ملفات

أحكام بالاعدام مجمدة بالدول المغاربية.. فلماذا لا يتم إلغاؤها؟

في الوقت الذي لا تزال عدد من القوانين في الدول المغاربية تشرع عقوبة الإعدام، فإن هذه العقوبة لا تطبق منذ سنوات، رغم أن عددا من الأحكام القضائية التي صدرت بهذا الخصوص في حق متابعين كانت مرتبطة بجرائم قتل.

وتندد عدد من منظمات حقوق الإنسان الدولية والمغاربية باستمرار إصدار عدد من المحاكم لأحكام بالإعدام، كما هو الحال بالنسبة لمنظمة العفو الدولية، التي تجرد، في تقاريرها السنوية، أحكام الإعدام الصادرة كل سنة بالبلدان المغاربية.

فما هي وضعية عقوبة الإعدام تحديدا بالبلدان المغاربية؟ ولماذا تقرها هذه الدول وتصدر عن محاكمها ولا تنفذ؟ وهل يعني بقاء العقوبة دون تنفيذها سعي الأنظمة المغاربية إلى استغلالها لتخويف المعارضين؟

أحكام مجمدة

بخصوص المغرب، تؤكد منظمة العفو الدولية، المعروفة اختصارا بـ”أمنيستي”، أن المحاكم واصلت إصدار أحكام بالإعدام، في حين لم يُنفّذ أي من هذه الأحكام في المغرب منذ عام 1993، مشيرة إلى أن السلطات المغربية خففت، خلال يوليو الماضي، أحكام الإعدام الصادرة في حق 23 شخصاً إلى السجن المؤبد.

أما بالنسبة للجزائر، فاستمر القضاء أيضا في إصدار أحكام الإعدام، بالرغم من أنه لم ينفذ أيا من هذه الأحكام منذ عام 1993، كما هو الحال في تونس التي لم تنفذ فيها أية إعدامات منذ سنة 1991.

​ليبيا هي الأخرى تعرف استمرار العمل بعقوبة الإعدام التي يدان بها مرتكبو عدد من الجرائم، بيد أنه لم يرد ما يفيد بتنفيذ أية أحكام بالإعدام بليبيا، تورد منظمة العفو الدولية في آخر تقاريرها.

الأمر نفسه ينطبق على موريتانيا، التي كانت أمام جدل واسع بسبب الحكم بالإعدام الصادر في حق المدافع عن حقوق الإنسان، محمد ولد امخيطير، بعد اتهامه بانتقاد توظيف الإسلام في تبرير الممارسات التمييزية ضد الأقليات العرقية في البلاد.

آخر أحكام الإعدام في المنطقة المغاربية صدرت منتصف يناير الجاري، والتي أعادت الموضوع إلى الواجهة من جديد، وكانت في حق المتهم الرئيسي في قضية مقتل برلماني مغربي.

لكن، لماذا لا تزال هذه الأحكام تصدر دون أن يتم تطبيقها؟ وما الذي يجعل الدول المغاربية تتقدم خطوة نحو تجميد العقوبة لكن دون أن تذهب إلى حد إلغائها من قوانينها؟

عدالة أم استغلال سياسي؟

يعتقد الناشط الحقوقي الجزائري، مصطفى بوشاشي، إن مسألة إصدار أحكام إعدام بالبلدان المغاربية مع تجميد تطبيقها لها خلفية سياسية، “وتحتاج الأنظمة الى أن تكون أكثر شجاعة للذهاب الى أبعد من تجميد العقوبة”، حسبه.

“ما حدث هو أننا نقف وسط الطريق، نقوم بتجميد العقوبة، ولكن لا نذهب خطوة للأمام”، يوضح بوشاشي.​       ​ويرصد بوشتاتي، عددا مما اعتبرها أسبابا وجيهة وراء هذه الوضعية، وأبرزها، حسبه، أن “السلطة القضائية ليست مستقلة لتستطيع إصدار أحكام دون تأثيرات خارجية”.

أما السبب الثاني، حسب المتحدث ذاته، هو أن “العقوبة في الدول غير الديمقراطية تستعمل لتخويف المعارضين السياسيين أكثر من القضاء على جرائم في المجتمع”، بالإضافة إلى أن “الأنظمة السياسية تأخذ بعين الاعتبار فكرة الشريعة الإسلامية لتعتبر أنه يجب الالتزام بأحكام الشريعة، مع أن هذا الموقف متعارض مع سلوكات الأنظمة”.

وجه التعارض، يؤكد الفاعل الحقوقي الجزائري، يتمثل في أن “الأنظمة قامت بإلغاء كل التشريعات العقابية في الشريعة وأبقت على الإعدام”، مستبعدا، في الوقت ذاته، أن يكون السبب “احترام أحكام الشريعة”.

في مقابل ذلك، يقول منسق الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، عبد الإله بنعبد السلام، إن “الدول في المنطقة المغاربية لم تنخرط بشكل كامل في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، ولا تعتبر أن الحق في الحياة محمي ومقدس”.

ويوضح بنعبد السلام، أنه لا توجد لدى هذه الدول إرادة سياسية للحفاظ على الحياة، “ولا تزال تستعمل العقوبة في التهديد أو تصفية الحسابات السياسية”.

‘الشريعة’ والمرجعية الحقوقية

عدد من الداعين للإبقاء على هذه العقوبة يستدلون بما يسمونها “شريعة إسلامية”، معتبرين أنها إحدى مصادر التشريع في البلدان المغاربية، لكن الفاعل الحقوقي المغربي، عبد الإله بنعبد السلام، يشدد على أن هذه القراءة غير سليمة، لأن مصدر التشريع هو القانون الوضعي وليس القرآن أو السنة، “وإلا فإننا سنطبق الرجم وقطع اليدين”، يردف المتحدث ذاته.

ويعتبر الناشط الحقوقي المغربي أن هناك نوعا من الالتفاف على مطلب إلغاء العقوبة، مشيرا إلى أن عددا من رجال الدين دعوا إلى إلغاء العقوبة.

“الدين يدعو إلى التسامح، والذي يقتل يحمل نزعة عدوانية يجب ألا يحملها المجتمع باسم القانون، لأن النتيجة هي مصادرة الحق في الحياة والتسبب في إهدار روح بشرية”، يستطرد بنعبد السلام

أما المحامي التونسي، أيوب غدامسي، فيورد أسبابا أخرى تقف وراء مع اعتبره “وقوف الدول المغاربية في منتصف الطريق” في مجال إلغاء الحكم بعقوبة الإعدام.

ويقول غدامسي إن إيقاف تنفيذ هذه العقوبة كان بقرار سياسي وليس بمبادرة تشريعية، ما يفتح الباب أمام إمكانية الرجوع إليها في أي وقت.

ويؤكد المحامي التونسي، أنه إذا كانت هناك نية للدول المغاربية في مطابقة منظوماتها التشريعية مع القانون الدولي الإنساني، لكان الأرجح أن تسقط عقوبة الإعدام من الدساتير، خصوصا مع الدستور التونسي سنة 2014.

“لكننا فوتنا فرصة دسترة مبدأ استبعاد الإعدام، على اعتبار أنها عقوبة غير إنسانية وعدد من الدول اتجهت إلى إلغائها”، يستدرك المتحدث ذاته.

ويشير أيوب غدامسي إلى أن المسألة متعلقة بطرح أيديولوجي، “فمرجعية التيارات الإسلامية، كالإخوان المسلمين، تشمل عقوبة الإعدام وتدافع عنها، معتبرة أنها من العقوبات الحدية، وإذا تطرقنا لمسألة استبعاد الشريعة من التشريع، يتجدد الصراع متجدد بين القوى الرجعية والتقدمية”، يردف المحامي ذاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *