المغرب الكبير

لماذا لم ينقلب العسكر على الرئيس الجزائري بوتفليقة “المريض”؟

حسم الجيش الجزائري جدلاً استمر أشهراً عدة في البلاد، حول تدخله لعزل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، بسبب المرض، في موقف أرجعه خبراء سياسيون إلى تغير في عقيدة القيادة الجديدة للقوات المسلحة، ورفضها مواجهة الشعب، إضافة لخطورة الوضع الإقليمي الذي زاد أعباء المؤسسة العسكرية.

هذه الخطوة أكدها رئيس أركان الجيش الوطني الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، الذي كرر ثلاثة خطابات ألقاها أمام عسكريين، خلال 2017، التزام مؤسسته بالدستور، والخضوع لقائده الأعلى بوتفليقة.

تأكيد القيادة العسكرية الجزائرية احترام الدستور، والعمل تحت القيادة الشرعية للجيش ممثلة برئيس الجمهورية، جاء رداً على دعوات أطلقها سياسيون، من أجل التدخل لعزل بوتفليقة “وإنقاذ البلاد”، مبررين ذلك بعجزه عن أداء مهامه منذ تعرضه لجلطة دماغية سنة 2013

الدعوات هذه قادها وزير التجارة الأسبق نور الدين بوكروح (1999- 2005)، والكاتب الصحفي الشهير حميدة العياشي مدير جريدة الجزائر نيوز (يومية مستقلة متوقفة عن الصدور).

والدعوات المطالبة برحيل بوتفليقة ليست جديدة فقد سبق أن كانت محل نقاش عام 2013 بحسب صحيفة جون أفريك التي أشارت في تقرير لها ظهور مثل تلك الدعوات بعد دخول الرئيس المستشفى في فرنسا لعلاج السكتة الدماغية التي عانى منها في 27 أبريل من ذلك العام. وفي ذلك الوقت، أثيرت أصوات للمطالبة برحيله بسبب مشاكل
صحية من شأنها أن تمنعه ​​من إكمال ولايته الثالثة.

ولعب الجيش حينها دوراً للتصدي لتلك الدعوات التي أخذت في رسم سيناريوهات لما بعد رحيل بوتفليقة، إذ شكلت المؤسسة العسكرية برئاسة اللواء أحمد قايد صلاح (77 عاماً) ورئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع والحكومة وأحزاب الائتلاف الحاكم كتلة خلف رئيس الدولة لمنع مطالب رحيله.

شغور رأس الدولة

وفي 26 غشت المنصرم، قال علي بن فليس، رئيس الحكومة الأسبق، ورئيس حزب “طلائع الحريات” (معارض)، في خطاب أمام حزبه، “إننا نعيش أزمة سياسية ومؤسساتية ذات خطورة استثنائية، ناتجة عن الشغور في رأس هرم الدولة (بوتفليقة)”.

بينما قال حزب “جيل جديد” (معارض) في بيان له قبل أيام، إن “الأحداث السياسية الأخيرة أظهرت للرأي العام أن رئيس الجمهورية في عجز جسماني وفكري، يثنيه عن ممارسة مهامه”.

واعتبر أن الحل للأزمة التي وصفها بالخطرة، مرهون بتفعيل” إصلاحات سياسية ودستورية عميقة، تكون بدايتها بانتخاب رئيس جديد للجمهورية”.

مطالبات المعارضين هذه تأتي انطلاقاً من المادة 102 من الدستور الجزائري التي تنص على أنه “إذا استحال على رئيس الجمهوريّة ممارسة مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوباً، وبعد إثبات ذلك بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت هذا المانع”.

وتضيف المادة ذاتها، “يُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معاً، ثبوت المانع بأغلبيّة ثلثي أعضائه، ويكلّف بتولّي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها 45 يوماً، رئيس مجلس الأمّة (…) وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء 45 يوماً، يُعلَن الشّغور بالاستقالة وجوباً (…) ويتولّى رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة لمدّة أقصاها 90 يوماً، تنظّم خلالها انتخابات رئاسيّة”.

وعلى الرغم من تصريحات قائد الأركان، فإن دعوات تدخل الجيش تواصلت وتوسع نطاقها بشكل دفع المؤسسة العسكرية إلى الرد عبر افتتاحية مجلة الجيش الصادرة في السادس من شتنبر الجاري، بلهجة حادة على أصحاب هذه الدعوات.

المجلة قالت، “لكل من يطالب سراً أو جهاراً أو ضمنياً بالانقلابات العسكرية، نذكره بتصريحات صالح، خلال زياراته الأخيرة لكل من الناحية العسكرية الثانية (غرب) والخامسة (شرق)، أن جيشنا سيظل جمهورياً، ملتزماً بالدفاع عن السيادة الوطنية، وحرمة التراب الوطني، وحافظاً للاستقلال”.

وأضافت أن الجيش لن “يحيد أبداً عن القيام بمهامه الدستورية مهما كانت الظروف والأحوال”.

من جهته، رد رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، أمام البرلمان على الدعوات، خلال عرضه برنامج حكومته في 21 شتنبر الجاري، بأن “الشعب ملتف حول رئيسه (بوتفليقة) كما الجيش، باعتباره وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة”.

الصحفي الجزائري، حاج نعمان يوسف، يقول للأناضول إن “القيادة العسكرية أدركت أنها مجبرة للرد على مطالب جزء من المعارضة لها بعزل الرئيس، لهذا كرر قائد الجيش العبارة نفسها تقريباً حين قال (في لقاءات متكررة) إن الجيش ملتزم بواجباته الدستورية”.

وأضاف، أنه على الرغم من هذه التصريحات، وتأكيد وزارة الدفاع الوطني أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش، فإن جزءاً من المعارضة الجزائرية تمسك بمطلب التغيير، وواصل مطالبته، وهو ما استدعى التأكيد عبر افتتاحية مجلة الجيش”.

وعي الجيش وذكاؤه

وهنا يقول الخبير والمحلل السياسي، الدكتور في جامعة “ورقلة” (جنوب)، محمد الصغير، إن “الأحزاب السياسية المعارضة منقسمة على نفسها، وبينما يلتزم الإسلاميون الحذر في موضوع تدخل الجيش في الحياة السياسية، يطالب بعض الديمقراطيين بتدخله صراحة”.

وأضاف “أرى أن قيادة الجيش كانت على قدر كبير من الذكاء والوعي بخطورة مطالب بعض المعارضين الذين يطالبونه بممارسة مهمة ليست من اختصاصه دستورياً، وهذا إخلال خطير بالحياة السياسية؛ قد يترتب عنه إلحاق ضرر بالغ بالبلاد مستقبلاً”.

بدوره، يتفق المحلل السياسي والخبير الأمني الجزائري محمد تاواتي، مع رأي “الصغير”، بالقول، “أعتقد أن مطالبة بعض السياسيين للجيش، بالتدخل لعزل رئيس الجمهورية تحتوي سوء إدراك للوضع؛ سواء داخل الجزائر أو خارجها”.

وأضاف “تاواتي” “بالنسبة للوضع في الجزائر فإن قيادة الجيش تدرك الآن أن مكان العسكريين الطبيعي هو داخل الثكنات، وعلى جبهات الحدود، ومواجهة الإرهاب”.

ويتابع، “أي خروج من هذا الإطار سيؤدي إلى دخول الجيش في مواجهة مع فئة من الجزائريين، وهو ما يرفضه القادة العسكريون الكبار، كما أن الوضع الخارجي لا يمكن أن يقبل بانقلاب عسكري في الجزائر”.

واستطرد “تاواتي” القول، “أعتقد أن المعارضين الذين يطالبون بتدخل الجيش لعزل الرئيس، ينطلقون في ذلك من حالة يأس من حدوث تغيير، دفعتهم للاعتقاد بأن الحل يكمن في تدخل العسكر في الحياة السياسية”.

بدوره، قال الكاتب الصحفي والمختص في الشأن السياسي الجزائري، نجاد توفيق، إن “الكثير من الجزائريين سواء من السياسيين أو من عامة الشعب، يعتقدون أن الجيش هو الحاكم الفعلي للبلاد وأنه صاحب القرار والكلمة الفصل”.

وأكد ” توفيق” أن “هؤلاء ينطلقون من تاريخ الجزائر المستقلة، إذ كانت للجيش دائماً الكلمة الفصل في تعيين رؤساء الجمهورية وعزلهم، كما أنه تدَخل بشكل مباشر في انقلابات عسكرية عامي 1965 و1992”.

واستدرك القول، “الواقع الآن تغير تماماً”.

ويضيف، “تدرك القيادة العسكرية في الجزائر اليوم أن أي تدخل في الحياة السياسية سيجر البلاد إلى مواجهة بين الجيش وفئة من الشعب، وقد جرب الجيش هذا الخيار عام 1992، حيث دخلت البلاد في حرب أهلية استمرت أكثر من 7 سنوات، بعد وقف المسار الانتخابي الذي فاز به الإسلاميون (آنذاك)”.

“كما أن القيادة العسكرية الحالية تتكون من جنرالات محترفين، لا علاقة لهم بالممارسة السياسية، ولهذا فإن مراهنة بعض السياسيين على تدخل الجيش لتغيير السلطة هي مراهنة خاطئة”، هكذا يرى “توفيق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *