ثقافة وفن

عبد الإله الجواهري: “محمد مفتاح..سيد الشاشات المغربية و العربية”

التاريخ المغربي المعاصر حفل بسير شخصيات تاريخية و فنية عديدة، تستحق أن يكتب عنها بمداد الفخر و الاعتزاز، و أن تدبج مسارتها في كتب و مؤلفات، كتحية لعطاءاتها و مساهماتها في تطوير الواقع و اغناء التاريخ الوطني، من خلال رفع راية المغرب عاليا وطنيا و عربيا و دوليا…
النجم المغربي محمد مفتاح، واحد ممن يمتلكون تاريخا مجيدا من الإنجازات، و الحضور الفاتن الوازن في مجالات الفن و الحياة، بالنظر لما أنجزه و حققه و راكمه من أعمال خالدة، سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون، أعمال يتذكرها النقاد و المتتبعون و الدارسون و عشاق الفنون الأصيلة الجميلة، بل يتذكرها الجمهور الواسع، بالنظر لشعبية و نجاح الكثير منها، من منا لا يتذكر مسرحيات سنوات الستينات من القرن الماضي، التي وقع بعضها سيد الإخراج المسرحي بالمغرب الفنان الطيب الصديق، أساسا مسرحية ” الحراز ” و  ” مومو بوخرصة ” و ” سيدي عبد الرحمان المجذوب ” و ” مقامات بديع الزمان الهمذاني “… التي ساهم فيها مفتاح جميعها، بشكل جد مشرف و بصمها بأدائه المميز و حضوره اللافت.
أيضا من يجهل حضور مفتاح في التلفزيون من خلال عشرات الأعمال التلفزية المغربية، أفلام نذكر منها : ” صمت الليل ” لإدريس اشويكة و ” الحوت الأعمى ” لحسن عنجة و ” عطلة نهاية أسبوع ” لداود أولاد السيد، ومسلسلات و سلسلات و سيتكومات..، آخر هذه الأعمال نذكر المسلسل التاريخي الناجح ” دار الضمانة ”  للمخرج علي مجبود، الذي أبدع فيه أيما إبداع، و أكد من خلاله على أنه سيد الشاشة الصغيرة قبل الكبيرة.
نبوغه المغربي التلفزي، جعلت الشركات العربية و المخرجين العرب يتهافتون على خدماته للمساهمة في أعمالهم التلفزية، مساهمات جعلت منه خلال السنوات القليلة الماضية، الممثل المغربي المطلوب رقم واحد في المسلسلات السورية و المصرية والخليجية، فمشاركاته المتنوعة في الأعمال التي أخرجها المخرج السوري حاتم علي ك ” صلاح الدين الأيوبي ” و صقر قريش ” و ملوك الطوائف ” و ” عمر”..، جعلت منه النجم المحبوب عند الجماهير العربية، من الخليج للمحيط، بل حولته أكثر شهرة من الشهرة نفسها، بقامته الطويلة و قيمته الفنية الكبيرة و وقفته المهيبة و أدائه المختلف و لكنته المغربية المحببة، إضافة لمسلسلات عربية أخرى خاصة منها المصرية،  نشير لآخرها، مسلسل ” باب الخلق ” رفقة الفنان محمود عبد العزيز  و مسلسل  ” رئيس قسم ” بطولة النجم عادل إمام.
أما السينما فله معها قصة غذبة و مؤلمة في نفس الآن، قصة تترجم مسارا متفردا مع هذا النجم المغربي المطلق النجومية، سر العذوبة تتمثل في تقديمه العديد من الأدوار الكبيرة و المواقف الإبداعية الخالدة، التي حولته لأيقونة سينمائية حقيقية، و جعلت منه الممثل الذي يصر كبار المخرجين الاشتغال معه، أما سر الألم فيتلخص في كون قيمته العالية، أصبحت حاجزا حقيقيا أمام انطلاقته أكثر فأكثر، حيث يتهيب الكثير من المخرجين الاقتراب منه، بسبب سريان إشاعات تتمحور حول ارتفاع ثمن خدماته من جهة،  و تصرفه كنجم مطلق حاد الشكيمة، يصعب ترويضه و التواصل معه من جهة أخرى، وهي إشاعات في مجملها كاذبة، لا يصح منها غير الإشاعة المتعلقة بصعوبة ترويضه في البلاطوهات، وسط معمعة التمثيل و الذوبان في الأدوار، حيث يتلبس بشكل غامض رباني روحاني، الشخصيات التي يؤديها و يتنفس عبق معالمها، سواء أكانت هذه الشخصيات خيرة أم شريرة، غنية أو فقيرة، نبيلة أو وضيعة، تاريخية أو معاصرة..
من يستطيع تجاهل قوة حضور محمد مفتاح، في فيلم  ” الشيء المستحيل ” للمخرج الامريكي جون فرنكهايمر، و من لا يتذكر دوره المفارق للواقع، دور رب أسرة مغاربي مهاجر يعيش بالديار الايطالية، في فيلم ” البند الثاني ” للمخرج الايطالي موريزيو زاكارو، و من ينسى نظراته المليئة بروح الإيمان في فيلم ” الرسالة ” لمصطفى العقاد، إضافة لأدوار أخرى متفاوتة القيمة في أفلام اوروبية مختلفة ..
السينما المغربية اغتنت بحضوره و مشاركاته في عشرات الأعمال، بدءا من دوره في فيلم ” بامو ” لإدريس المريني، مرورا ب ” باب باي اسويرتي ” لداود أولاد السيد و ” مكتوب ” لنيل عيوش و ” أصدقاء الأمس ” لحسن بنجلون ” و ” جارات ابي موسى ” لمحمد عبد الرحمان التازي و ” طيف نزار ” لكمال كمال  و ” ياقوت ” لجمال بلمجذوب و ” خط الشتا ” لفوزي بنسعيدي و ” بعد ” لمحمد إسماعيل ” و صولا لفيلم ” عود الورد ” للحسن زينون..
إنه الزوج و الأب و القائد و القاضي و المهرب و السيد و البدوي و المتمدن و العربي و الأمازيغي، بل هو كل هذه الأدوار و غيرها كثير، أدوار تلبسها و أعطاها من قوة موهبته و رونق حضوره مما جعلها أدوار سينمائية خالدة، أدوار استحق عليها التصفيق و الجوائز الرفيعة في المهرجانات المغربية والعربية، كما استحق عليها التكريمات في محطات فنية عديدة، تكريمات احتفت به لا كفنان و كفى، و لكن أيضا، كإنسان يشهد له بالكرم و حسن التعامل مع الأصدقاء و الأحبة و الناس أجمعين، كرم حاتمي جعله يعيش غارقا في جلباب المحبة الدائمة و التضحيات الخالدة و تهافت كل الناس على طرق بابه عند الحاجة..
لمحمد مفتاح كل مساحات الود و رياحين الصحراء العربية الفيحاء، له كل البلاطوهات المغربية و العربية و الجنان و الحدائق الغناء، له ملايين التحايا النابعة بصدق من كل قلوب العشاق، عشاق فنه  وجمهوره الشاسع الخلاق..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *