آخر ساعة

المجلس الأعلى للحسابات .. نمر بلا أنياب

بين الفينة والأخرى، تصدر تقارير المجلس الأعلى للحسابات وفروعه الجهوية، بخصوص تدبير المال العام بالمغرب، وتأتي بعدد من الانتقادات ذات الصلة بتسيير المجالس المنتخبة والمؤسسات العمومية.

ويُصاحب نشر هذه التقارير، حملات إعلامية لنشر غسيل واقع إدارة الشأن العام ببلادنا، دون أن يطرح بالجدية اللازمة السؤال حول القيمة القانونية لهذه التقارير ومصير ملاحظات أعلى هيئة لمراقبة المالية العمومية بالمملكة.

وبالرغم من كونه مؤسسة دستورية، والتحولات التي عرفتها منذ 1996 مرورا بدستور 2011 إلى الآن، فإن سؤال نجاعة آلية المجلس في حماية المال العام يواجه هذه المؤسسة، سواء في الشق الإداري المتعلق بالمهام المنوطة به، أو الشق القضائي المتعلق بإصدار الجزاء التأديبي عن جميع المخالفات المرتبطة بعدم احترام القواعد المالية والمحاسبية للعمليات المالية المختلفة.

فالمجلس الأعلى للحسابات ليس جهة قضائية مكلفة بتتبع الجريمة المالية أو الاقتصادية وإنما بإمكانه إحالة النظر، على النيابة العامة لاتخاذ القرار في المتابعة أو عدم المتابعة في حال وجود شبهة أو عمل جرمي يستحق عقوبة جنائية، وإلى غاية تمكين قضاة المجلس الأعلى للحسابات من سلطة المتابعة، فإن النيابة العامة مطالبة بالتفاعل، تلقائيا، مع كل ما ورد بهذه التقارير واتخاذ المتعين في حينه.

إن الاختصاصات الموكولة للمجلس وموقعه في الجسم القضائي يطرحان سؤال حول الغاية من إعداد ونشر التقارير هل هي إطلاع الرأي العام على تفاصيل دقيقة، كانت طي الكتمان، تهم اختلالات التسيير المالي والتدبيري، أم تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية.

إن الضرورة تستدعي توسيع اختصاصات المجلس وتمكين قضاته من القيام بمهامهم القضائية، وإدراجه في إطار السلطة القضائية، مع التنصيص الدستوري الصريح بكونه أداة مؤسساتية لحماية المال العام في شموليته، وتعزيز مؤسساته المركزية والجهوية، بالمؤهلات اللوجيستيكية والبشرية الكافية، إذ لا يعقل أن تنشر تقارير سنة 2018 وهي تتحدث عن خروقات تعود لسنة 2009، كما هو الحال للتقرير الأخير للمجلس، أي بعد مرور عقد من الزمن عن هذه التجاوزات.

ويعتبر هذه الرهان، من أجل تعزيز آليات حماية المال العام، وترسيخ قواعد الحكامة وثقافة المساءلة، طموحا سياسيا وشعبيا، يمكن التفاعل الايجابي معه بوجود إرادة سياسية للقطع مع الفساد وتكثيف جهود كل مؤسسات الدولة والمجتمع من أجل هذه الغاية.. أما الرهان على مؤسسة، منزوعة الاختصاصات ومحدودة الأدوار وفقيرة الامكانيات، هو رهان خاسر كالرهان على نمر بلا أنياب لإخافة ذئاب وثعالب شيدت منظومة قائمة على الفساد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *