيار خدمة خمسة نجوم”.

لكن البعض يعرب عن الاستياء لاختلاط الروحانية بثقافة الاستهلاك الجماعي.

ويؤكد محمد خزما انه لا يأبه بالمراكز التجارية والتبريد والمطاعم والمتاجر الاخرى.

ويقول الشاب الذي يرتدي جلابية قاتمة “أنسى كل هذا، آخذ القرآن، وبضع حبات من التمر وماء وأبقى في المسجد الكبير ابتداء من بعد الظهر حتى منتصف الليل”.

ويعرب محمد ومهدية عن استيائهما احيانا من هذه الرفاهية “البعيدة جدا عن قساوة الصحراء وحقبة ابراهيم” الذي يتم استذكار تضحيته خلال عيد الاضحى.

ويقول محمد “أرغمنا على ان نأتي مع وكالة سفر وان ننزل بالتالي في الفندق الذي تعرضه علينا. لكن غالبا ما نتساءل عما اذا كان ذلك يتلاءم مع مساعينا الروحية”.

ويضيف “المتاجر والرفاهية والمراكز التجارية تشوش على الجانب الروحي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *