جهويات

اشتوكة آيت باها.. رئة المغرب الفلاحية

يشكل إقليم اشتوكة آيت باها الخزان الفلاحي أو الرئة الفلاحية للبلاد، نظرا للكمية المهمة التي ينتجها من الخضر والبواكر، التي تمثل حوالي 70 في المائة من الإنتاج الوطني. وإلى جانب الفلاحة، تعمل السلطات المحلية على تطوير قطاع السياحة، لما يزخر به الإقليم من مؤهلات طبيعية وتاريخية وإيكولوجية.
ينتمي إقليم اشتوكة آيت باها لجهة «سوس ماسة »  ويقع وسط غربي البلاد في الجنوب الغربي «الأطلس الكبير» للأطلس الكبير، قرب مدينة أكادير. يشمل الإقليم جماعتين حضريتين و20 جماعة قروية، ما يجعله إقليما فلاحيا بامتياز. تضم المنطقة السهلية، الأكبر جغرافيا بالمنطقة، عددا من الجماعات الغنية بمؤهلاتها الفلاحية، خصوصا جماعات بلفاع، وآيت اعميرة، وسيدي بيبي، وانشادن، وماسة، وسيدي وساي. ويمتد المجال المسقي بالإقليم على مساحة 19 ألف هكتار بسهلي اشتوكة وماسة، ويتوفر على فرشتي ماء تستغل بشكل كبير في إنتاج الخضر والبواكر، بالإضافة إلى المجال المسقي بحوض يوسف ابن تاشفين، في منطقتي أحد بلفاع وماسة. وبفضل هذه المعطيات، بات إقليم اشتوكة آيت باها بمثابة الخزان الفلاحي أو الرئة الفلاحية للبلاد، نظرا للكمية المهمة التي ينتجها، والتي تمثل حوالي 70 في المائة من الإنتاج الوطني للخضر والبواكر، كما يمثل الإقليم نسبة 60 في المائة من الصادرات الدولية للخضر والبواكر على المستوى الوطني، وهذه القيمة لا تمثل الناحية الكمية فحسب، بل تؤثر بشكل ملموس في استقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال على اعتبار أن الفلاحة هي المحرك الأساسي للإقليم.
على درب التنمية
وسجل متتبعون حجم التحولات التنموية التي عرفها هذا الإقليم الفتي، وطبيعة المشاريع التنموية التي رأت النور، بالإضافة إلى بروز متغيرات على مستوى الاستراتيجية التنموية والمتدخلين الأساسيين في إقليم صار ورشا تنمويا مفتوحا، وشهد دينامية متصاعدة، تجسدها حصيلة المنجزات التي فعلَت على أرض الواقع، وتتويجا لتراكمات جمة تعكس قوامها ترسيخ المقاربة التشاركية بين استثمارات الماضي وحركية الحاضر من أجل تشييد معالم مستقبل واعد.
اقتصاد الإقليم
يعد قطاع الفلاحة قاطرة للتنمية والاقتصاد على مستوى الإقليم، وقطاعا إنتاجيا بامتياز، إذ يمثل الإقليم خزانا فلاحيا مهما بالنظر لكميات الإنتاج المهمة، التي تمثل حوالي 70 في المائة من الإنتاج الوطني في الخضر والبواكر، كما يمثل الإقليم نسبة 60 في المائة من صادرات الدولية للخضر والبواكر على المستوى الوطني، وتساعد هذه الأرقام في استقطاب استثمارات فلاحية مهمة إلى جانب رؤوس أموال جندت لخلق ضيعات جديدة، بالإضافة إلى بروز التعاونيات الفلاحية المغربية والأجنبية في مجال التلفيف، كما انعكست هذه الاستثمارات على الوضعية الاجتماعية إلى درجة أن الإقليم صار مصدرا لخلق فرص الشغل وتوافد الهجرات من الشمال المغربي إلى جنوبه، حيث يلاحظ ارتفاع عدد سكان بعض الجماعات في المواسم الفلاحية إلى الضعف أو أكثر.
إكراهات طبيعية
يعيش قطاع الفلاحة على إيقاع تحديات جمة مرتبطة بالتحولات الطبيعية والمناخية، التي شهدتها المنطقة الجنوبية، وأثرت على إقليم اشتوكة آيت باها، إلى جانب تراجع التساقطات المطرية والمخزون المائي، مع استنزاف الفرشة المائية بالموازاة مع الاستمرار في نمط الإنتاج نفسه، ما أفرز وضعية يمكن وصفها بالحرجة على مستوى توظيف الموارد المائية السطحية، وبالتالي تقف التحديات الكبرى للإقليم حول كيفية تثمين هذا المنتوج الفلاحي الضخم وخلق بدائل أخرى لتدبير الموارد المائية، خصوصا أن توجه الدولة المغربية كان نحو خلق محطة لتحلية ماء البحر، التي انتهت مدة دراسة مشروعه، إلى جانب توفير الاعتمادات المالية لإخراجه إلى حيز الوجود.
ومن المنتظر أن تكون منطقة «الدويرة» الشاطئية مكانا لهذا المشروع الضخم، الذي سيساهم بلا شك في توفير الماء المسقي للخضروات والبواكر على مستوى الإقليم، كما تسبب النشاط الفلاحي في تحديات اجتماعية كبرى، خصوصا في مجال استقرار العمال في هذه الجماعات على مستوى السكن وجمالية التعمير.
وتتوحد جهود المتدخلين في توفير الظروف الملائمة للاستثمار في المجال الفلاحي، واعتبارا لوضعية القطاع الفلاحي بالمنطقة الجبلية فقد تم إيلاء المشاريع المبرمجة في إطار الدعامة الثانية لمخطط المغرب الأخضر عناية خاصة من خلال تتبع وتيرة إنجازها، وعقد اجتماعات دورية للوقوف على الإكراهات التي تعترضها واتخاذ التدابير اللازمة لتجاوزها.
وفي إطار إحدى الزيارات المولوية لجلالة الملك محمد السادس للجماعة القروية آيت اعميرة، قدمت لجلالته تفاصيل المخطط الجهوي لاقتصاد ماء السقي بالأحواض المسقية بجهة سوس ماسة درعة، الذي يتطلب استثمارات إجمالية تناهز 1،14 مليار درهم، في إطار مشروع سيستفيد منه 6000 فلاح ويهم استبدال نظام السقي التقليدية بنظام السقي الموضعي على مساحة تبلغ 26 ألفا و700 هكتار، وتحديث التجهيزات الهيدروفلاحية بالسقي الكبير على مساحة 3300 هكتار.
السياحة البيئية
يكتسي قطاع السياحة أهمية اقتصادية كبرى بإقليم اشتوكة آيت باها، خاصة بعد خلق مشروع فضاء الاستقبال السياحي الذي مكن من دعم الدينامية السياحية بالإقليم عبر تأطير ومواكبة المنهجية الترابية الخاصة بالقطاع، إلى جانب بناء مآوي سياحية ساعدت، وفقا للخطة الإقليمية لدعم سياحة الضيعات، في تنمية السياحة الرياضية والثقافية، وكذا سياحة القنص والصيد.
وعملت السلطات الإقليمية على تنويع اقتصاديات الإقليم ليشمل، إلى جانب الفلاحة، قطاع السياحة نظرا لما تكتسيه مؤهلات المنطقة من معطيات تاريخية وجغرافية وإيكولوجية تعد دعامة مهمة للاقتصاد الإقليمي، عبر إنجاز وحدات للاستقبال ومركب سياحي بشاطئ تيفنيت، كما ستحدث مخيمات صيفية سواء بالمنطقة الشاطئية أو الجبلية لإيواء عدد كبير من سياح العربات المعروفة ب ـCAMPING CAR، وعملت المصالح الإقليمية على إنجاز خريطة سياحية تضم أغلب المسالك والمدارات السياحية التي تقوم بإنجازها غرف التجارة والصناعة والخدمات وجهة سوس ماسة درعة، بتشارك مع غرفة اكيتان الفرنسية.
ويعد الإقليم موردا مهما للسياحة الثقافية والبيئية، حيث يتوفر على مجموعة من الايكودارات، التي يتم ترميمها وإصلاحها إلى جانب بعض القلاع التي كانت تعد حصونا لمجموعة من القبائل أهمها قلعة تيزركان، التي صنفت تراثا ثقافيا، بالإضافة إلى أسوار ماسة التي تعود إلى القرن 11، دون إغفال عدد من الفنون الشعبية من أهازيج ورقصات يستوجب توظيفها سياحيا.
منتزه سوس
يتوفر إقليم اشتوكة آيت باها على المنتزه الوطني لسوس ماسة، الذي يمتد على مساحة 33.800 هكتارا كمجال بيئي شمل نقطة استقطاب بعض الحيوانات النادرة والطيور، التي تجلب عددا من السياح الأجانب، سيما منهم الألمان والفرنسيون والأمريكيون والبريطانيون. وتستقطب المسالك الجبلية الكثيرة بالإقليم عددا من الأجانب والرياضيين، عشاق الجولات السياحية، سواء بالأقدام أو الدراجات الهوائية أو بواسطة الدواب، ما دفع المصالح المختصة بدراسة ميدانية حول البنيات التحتية الأساسية للإيواء عبر إحداث محطات استقبال قروية فردية أو تشجيع السكان المحليين على إنعاش الإيواء السياحي العائلي.
مخازن «إينومار»
يعتبر حصن « إنومار» أحد المخازن الناطقة بعمق تاريخ وحضارة قبائل «هلالة» واد أوسكا، هذه البناية الممتدة بشموخ على حافة جبال الأطلس الصغير، تختزن في دروبها وتفاصل مكانها أحداثا تعود إلى ثلاثة قرون ماضية، وتحمل في طياتها عبقرية الصانع والإنسان المحلي، الذي تفنن بمزجه مكونات الحجار والطين والخشب والحديد في إبداع قلَ نظيره، إبداع يزاوج بين الوظيفة الاقتصادية والاجتماعية للحصن وجمالية العمارة والبناء وتفصيل المكان، وتنطلق هذه البناية بتقنية العمل الحرفي الذي كان سائدا في المنطقة منذ القديم، خصوصا صناعة الخشب المستقدم من مناطق الأطلس الكبير، الذي شكل مادة خصبة لإنتاج أشكال من الأبواب من مختلف الأحجام، بالإضافة إلى مهارات صناعة الحدادة، واستعمال الطين والحجر لهندسة تفاصيل المخزن، ويمتد «أكادير إينومار» على مساحة نصف هكتار، ويشتمل على 295 محلا يستعمل للخزن، يصل طوله إلى 9 أمتار، وبني على هضبة تحتوي على أربعة أبراج للمراقبة تنتصب في كل زوايا السور البالغ 300 متر وبعلو يناهز ثلاثة أمتار، في مساحة تصل إلى نحو 5400 متر تحتوي على 3 خزانات مائية. ورغم القيمة التاريخية والمعمارية لـ«أكادير إنومار»، فقد تعرضت مكوناته ومعالمه لمختلف أصناف الإهمال، ما حذا بعدد من الباحثين في الأنثروبولوجيا إلى رفع ملتمس دعوة تحويل الحصن إلى تراث إنساني عالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *