المغرب الكبير

زيارة ماكرون للجزائر..النتائج العكسية

حلّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ضيفاً على الجزائر الأربعاء 6 دجنبر 2017، في زيارة أثارت اهتمام الشباب الجزائري، خاصةً بعد الموقف اللافت للانتباه الذي تعرض له ماكرون بجامعة واغادوغو في بوركينا فاسو قبل أسبوع.

تقرير لصحيفة لوبوينت الفرنسية، نُشر قبل بدء الزيارة، تناول ردود فعل الجزائريين، لا سيما الشباب ووسائل الإعلام، تجاه الزيارة التاريخية.

وأشار التقرير إلى أن العاصمة الجزائرية شهدت استعدادات حثيثة بالتزامن مع هطول أمطار غزيرة يوم الأحد الماضي.

وعكف موظفو وعمال بلدية الجزائر على تهيئة الشوارع وتنظيفها بإزالة المساحات التي استحوذ عليها أصحاب المتاجر والمقاهي بشكل يضايق المارة، خاصةً في شارع العربي بن مهيدي وشارع ديدوش مراد.

وقد أثارت هذه الإجراءات امتعاض بعض التجار الذين لم يتم تنبيههم قبل تنفيذ القرار المفاجئ الذي تم تبريره بأسباب أمنية حسب الأجهزة الرسمية، على الرغم من أنهم يعلمون جيداً أن الأمر يتعلق بزيارة الرئيس الفرنسي.

فضلاً عن ذلك، جرت أعمال الصيانة على قدم وساق في محيط الجامعة المركزية “بن يوسف بن خدة”، بعد أن سرتْ شائعات، مفادها أن زوجة الرئيس الفرنسي، بريجيت ماكرون، ستزور هذه الجامعة التي درست بها في الماضي.

 

بوركينا فاسو

من جانبه، سخر رضا، الشاب الحائز شهادة الدكتوراه في الأدب العربي، من العمل المضني الذي يقوم به عمال البلدية تحت الأمطار الغزيرة.

وقال: “كنا نفضّل إقامة حوار مباشر بيننا وبين ماكرون بالجامعة المركزية، تماماً مثلما حدث في بوركينا فاسو. لكن، تكفلت البلدية بتنظيف المدينة بهذه المناسبة على الأقل، وهذا أفضل من لا شيء”.

وعند سؤاله عن توقعاته من هذه الزيارة، قال رضا بكل استخفاف: “بصراحة، لست أنتظر الكثير منها، باعتبار أن ماكرون سيحلّ على بلادنا بحثاً عن تحقيق مصالح بلاده، وليس مصلحتنا نحن”.

أما بالنسبة لوجهة النظر التي عبّر عنها ماكرون لشباب القارة الإفريقية حول الذاكرة والفترة الاستعمارية والمستقبل، فقد جعلت رضا يتبنى موقفاً سلبياً إزاء الرئيس الفرنسي.

وصرح الشاب الجزائري بلغة فرنسية سلسة تضاهي في سلاستها لغته العربية، قائلاً: “أنا لا أصدّق خطاباته، فبغض النظر عما تتضمنه من تنازلات ومجاملات، لا يغير ذلك شيئاً بالنسبة لنا”.

ويضيف: “في البداية، يجب علينا حل مشاكلنا بأنفسنا. وعلى سبيل المثال، قد لاحظت بالجامعة التي درست فيها اللغة العربية، نقص المدرسين القادرين على تدريب الطلبة على أبحاثهم؛ وهو ما يدفعني إلى التساؤل عن السبب. فهل يعود ذلك إلى تآمر فرنسا على العالم العربي؟ لا؛ بل يُعزى ذلك إلى أننا لم نحسن إدارة هذه الجامعة”.

 

مسألة لا تزال حاضرة في الذاكرة

إلى جانب مسألة التأشيرات وحرية دخول الأفراد للمنطقة الأوروبية، وهو الموضوع المفضل لدى الجزائريين، خاصة الباحثين منهم عن الهجرة لإيجاد فرص أفضل- تبرز قضية الذاكرة والماضي.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، انتشر هاشتاغ “لا لماكرون في الجزائر”، مصحوباً بصور من المجازر المروعة التي راح ضحيتها الجزائريون خلال معركة التحرر من المستعمر الفرنسي، في الثامن من ماي سنة 1945، شرق البلاد.

وعلى هامش زيارته لبوركينا فاسو خلال الأسبوع الماضي، قال إيمانويل ماكرون: “أنا شاب مثلكم تماماً، لقد وُلدت بعد الفترة الاستعمارية، ولا أريد لخلافاتنا مع القادة الأفارقة أن تستمر”.

ووفقاً لما أفاد به الخبير الفرنسي في الشأن الإفريقي أنطوان غلاسير، “يحاول ماكرون التخلص من التركة الاستعمارية الثقيلة، ولكن زيارته للجزائر ستحدد نجاحه في تحقيق هذا الهدف من عدمه”.

وقال الرئيس الفرنسي كلاماً مماثلاً للجزائريين؛ إذ صرح لصحيفتين جزائريتين، قائلاً: “لديّ نظرة رجل من جيلي، نظرة رئيس تم انتخابه على أساس مشروع انفتاحي، أنا أعرف التاريخ، ولكنني لست رهين الماضي. لدينا ذاكرة مشتركة، يجب أن ندرك ذلك”.

وقال: “على فرنسا أن تبني مع الجزائر محوراً قوياً، محوراً أساسه الحوض المتوسط ويمتد إلى إفريقيا. بالطبع هناك صعوبات، ولكن يجدر بنا أن نتجاوزها مع كل الفاعلين في مجتمعَينا، ومن أجل هذا علينا أن نعمل معاً في مجالات التربية وتطوير الاقتصاد والمبادلات الثقافية”.

 

ازدواجية

ويرى عمار لشمط، وهو صحفي في العقد الرابع من عمره، أن “ماكرون يعتمد على ازدواجية الخطاب؛ لأنه يسعى للحفاظ على توازن بين مختلف التيارات السياسية الفرنسية”.

في المقابل، يقول إن “الرئيس الفرنسي أخطأ سابقاً حين قلل من أهمية أحداث الماضي، التي لا تزال حاضرة في أذهان الجزائريين والفرنسيين على حد السواء”.

 

هل يعتبر ملهماً للجزائريين؟

فضّل الموقع الإلكتروني الساخر “المنشار” رسم صورة طريفة لهذه الزيارة، من خلال عرض تصريح خيالي يدلي به الرئيس الفرنسي في الأيام السابقة لزيارته.

وضمن هذا التصريح، يقول ماكرون: “في السادس من دجنبر المقبل، سأصل إلى الجزائر العاصمة عبر ميناء سيدي فرج في شرق البلاد (وهو الميناء الذي رست فيه البعثة الاستعمارية الفرنسية سنة 1830).

من هذا المنطلق، ستُتاح للشباب الجزائري الذي لم يعايش فترة الاستعمار فرصة تجربتها مجدداً في سنة 2018. كما أنني أدعو الحكومة الجزائرية للاعتذار عن حرب الاستقلال التي خاضها الجزائريون وجرائمهم ضد استعمارنا لهم”.

 

منافق

بالنسبة للشابة سارة، البالغة من العمر 30 سنة والمسؤولة عن الإعلام بشركة دولية وواحدة من المشاركين في إطلاق هاشتاغ “لن ننسى أبداً”، فهي تعتبر أن كلام ماكرون ينطوي على الكثير من النفاق، بعد أن كان يعتبِر في السابق “الاستعمار بمثابة جريمة ضد الإنسانية”. ولكن الرئيس الفرنسي تراجع لاحقاً عن تصريحاته وأعلن أن تلك الحقبة “كانت تتضمن أيضاً لحظات مشرقة”، وهو أمر يستحق التنديد، من وجهة نظر سارة.

 

مميزاته

أما منى، وهي مهندسة معمارية من العاصمة الجزائرية، فتفضل التركيز على شخصية الرئيس الفرنسي، حيث أفادت بأن “ماكرون أضفى على فرنسا روحاً شبابية وأطلق العديد من المبادرات الرائعة. ولكنني أعتقد أنه يفتقد الخبرة والكاريزما والدبلوماسية”.

خلافاً لذلك، تصرُّ صديقتها إيمان، المتخصصة بتاريخ الفنون، على الدفاع عن الرئيس الشاب، مشيرةً إلى أنه “وعلى الرغم من بعض نقاط الضعف والأخطاء المتعلقة بصغر سنّه، فإنني أعتقد أن فرنسا سلكت طريق الحداثة والتجديد بفضل انتخابها ماكرون، وأتمنى أن تسير بلادي على النهج ذاته”.

أما الحسابات السياسية بين البلدين، فتقول عنها: “لا تعني لي الكثير، كما يجب علينا الاستفادة من تجربته الشخصية الناجحة فقط”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *