متابعات

“حراك الريف” يعيد النقاش حول حقيقة التعذيب بالسجون المغربية

عاد النقاش في المغرب حول اتهام ناشطين حقوقيين للسلطات بتعذيب الموقوفين، بعد حملة الاعتقالات في صفوف نشطاء الريف.

منظمة “هيومن رايتس ووتش” كانت قد دخلت على الخط من خلال ​تقرير وجه نداء إلى الملك محمد السادس للضغط من أجل إجراء تحقيقات حول مزاعم “تعذيب” الشرطة المغربية لنشطاء الحراك.

في المقابل، سارع المغرب إلى التعبير عنرفضه لتقرير المنظمة، مؤكدا، في بلاغ للمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، أن التقرير “يتضمن ادعاءات ومغالطات عديمة الأساس حول تدبير ومعالجة السلطات العمومية للاحتجاجات”.

هكذا، يحتدم جدل استمرار التعذيب من عدمه في المغرب بعد حوالي 3 سنوات من توقيع المغرب على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب، وتحديدا في نوفمبر 2014.

فهل أنهى المغرب فعلا زمن التعذيب؟

بوغنبور: لم يعد التعذيب ممنهجا

رغم أن اتفاقية مناهضة التعذيب ألزمت المغرب بضرورة تأسيس هيئة وطنية للحماية من التعذيب في ظرف سنة من التوقيع عليها، إلا أنه، وبعد مرور ثلاث سنوات على توقيع البلد على الاتفاقية، لم يتم بعد تفعيل هذا البند.

هذا المعطى يعلق عليه رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، عبد الرزاق بوغنبور، بالقول إن هذه النقطة مضمنة في مشروع القانون الجديد المنظم لعمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

لكن على مستوى الآلية، يضيف بوغنبور، أن الحركة الحقوقية بالمغرب تطالب بفصل هذه الآلية عن مؤسسات الدولة والأجهزة التابعة لها.

“من الظاهر أنها ستُسند إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولنا تحفظ على ذلك”، يستطرد بوغنبور.

رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان يدعو أيضا إلى تكون الآلية الوطنية لمناهضة التعذيب مستقلة عن كل المؤسسات الرسمية أو المقربة من الدولة.

“يجب أن تضم ممثلين عن الهيئات الحقوقية حتى نضمن لها الاستقلال المطلق، بما في ذلك الاستقلال المالي وحرية التحرك في جميع الأماكن التي من الممكن أن تحدث فيها حالات تعذيب”، وفق الفاعل الحقوقي.

وفي تقييمه لطريقة تعامل السلطات الأمنية، خاصة على مستوى اللجوء لتعذيب الموقوفين، يؤكد المتحدث نفسه أنه انخفض مقارنة مع ما سمي بـ”سنوات الرصاص”، مضيفا أن هذا الأمر يؤكد أن “التعذيب بالمغرب لم يعد ممنهجا كسلوك تعتمده الدولة بل أصبح مرتبطا بسلوك أفراد”

“رغم التزام المغرب أمميا بمناهضة التعذيب، إلا أنه في جميع الأحوال يمكن القول إنه يبقى في الوقت الراهن غير ممنهج”، يخلص بوغنبور.

زيان: لم يتغير شيء

أما المحامي ووزير حقوق الإنسان سابقا، محمد زيان، فينطلق، في تعليقه على الموضوع، مما حدث بمدينة الحسيمة ومناطق الريف، ليؤكد أن “جميع معتقلي الأحداث تم توقيفهم بمدينة الحسيمة بكيفية عنيفة”، مضيفا: “لكن هذا في مدينة الحسيمة فقط، أما بعد نقلهم للدار البيضاء لم يسجل شيء”.

السياسي المغربي الذي سبق أن عايش ما سمي “سنوات الرصاص”، الفترة التي تعرض العديدون فيها للاعتقال والتعذيب، يؤكد أن المغرب بذل بعض المجهودات من أجل تجاوز التعذيب في الفترة الأخيرة.

“لكنها تبقى مجهودات محتشمة، خاصة أن النيابة العامة تتعامل مع الشرطة القضائية بنوع من اللطف والتسامح في وقت يجب أن تكون صارمة معها، فيجب أن ننهي مع ممارسات انتزاع الاعترافات باستعمال العنف”، يستدرك زيان.

زيان يرى أيضا أن “تعامل السلطات الأمنية ظل هو نفسه سواء خلال سنوات الرصاص أو حاليا”، مردفا: “مع تغيير ما يمكن تغييره من ظرفية وأسماء وظهور أجهزة جديدة ومختلفة أقول إن الأمور ظلت على ما هي عليه سواء في فترة الستينات أو السبعينات أو الوقت الراهن لأننا لم نصل إلى مستوى التطور الذي كنا نصبوا إليه”.

ماء العينين: لا أحد ينكر عدم وجود تعذيب

من جانبها، توضح النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، أن المغرب تجاوز آجال تأسيس هيئة وطنية للحماية من التعذيب، مضيفة: “حاليا تم تضمينها في القانون المنظم لحقوق الإنسان الذي سيشرف عليها”.

وبينما عبر الحقوقي بوغنبور عن رفضه إشراف المجلس الوطني لحقوق الإنسان على الهيئة الوطنية للحماية من التعذيب، تتبنى ماء العينين، التي شغلت منصب عضوة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب خلال توقيع المغرب على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، موقفا مشابها.

“أعتقد أنه يجب أن تكون آلية مستقلة تتضمن تركيبة متعددة، تضم حضورا قويا للمجتمع المدني، خاصة الجمعيات المهتمة بحقوق الإنسان، يضمن لها هامشا أكبر ومصداقية أكثر”، تردف البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة المغربية ويشرف على وزارة حقوق الإنسان.

ومع تجدد النقاش حول موضوع التعذيب في المغرب مع بروز أحداث الريف، تؤكد البرلمانية المغربية أنه “لا أحد ينكر عدم وجود التعذيب بالمغرب”، مستطردة: “حتى أن وزير العدل سابقا، مصطفى الرميد، قام بعمل كبير للقضاء على التعذيب وأتذكر المذكرات التي كان يبعث بها للنيابة العامة وكان يلزمها بالفتح الفوري للتحقيق في أي مزاعم تعذيب، حتى أنه دخل في عقوبات تأديبية في حق وكلاء الملك الذين يرفضون التجاوب مع مطالب فتح التحقيق في حالة اشتباه وجود تعذيب”.

هذا التشخيص يقود ماء العينين إلى القول إنه يصعب “القضاء الكلي على التعذيب بالمغرب، لكن هناك حركية وديناميكية كبيرة أسهمت في الحد منه وتجريمه”.

الصبار: آلية الحماية من التعذيب ستخرج قريبا

الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان محمد الصبار، باعتباره مسؤولا بالمؤسسة الرسمية المعنية بتتبع احترام حقوق الإنسان بالمغرب، وفي تفاعله مع الموضوع، يوضح أن أغلب المنظمات الحقوقية بالمغرب تساند أطروحة احتضان المجلس الوطني لحقوق الإنسان للآلية الوطنية للحماية من التعذيب، باستثناء جمعيتين.

“المجلس أثبت على أنه مستقل، وأتحدى أياً كان أن يبرز لنا وجها من أوجه عدم استقلال المجلس، كما أن ضم الآلية لتكون تابعة للمجلس جاء بناء على دراسة بيّنت أن أغلب الدول ضمنت هذه الآلية داخل البنية التنظيمية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان”، يضيف الصبار.

وحول أسباب تأخر إنشاء الآلية الوطنية للحماية، التي كان من المفترض أن يتم تأسيسها سنة 2015، يؤكد الصبار وجود مشروع قانون جديد للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

هذا القانون يُتوقع، حسب الصبار، أن تتم المصادقة عليه في الدورة الخريفية للبرلمان، وينص على احتضان المجلس لآلية الحماية من التعذيب وآلية لإنصاف الأطفال والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *