مجتمع

قاصرون مدمنون ومتمردون… ماهي الأسباب والحلول الممكنة لهذه الظاهرة بالمغرب؟

ما بين 15 و17 عاما، هذه هي أعمار المشتبه في تورطهم في الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة على متن حافلة للنقل العمومي بمدينة الدار البيضاء، والتي تفجرت قضيتها قبل يومين.

هذه الحادثة تعود لتذكر بعدة حوادث شغلت الرأي العام خلال الفترة الأخيرة والتي تسلط الضوء على ظاهرة جنوح القاصرين التي أصبحت مصدر قلق كبير في المجتمع المغربي.

تمزق وانحلال

الأستاذ الجامعي المتخصص في علم الاجتماع، رشيد الجرموني، يرى أن هناك عوامل عديد تفسر ظاهرة جنوح القاصرين.

ويلفت الجرموني  إلى كون هذه الفئة تعيش مرحلة يصفها بـ”الحرجة” و”الانتقالية”، تعيش خلالها “نوعا من القلق والتوتر والبحث عن الذات وتشكيل الشخصية”.

ويرجع الجرموني مسؤولية المشاكل التي تتخبط فيها هذه الفئة إلى المدرسة والأسرة، مبرزا في السياق نفسه، أن نسبة كبيرة تقدر بـ260 ألف طفل يغادرون المدرسة في المرحلة الابتدائية ولا يلتحقون بأي عمل فيصبحون عرضة للانحراف، ينضاف إلى ذلك، حسب المتحدث، كونهم في الغالب ينحدرون من أسر تعاني ظروفا اجتماعية صعبة ولا تقوم بدورها في تنشئة أبنائها.

يتابع المختص في علم الاجتماع تصريحه مشيرا إلى عوامل أخرى “ترتبط بقيم جديدة غزت هؤلاء المراهقين منها قيم التمرد والانحلال والانفصال عن أية مرجعيات بل وتحديها” ينضاف إلى ذلك عامل الإدمان على المخدرات، مبرزا في السياق نفسه أن هذه الفئة “تعيش تمزقا هوياتيا خطيرا جدا لأنهم لم يتشكلوا بطريقة سوية”.

وحسب الجرموني فإن ما نراه اليوم ما هو إلا “شرارات” واصفا هذه الفئة بـ”القنبلة الموقوتة” التي تهدد بما هو أخطر مستقبلا، مشددا على الحاجة إلى وضع استراتيجيات عملية على المستويات قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى تشمل مجالات مختلفة لتجاوز الوضع الراهن.

تمرد وسادية

رئيس جمعية منتدى الطفولة، عبد العالي الرامي، بدوره يشدد على مسؤولية الأسرة في جنوح القاصرين، مبرزا أن التفكك الأسري يؤثر بشكل كبير في تلك الفئة التي تعيش “وضعية غير سوية” تعكسها سلوكاتها “المتمردة” ويساهم في تعميقها الإدمان على المخدرات.

الوضعية “غير السوية” التي تعيشها هذه الفئة، تعكسها عدة سلوكات، يقول الرامي، مبرزا أن جريمة القاصرين تتخذ شكلا أبشع حين ترافقها “السادية” المتجلية في “قيامهم بالجرم وتلذذهم به وتوثيقه”.

وعلاقة بدور الأسرة، يبرز المتحدث أن كثيرا من الآباء لم تعد لهم القدرة على “كبح جماح أبنائهم” بسبب أنهم لم يبذلوا مجهودا في تنشئتهم منذ البداية، وهو ما يرجعه إلى عدة عوامل ترتبط في جزء منها بخروج الوالدين إلى سوق الشغل وانشغالهم بتوفير لقمة العيش.

المؤسسة التعليمية بدورها تتحمل المسؤولية، إذ يوضح المتحدث بهذا الخصوص أن “المدرسة العمومية تعيش انهيارا” و”لم تعد تربي مع أن اسم الوزارة الوصية على القطاع يشير إلى دور التربية قبل التعليم” يقول الرامي الذي يشير أيضا إلى المجتمع المدني الذي “لم يعد يقوم بدوره في التأطير المباشر للشباب والقاصرين”.

إلى جانب ما سبق ينبه المتحدث إلى إشكالية عدم توفر مؤسسات رياضية وثقافية يمكن أن تساهم في تأطير هذه الفئة.​

عقاب وإصلاح

الأسرة والمدرسة الكلمتان المفتاح التي يشدد عليهما معظم المختصين والمتابعين في تشريحهما لأسباب جنوح القاصرين، بما فيهم، الخبير في علم الإجرام والتحليل النفسي، رشيد المناصفي.

المناصفي يوضح أن المدرسة “تملصت من مسؤوليتها”، وأنها وصلت درجة “الإفلاس”، مبرزا أن من أسباب انحراف القاصرين مغادرتهم المبكرة للمدرسة وهنا يشدد على ضرورة تأمين “إجبارية التعليم إلى غاية مستوى الباكلوريا”.

وإلى جانب المدرسة، يشير المتحدث إلى مسؤولية الأسرة، مبرزا في السياق أن كثيرا من الآباء والأمهات “يفكرون في الإنجاب ولا يفكرون في مدى قدرتهم على توفير التربية والتعليم والتنشئة السليمة لذلك المولود”، ما يفسر كونهم “شبه غائبين” عن حياة أبنائهم وهو ما يجعل هؤلاء عرضة للانحراف والإدمان.

“العقاب بدون إصلاح قد يؤدي إلى نتائج عكسية”، هكذا يعلق الخبير في علم الإجرام على ما يقترحه الكثيرون بخصوص تشديد العقاب على القاصرين الجانحين، مبرزا أن عددا من القاصرين قد يعتقلون من أجل جرائم “بسيطة” وفي ظل “غياب إصلاح وإعادة تأهيل” داخل السجن “يصبحون أكثر إجراما” ويغادرون السجن “مجرمين محترفين”.

من ثمة يوضح المتحدث أنه وإن كان يؤيد تشديد العقاب بالنسبة للقاصرين الذين يرتكبون جرائم فهو يشدد أيضا على ضرورة أن يصاحب العقاب إصلاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *