حوادث

إلى أين ستصل انتفاضة التلاميذ بسبب التوقيت الصيفي؟

«العثماني سير فْحالَك.. الحكومة ماشي دْيالك»، «الشعب يريد إسقاط الساعة»، هاذان الشعاران كانا من بين أخرى في انتفاضة تلاميذ المغرب يوم الإثنين ضد التوقيت الصيفي أمام مقر البرلمان وسط العاصمة الرباط، قبل أن تتطور الأمور إلى إحراق العلم المغربي وشتم رئيس الحكومة بكلمات نابية.

منذ ساعات الصباح الأولى، توافد آلاف التلاميذ والتلميذات ممن يتابعون دراستهم بمختلف المؤسسات التعليمية بكل من مدينتي الرباط وسلا، مُعلنين رفضهم القرار الحكومي القاضي بالإبقاء على التوقيت الصيفي “GMT+1” طيلة السنة، ما تسبب في توقف حركة المرور أمام السيارات و»الترام» بأكبر شوارع العاصمة. احتجاجات التلاميذ في يومها الخامس عرفت حضوراً أمنياً مكثفاً، في وقت لم تخلُ المسيرة من مشادات كلامية تطور بعضها إلى مشاجرات وتراشق بالحجارة.
منذ الأسبوع المنصرم، ومباشرة عقب الإعلان عن إقرار ما يُسميه المغاربة بـ»الساعة الجديدة»، عمد تلاميذ المؤسسات الإعدادية والثانوية بمختلف مدن جهات المملكة إلى مقاطعة الدروس وتنظيم وقفات احتجاجية داخل مؤسساتهم التعليمية قبل الخروج إلى الشارع والتوجه صوب المديريات الإقليمية ومقرات العمالات.

زكرياء.ل، ذو الـ17 سنة، والذي كان يتابع دراسته بالسنة الأولى من التعليم الإعدادي، دفع حياته ثمناً لخيار خروجه للشارع احتجاجاً على إضافة ساعة إلى التوقيت الرسمي للبلاد، بعد تعرضه لحادثة سير مميتة. حمزة. ر، صديق التلميذ المتوفي وزميله، أكد أن السلطات منعت التلاميذ والأطر التربوية من حضور جنازة الفقيد، ملقياً باللائمة على الساعة الجديدة التي كانت سبباً في خروج التلاميذ إلى الشوارع عوض التحاقهم بالفصول الدراسية. المحتجون الغاضبون، طالبوا المسؤولين الحكوميين بضرورة إلغاء الساعة والعودة لتوقيت «غرينيتش»، في وقت تساءل فيه التلميذ مهدي، 17 سنة، عن «الإيجابيات التي تتحدث عنها الدولة في الإبقاء على التوقيت الصيفي طيلة السنة»، متابعاً  بالقول إن «القرار تم اتخاذُه دون العودة لأحد أو الاستشارة مع الشعب» وفق تعبيره.
أما عن سبب نزول هاجر، 14 سنة، إلى الشارع، فقد أكدت أنها ستكون مضطرة إلى مغادرة بيتها في وقت لا يزال فيه الظلام يُرخي سُدوله صباحاً، وحتى وإن تم تعديل توقيت الدخول المدرسي خلال أول حصة من الدراسة، فإنها لن تعود مساء إلى البيت إلا ليلاً خاصة خلال أشهر فصل الشتاء، وفق تقديرها.
في خطوة صادمة، قام مجموعة من التلاميذ بطرح العلم الوطني أرضاً، وداسوا عليه بالأقدام قبل أن يقدموا على حرقه جزئياً، مرددين شعارات ضد المسؤولين ورئيس الحكومة.

وتُعد إهانة العلم الوطني جريمة يُعاقب عليها القانون الجنائي، بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، مع غرامة مالية من 10 آلاف إلى 100 ألف درهم، وترتفع العقوبة إلى ما بين سنة واحدة حبساً إلى 5 سنوات، والغرامة من 10 آلاف إلى 100 ألف درهم إذا تمت هذه الإهانة في اجتماع أو تجمع.

وأثار هذا التصرف غضب المغاربة ممن اعتبروا أن القضية باتت أكبر من التوقيت، ذلك أن الأمر غدا متعلقاً بمنظومة التربية والتعليم بالبلاد ونِتاج مستوى جودة التعليم الذي يتذيل قوائم مجموعة من المؤشرات العالمية، لافتين إلى أن هذا الجيل كان ضحية لغياب التأطير الحزبي والجمعوي والتربوي والفني وتُرك للشارع. وفق تعبيرهم.
عقب ما وقع، لم يجد سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية، إلاَّ اتهام من أسماهُم «أشخاصاً في محيط المؤسسات التعليمية لا علاقة لهم بالمنظومة التربوية، بتشجيع التلاميذ على عدم الالتحاق بأقسامهم والتغرير بهم ودفعهم نحو الخروج إلى الشارع». الوزير التجأ إلى آباء وأمهات التلاميذ للتأثير على أبنائهم من أجل العودة إلى المدارس، داعياً هيئة التدريس إلى تأطير التلاميذ لدفعهم إلى الالتحاق بالمؤسسات وتحصينها، مطالباً الجميع بـ»إقناع التلاميذ بالرجوع إلى المدارس في وقت اعتمدت الأكاديميات أوقاتاً مختلفة في الدخول المدرسي».
عوامل كثيرة إذن أدَّت إلى استفزاز التلاميذ المغاربة وخروجهم نحو الشارع، بحسب محسن بنزاكور الباحث في علم الاجتماع، رافضاً بالمقابل إقدام بعضهم على إحراق العلم الوطني أو سب رئيس الحكومة. وأوضح المتحدث أن قرارها بالإبقاء على الساعة الإضافية طيلة السنة يمس حياة الناس اليومية وهو ما أغفلته بالمرة مقابل تثمين العائدات الاقتصادية والطاقية، متسائلاً إن كانت «القيمة الاقتصادية أولى وأهم لدى الدولة من مواطنيها وحالتهم الاجتماعية والنفسية». وأضاف الأخصائي في علم النفس الاجتماعي، أن الدَّولة لم تُعط نفسها وقتاً كافياً لمباشرة النقاش مع الجيل الجديد، إذ اقتصرت على جمعيات الأمهات والآباء والتربويين، مهملة محاورة التلاميذ الشباب الذين تأطروا داخل مواقع التواصل الاجتماعي، ليأتي تصريح وزير التعليم الذي قال إنه «لا يدري ماذا يريد هؤلاء التلاميذ؟» ليُهيِّج المَحتجِّين الصغار ويستفزهم، وفق تعبيره.
يرى محسن بنزاكور أن الطفل والإنسان المغربي عموماً، لم يتعلم مواجهة المشاكل وحلها إلا بالعنف، «لم يتعلم أطفالنا فض مشاكلهم لا عبر الحوار ولا التفاوض ولا الفكر الناقد ولا حتى إبداء الرأي» يقول المتحدث.

وأمام سكوت الأحزاب والمجتمع المدني إزاء ما يحدث، وغياب ممثلي الأمة من المنتخبين المفروض فيهم الدفاع عن فئات الشعب ومصالحهم، اختار هؤلاء الشباب الخروج للشارع دون أي تأطير، يقول بنزاكور متسائلاً، «ماذا ننتظر من مراهقين يتميزون بالانفعال السريع وغياب التعقل وتأطير راشدين؟». وختم المتحدث كلامه بالقول، «نؤدي تبعات هذه الأخطاء، وعلى المسئولين تحمل مسؤولياتهم إزاء ما جرى، كما على هؤلاء التلاميذ أن يخضعوا لمزيد من التربية».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *