مجتمع

عصابة “شرع اليد” بآسفي .. شريعة الغاب موثقة بالصوت والصورة

سلطة العقاب توجد حصرا بيد المؤسسات الأمنية والقضائية، وإن أي شخص يحاول تطبيق العدالة بنفسه باسم الدين أو لأيّ سبب آخر سيتابع لا محالة أمام المحاكم المختصة طبقا للقانون، وإن أي فعل إذا ارتكب ويمثل خرقا للقانون واعتداء على الأشخاص والأموال وإلحاق الأضرار بالمجتمع يفتح المجال للمتابعة والملاحقة؛ لأنه في حالة تغييب المؤسسات وقيام كل فرد في المجتمع بما يراه هو الصحيح فإن البلاد ستصبح محكومة بقانون الغاب.

إن ما يجري حاليا من عنف وتسيب وانحراف خطير وتحريض على الكراهية، وركوب البعض على مطالب اجتماعية أو تيارات دينية أو عقائدية أو اقتصادية لزرع الفتنة المستوردة والاستخفاف بالوطن وقدسيته، يرمز إلى عدم وضوح الرؤيا حول الهوية والقيم المشتركة بين أفراد الوطن الواحد.

وهذا التشتت والتيهان مرتبط بغياب تنشئة اجتماعية سوية داخل الأسرة والمدرسة والمحيط العائلي والأحزاب السياسية والمجتمع المدني.. كل هذه العوامل لم تسهم في تقديم نموذج مواطن مغربي سوي، إذ لكل مواطن تصوره للشكل الذي يجب أن تكون عليه الأمور؛ وهو ما يؤدي الى استهتار بالقانون وضرب للوطن وقدسيته وتاريخه، ويتحول إلى جرائم متلبس بها بالصوت والصورة..

الأكثر من ذلك هو أن البعض لا يحاول إنقاذ الضحايا المعتدى عليهم وفي حالة تلبس بيّن بجريمة عدم تقديم المساعدة لشخص في خطر، بقدر ما يتفننون في توثيق الاعتداء حتى يكمل المعتدي جريمته الشنعاء.. كيف يعقل أن يتم الاعتداء على مواطنين داخل سيارة أجرة ويتم ارتكاب جرائم الضرب والجرح بالعصي والهراوات في حق طالبة باحثة أمام الملأ على أيدي متطرفين بطريقة تجعلنا في حالة ذهول، لم تنسنا محاولة الاغتصاب المؤلمة التي تعرضت لها التلميذة في الشارع العام، أو تلك التي تعرضت لعنف جسدي على يد معلمها، أو تذهب بنا الذاكرة إلى فتيات إنزكان ومثلي فاس وقبلة الناظور… كلها وقائع حاول بعض دعاة الارتباك ممارستها بشكل يجعلنا ندرك أن التطرف أصبح يلقي بظلاله المظلمة لالتهام الحريات والسطو على السكينة وأمن الساكنة، كما أصبح التطبيع مع العنف وقبوله يهيمن على مجتمعنا وتوثيقه بالصوت والصورة، ولئن كانت وسيلة لضبط المجرمين، ولكن كثيرا ما نعاين عدم تقديم أية مساعدة للضحايا المضرجين بدمائهم، والمصورون بهواتفهم منشغلون بعمليات التصوير.. وللإشارة، سبق لفريق برلماني أن وجّه سؤالا إلى وزير العدل والحريات السابق حول الحماية الفردية وتبعات الحوادث المتكررة التي عرفتها عدة مناطق من المملكة..

إنها ممارسات متطرفة تهدد المسار الحقوقي وحماية الحقوق والحريات النابعة من أصالة المجتمع المغربي المبنية على التعدد والاختلاف واحترام لدولة الحق والقانون.. لذلك، فإن التسيب والفوضى والتطبيع مع العنف ومختلف الاعتداءات المهينة والمس بالسلامة الجسدية للأشخاص التي أفقدت المجتمع ما بقي من قيمه وإنسانيته تجعل مستقبل بلدنا على المحك، وتجعل التضامن بين جميع مكونات المجتمع وتضافر الجهود أمرا مستعجلا وإلزاميا، من أجل التصدي لكابوس التطرف والتسيب والتطبيع مع العنف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *