متابعات

ماذا يعني للمغرب استضافة كأس العالم ل2026؟

لم ينس المغاربة حتى الآن مشاعر الصدمة والحزن يوم إعلان فوز جنوب إفريقيا بتنظيم مونديال 2010،  بعد أن كان المغرب قد اقترب من تحقيق هذا الحلم.

يبدو أن الرباط مصممة على استضافة هذا الشرف الكبير، فعادت وأعلنت عن ترشحها لتنظيم كأس العالم 2026، لتدخل في منافسة مع ملف مشترك قدمته كل من الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.

لكن الجدل يدور بين المغاربة حول أهمية استضافة هذا الحدث، فبعض وجهات النظر ترى أن الأموال التي سيصرفها المغرب للتجهيزات والإنشاءات، من الأفضل توجيهها نحو قطاعات التعليم والصحة حتى يستفيد منها المواطنون مباشرة.

ميزانية هامة

لإقناع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” بمنح المغرب حق استضافة البطولة، خصصت المملكة ميزانية كبيرة، والتي ستكلف المغرب خلال السنوات الثمانية المقبلة 15.8 مليار دولار، سيساهم القطاع الخاص بجزء منها يقدر بـ 3.2 مليار دولار.

الميزانية ستكون مقسمة بين بناء المنشآت الرياضية، والتي قدرت بحوالي 600 مليون دولار، بينها تشييد ملاعب جديدة، وإصلاح تلك التي يتوفر عليها المغرب سابقاً، لتتلاءم ومعايير الاتحاد الدولي. فالمغرب تقدم بـ 14 ملعباً وطنياً وتشييد 5 ملاعب جديدة، و10 مدن مغربية مرشحة لاستقبال المنتخبات العالمية.

في حين سيتم تخصيص ميزانية 9.6 مليار دولار، للبنيات التحتية الحيوية والمتعلقة بالأساس بوسائل النقل البرية والجوية، والسكك الحديدية. فضلاً عن  تحسين قطاع الصحة، وبناء مستشفيات عالية الجودة ومرافق صحية تستوعب الوفود التي ستصل للمملكة خلال هذا الحدث الكروي الهام. وسيتم توفير أيضاً 110 آلاف وظيفة جديدة للمغاربة.

كل هذه الأرقام أعلن عنها حفيظ العلمي، رئيس لجنة ترشيح المغرب لاستقبال نهائيات كأس العالم 2026، خلال ندوة صحفية، قبل أسابيع. وأوضح أن هذه الاستثمارات التي سيتم الحرص على إنجازها خلال السنوات المقبلة، سترفع الطلب على اليد العاملة في جميع المجالات، منها الرياضية  أو قطاع الصحة، أو الاقتصاد، والسياحة، والنقل.

ما سيخسره المغرب

اعتبر بعض المغاربة أن هذه المليارات من الدولارات التي رصدها المغرب لتنظيم كأس العالم مبالغ فيها، خصوصاً في ظل الاحتجاجات الشعبية التي تعيشها بعض المدن المغربية، مثل حراك جرادة أو حراك الريف شمال المغرب.

ودعا بعض المغاربة إلى ضخ هذه الميزانية في قطاعات أخرى أكثر أولوية مثل قطاع الصحة والتعليم.

منصف اليازغي، الباحث في السياسات الرياضية، قال  إن المغرب لا يمكن أن يخسر في حالة تنظيمه لكأس العالم؛  فـ “المغرب عندما يطلب تنظيم هذا العرس الكروي الهام، فهو ليس رفاهية زائدة مثل أميركا أو كندا، بل انطلاقاً من رؤية أن ما لا تستطيع الاقتصاد والسياسة تحقيقه في تنمية البلاد، بالتأكيد ستستطيع الرياضة تحقيقه”.

وأكد أنه دون هذا الحدث، لن يستطيع المغرب تشييد بنيات تحتية من مطارات ومستشفيات وملاعب، وذلك  في ظرف 8 سنوات فقط. وذكر أن هناك رهاناً مع الفيفا؛ “المغرب أعلن عن دفتر تحملات وأجل زمني واضح، لهذا المملكة مضطرة إلى إنجاز كل ما أعلنت عنه في ملف ترشيح. دون أن ننسى الزيارات المتتابعة من طرف لجنة خاصة من الفيفا لمراقبة ما وصل إليه المغرب من إنجاز المشاريع التي أعلن عنها، والتي تخص بناء ملاعب ومطارات ومستشفيات وغيرها من بنيات تحتية هامة”.

وأضاف أن “المغرب يمكن أن يصل إلى تحقيق هدفه المتمثل في 20 مليون سائح من خلال تنظيمه لكأس العالم، كما حدث لمدينة برشلونة الإسبانية، عندما أنفقت 90% من ميزانية الألعاب الأولمبية عام 1992، لتأهيل مدينة برشلونة سياحياً واكتفت بإنفاق 10% فقط للبنيات التحتية التي تخص الألعاب الاولمبية، وقد كسبت برشلونة من خلال هذه التظاهرة زيارة 13 مليون سائح سنوياً”.

لسنا البرازيل

ويبدو أن التجربة الإسبانية هذه ملهمة للناقد والصحفي الرياضي جمال اسطيفي أيضاً، إذ أكد أنه في حالة تنظيم المغرب لكأس العالم فيمكن أن تكون التجربة مشابهة للتجربة الإسبانية، إذ تمكن الإسبان من تنمية بلادهم من وراء تنظيم هذه التظاهرة العالمية.

وشدد على أن “كل البلدان التي نظمت كأس العالم استفادات بشكل إيجابي وحققت أرباحاً هامة في تنمية البلاد مثل جنوب إفريقيا وفرنسا باستثناء البرازيل”.

 

ويذكر أن البرازيل شهدت احتجاجات شعبية ضخمة رافقت تنظيم مونديال 2014، وخرج عدد كبير من سكان البرازيل إلى شارع احتجاجاً على صرف الحكومة البرازيلية مبالغ هامة لبناء الملاعب لاستضافة هذا الحدث العالمي الضخم بلغت قرابة 13.5 مليار دولار.

واعتبر المتظاهرون أنه كان من الأجدى بالحكومة صرف الميزانية التي خصصتها لتنظيم كأس العالم على التعليم والصحة، والنهوض اقتصادياً بالمدن المستضيفة للمونديال، وحل مشكلة البطالة ومشكلة العشوائيات التي تلتهم مساحات شاسعة من المدن البرازيلية.

اسطيفي علق على هذا قائلاً إن المغرب ليس البرازيل، “صحيح أن هناك إنفاقاً هائلاً لتنظيم كأس العالم بالمغرب، سواء من طرف الحكومة أو من طرف قطاع الخاص، لكن وضعيتنا مختلفة مقارنة ببرازيل، فالأخيرة كانت قد نظمت حدثين هامين متزامنين، كأس العالم 2014 والألعاب الأولمبية 2016، وهذا ما جعل الحكومة تنفق بشكل هائل على حساب الطبقات الفقيرة مما أدى إلى غضب شعبي”.

هل سيكون المغرب ضحية فساد أخرى؟

قلق اسطيفي لا يأتي من قدرة المغرب على التنظيم، لكنه يتعلق بالاتهامات التي يوجهها البعض ضد الاتحاد الدولي خاصة رئيسه جياني إنفانتينو. فذكر أن رئيس الفيفا يدعم بشكل واضح الولايات المتحدة الأميركية، “فرض إنفانتينو لجنة إدارية غير مستقلة مكونة من 5 أعضاء من الفيفا، تقوم بتقييم إنجازات الدول المرشحة ومدى جاهزيتها، ويبدو أن المغرب هو المستهدف من هذه اللجنة، فإذا لم يحصل على تقييم مناسب سيتم إقصاؤه نهائياً، وهنا لن يصل إلى التصويت النهائي”.

وأكد أنه لم تكن توجد أي دولة جاهزة بنسبة 100% منذ إعلانها عن ترشيحها لتنظيم المونديال باستثناء أميركا.

يرى اسطيفي أن فضائح الفساد في الفيفا ليست بجديدة  ومعروفة، وقد أطاحت بجوزيف بلاتر رئيس الفيفا السابق، والآن خلفه جياني إنفانتينو المدعوم من طرف الولايات المتحدة الأميركية، والمتهم أيضاً بتورطه في ملفات فساد، “يبدو أن إنفانتينو مضطر لدعم أميركا لكي لا تقوم بفضح ملفات الفساد المتورط فيها”، على حد تعبيره.

الجزائر تدعم وموقف السعودية غير واضح

أما بالنسبة للدول التي يمكن للمغرب أن يعول عليها لدعم ملف ترشيحه لكأس العالم 2026، فيقول منصف اليازغي، الباحث في السياسات الرياضية، إن المغرب يتوفر على قاعدة إفريقية هامة، إذ يمكن أن يصوت عدد كبير من البلدان الإفريقية لصالح المغرب.

وهناك عدة دول أعلنت دعمها من قارة أفريقيا مثل تونس، وساحل العاج، والسنغال، ومالي، ونيجيريا، والكونغو، وغينيا الاستوائية، وغينيا كوناكري، والغابون، والسودان، والرأس الأخضر، وسوازيلاند، ومدغشقر، والكاميرون، وبوروندي، وأفريقيا الوسطى، وليبيريا، وسيراليون، ونيجيريا، وغينيا بيساو، والبنين، وبوركينا فاسو، وليبيا.

وأكدت الجزائر دعمها ملف المغرب لاستضافة البطولة، بعد أن وافقت الرئاسة الجزائرية رسمياً على طلب المغرب انضمام النجم السابق للمنتخب الجزائري لكرة القدم، لخضر بلومي، إلى قائمة سفراء الملف المغربي لمساندة الملف.

أما من قارة آسيا فأبدت الدول التالية استعدادها للتصويت لملف المغرب وهي: إيران، قطر، الكويت، الصين، الأردن، فلسطين، أوزبكستان، قيرغيزستان، طاجكستان، تركمنستان، باكستان، إندونيسيا، ماليزيا، سيريلانكا، سنغافورة.

يأتي هذا إضافة إلى دعم البلدان الأوروبية والتي في صالحها تنظيم هذه التظاهرة على أرض مغربية، وذلك لعدة أسباب بينها عامل التوقيت. فرق التوقيت بين المغرب وأوروبا يجعلها مناسبة أكثر لهم، فضلاً عن قرب المسافة بين المغرب وبعض البلدان الأوروبية، وهذا العامل سيسهل عشاق المستديرة من الجماهير الأوربية التنقل إلى المغرب بشكل أسرع.

فقد أبدت كل من فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وبلجيكا، ومالطا، والبرتغال، وتركيا استعدادها للتصويت للملف المغربي.

لكن على الجانب الآخر، عبر رئيس هيئة الرياضة السعودية تركي آل الشيخ، في تغريدة له قبل أسابيع، حول ملف ترشح المغرب لتنظيم كأس العالم 2026، ولمح إلى إمكانية عدم دعم السعودية للملف المغربي.

وبعد ساعات قليلة من تغريدته الأولى، نشر المسؤول السعودي تغريدة أخرى كشفت السبب الذي سيجعل السعودية لا تدعم الملف المغربي قائلاً: “هناك من أخطأ البوصلة إذا أردت الدعم فعرين الأسود في الرياض هو مكان الدعم، ما تقوم به هو إضاعة للوقت دع “الدويلة” تنفعك..! رسالة من الخليج للمحيط”، في إشارة منه إلى العلاقات بين المغرب وقطر، وموقف المغرب من الأزمة الخليجية.

وقد تسببت هذه التغريدة في جدل بين النشطاء المغاربة الذين أكدوا أن المغرب لا يحتاج للدعم السعودي لاحتضان البطولة العالمية، في ظل وجود دول صديقة بينها دول عربية صديقة.

ويقول اليازغي، في هذا السياق إنه على الرغم من أن موقف السعودية غير واضح، ولم يتأكد بعد بعدم دعمها للملف المغربي في تنظيم كأس العالم 2026، لكن في  النهاية هي صوت واحد.

وأكد أنه لا يعتقد أنها ستصل إلى مستوى تأثير على بلدان العربية الأخرى بعدم تصويت لصالح المغرب، وإن حاولت ذلك أعتقد أن العلاقات بينها وبين المغرب ستصاب بشلل التام، على حد قوله.

يذكر أنها ليست المرة الأولى التي ذكر تردد اسم تركي آل شيخ، رئيس هيئة الرياضة السعودية فيما يخص تنظيم كأس العالم في بلدان عربية سواء المغرب وقطر، إذ نشر تقرير في مجلة فوكس الألمانية يفيد إلى احتمال إلى بريطانيا أو الولايات المتحدة.

وأظهرت المجلة أن  مصدر معلوماتها التي بنت عليه التقرير يعود إلى رئيس الهيئة العامة للرياضة تركي آل الشيخ.

وقالت المجلة إن “مقربين من آل الشيخ أكدوا لها أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يستعد في نهاية الصيف الجاري للتصويت على سحب كأس العالم من قطر، ونقله إما للولايات المتحدة أو بريطانيا. إلا أنه نفى ما جاء في المجلة الألمانية عبر تغريدة له على موقع تويتر.

سياسياً

من المؤكد أن ظاهرة المونديال هي تظاهرة عالمية تتجاوز الوقع الرياضي إلى وقع سياسي، وهذا ما أكده رشيد لزرق المحلل السياسي خلال حديثه لـ”بوست عربي” مشيراً إلى أنه خلال تنظيم المغرب المونديال سيكون محطة لقادة الدول والبعثات الدبلوماسية.

وأضاف أن تنظيم كأس العالم يأتي ضمن المخطط الشامل الذي وضعه المغرب من أجل تسريع وتيرة التنمية وتقوية البنية التحتية؛ فالعوائد للبلد المحتضن لا تتوقف على العائد الاقتصادي السريع من احتضان المونديال بل إنه يتعداها إلى إضفاء عنصر الثقة في الاقتصاد الوطني التي تمكن المغرب من بلوغ لمصاف الدول الصاعدة؛ فالثقة التي يحتاج إليها الاقتصاد الوطني جد مهمة، ثقة المستهلكين، وثقة المستثمرين، وثقة المنظمات الدولية، وذلك لتحقيق الانطلاقة الكبرى لسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية المثمرة، والتي ستعود بالنفع على كل فئات المجتمع المغربي في تحقيق التنمية المستدامة”.

كما أن “التوجه العام في المغرب يسير في اتجاه اندماج الجهات، الذي يكون عبر  خلق البنى التحتية وغيرها من تحقيق نمو في الاقتصاد، وبلوغ مرحلة التنمية وبلورة خطة لإسقاط الفساد وتوفير الخدمات الصحية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *