متابعات

عدم فتح تحقيقات قضائية في تقارير مجلس جطو هل هو تهرب من مواجهة الفساد؟

أحال الملك محمد السادس، ملف التحقيقات التي أجريت حول مشاريع “منارة الحسيمة”، إلى المجلس الأعلى للحسابات من أجل التدقيق في هذه التحقيقات وتحديد المسؤوليات.

ملف “منارة الحسيمة”، كان من بين أبرز القضايا الشائكة التي أججت الاحتجاجات في منطقة الريف بالمغرب منذ ما يناهز السنة، حيث رفع المحتجون عددا من المطالب الاجتماعية الخاصة بالتنمية والصحة والتعليم وغيرها.

المجلس الأعلى للحسابات الذي يرأسه الوزير الأول الأسبق إدريس جطو، كان قد قدم عددا من التقارير حول عمل مؤسسات مغربية، منها تقارير تم تقديمها أمام البرلمان المغربي، ترصد مجموعة من الاختلالات التي تعيشها هذه المؤسسات.

لكن في مقابل ذلك، فإن عددا من هذه التقارير تظل حبرا على ورق ولا تحرك فيها المتابعة القضائية، ما يطرح سؤال جدية هذه التقارير والمغزى منها بالرغم من أنها صادرة عن مؤسسة للرقابة.

آلية للرقابة

يقول الباحث في العلوم السياسية، عبد المنعم لزعر، إن المجلس الأعلى للحسابات يعد بحسب منطوق الدستور هيئة عليا للمراقبة العمومية تقوم بتدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة والشفافية والمحاسبة بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية.

تبعا لذلك يؤكد لزعر، على أن إحالة ملف مشاريع الريف على المجلس، يمكن قراءتها بكون المجلس هو “جهة لتطهير خلاصات التقارير الصادرة عن جهاز التفتيش بكل من وزارة الداخلية ووزارة المالية”، مردفا أن “هذا التطهير سيتم عبر تأكيد خلاصات عمليات التفتيش التي تم اجراؤها أو سيتم إبراز عناصر إدانة جديدة للأشخاص أو المؤسسات موضوع التفتيش”، على حد تعبيره.

ويضيف المحلل السياسي، أن المجلس الأعلى للحسابات سيقوم بالتدقيق والمراقبة في الخلاصات والوثائق المحالة عليه، ويمكن أن تتحول هذه المراقبة إلى تحقيق يحمل صبغة قضائية على مستوى الغرف المختصة داخل المجلس الاعلى للحسابات، من خلال استدعاء المخالفين أو مرتكبي المخالفات.

واستنادا إلى خلاصات التحقيق يملك المجلس الأعلى للحسابات أربع إمكانيات لتأديب المخالفين، يؤكد المصدر ذاته، وتتمثل الإمكانية الأولى في توقيع الغرامات على المخالفين، والثانية هي استرجاع الأموال إذا وجدت ديون، والثالثة إحالة الملف على المؤسسات الإدارية إذا كانت المخالفات تستوجب اتخاذ عقوبات إدارية بمعنى الإحالة على المجلس التأديبي، أما الإمكانية الرابعة فهي الإحالة على مؤسسة النيابة العامة إذا كانت المخالفات ذات صبغة جنائية.

ويخلص المتحدث ، إلى أنه من خلال استقراء التقارير الصادرة عن المجلس الاعلى خلال سنة 2014 وسنة 2015، يلاحظ أن المجلس أحال قضيتين فقط خلال سنة 2014 على وزير العدل في مقابل إحالة ست قضايا على وزير العدل خلال سنة 2015 “ما يعني أن تفعيل المسطرة الجنائية في الملفات المعروضة على المجلس الأعلى للحسابات يظل محدودا”.

غياب الإرادة

ويثمن محمد المسكاوي، عضو الشبكة المغربية لحماية المال العام، إصدار المجلس الأعلى للحسابات مجموعة من التقارير السنوية حول تدبير المؤسسات بالمغرب، لكنه تساءل في الوقت ذاته، عن عدم إحالة عدد منها إلى القضاء، بالرغم أن المدونة المالية تنص على أن الوكيل العام للمجلس يجب أن يحيل الملفات ذات الطبيعة الجنائية لوزير العدل، وذلك قبل أن تصبح النيابة العامة مستقلة.

ويشدد المسكاوي، على أن المطلوب من الجانب القضائي، هو أن يبادر ويطالب بالملفات ذات الطبيعة الجنائية، دون انتظار إحالتها من قبل المجلس.

لكن لماذا لا يتم فتح تحقيقات قضائية في جل التقارير التي ينشرها المجلس الأعلى للحسابات؟ يجيب الناشط الحقوقي عن هذا السؤال، بالتأكيد أن هناك غيابا للإرادة الحقيقية من أجل مواجهة الفساد، معتبرا أن عدم تفعيل هذه التقارير يجعلها مجرد “أرشيف”.

ويدعو المتحدث ذاته، إلى ضرورة تقديم دعم مالي وتوفير الموارد البشرية الكافية للقضاء، لكي يشتغل على المزيد من القضايا، وعدم السقوط في الانتقائية بالاشتغال على مؤسسات دون غيرها.

وتطالب الشبكة المغربية لحماية المال العام أيضا، بإنشاء محاكم للقضايا ذات الطبيعة المالية، كما هو الحال في عدد من الدول الأوروبية، وتكون مهمتها الأساسية هي التحقيق في ملفات الفساد المالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *