جهويات

التّرْيِيف في أكادير.. مظاهر قروية وسط مدينة سياحية

قد تصادف بائع “الهندية” أمام فندق مصنف، أو عربة يجرها حمار أو حماران في مدار حضري، والسيارات تتفادى سائق العربة وقد فقد سيطرته على الحمار الذي يجر العربة.

قد تسمع صياح الديكة قبل أن يوقظك منبه هاتفك النقال صباحا، قد تسمع ثغاء الغنم في سطح منزل مجاور، وقد تصادف قطيعا منها وأنت في طريقك إلى عملك.

أنت لست في قرية بعيدة، قد يحدث كل هذا وأنت في أحد أحياء أكادير، أو حتى في المنطقة السياحية، أو المفروض أنها سياحية.

مظاهر كثيرة توجد في الأحياء القديمة والجديدة، فهناك من يصر على تربية الدواجن في سطح منزله، ومن يتجاوز الدواجن ليربي عنزة أو شاة، يطعمها بما يفضل عن حاجته من قشور الخضر والفواكه والخبز اليابس، ويبقى صوتها يسمعه الجيران كل وقت، إلى أن يبيعها أو يذبحها في مناسبة جليلة.

التّرييف والقَرْوَنَة

بين من يسمي ذلك “ترييف المدن”، ومن يسميه “البَدْوَنة”، ومن يقترح مصطلح “القَرْوَنَة”، فالتسميات متعددة كما المظاهر، غير أنها تتفق في مجملها على وجود سلوكات وقيم ومظاهر للمجتمعات القروية داخل المدن المغربية، خاصة في الأماكن التي تصنف على أنها حضرية ومتمدنة وراقية!

“هناك من يصر على إشعال الفحم، مثلا، في البحر لطبخ الطاجين، يبدو الأمر غريبا شيئا ما، لكن الأغرب أن لي جارا يسكن في الطابق الأرضي، أخرج ذات يوم مجموعة من الأوراق وقام بإحراقها بجانب حائطه في الزقاق”. يحكي مواطن أكاديري يسكن بحي الوفاق بأكادير ل”مشاهد”، قبل أن يضيف: “لما بدأ الدخان يدخل إليّ من نافذة بيتي، ويخنق أطفالي، سألته عن فعلته وهو ما يزال يطعم النار ببعض الأوراق، وأنا أطلب منه أن يرمي تلك الأوراق في حاوية الأزبال بدل إحراقها، فقال لي إن فيها قرآنا ويجب أن يتأكد من إحراقه بنفسه”.

“ما الذي يمكن أن يقوم به في مثل هذه الحالات؟”، يتساءل المواطن ذاته، كما يتساءل كثيرون في مدينة أكادير كلما صادفوا مظهرا من مظاهر “القَرْوَنَة” أو سلوكات يمكن القيام بها في القرية، لكنها تصبح نشازا داخل مدينة لها قيمتها السياحية داخل المغرب وخارجه.

“دوار” أكادير

يرى عبد الرحيم عنبي، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع القروي والتنمية بجامعة ابن زهر، أن أسباب هذه الظاهرة تعود بالأساس إلى سياسة الدولة التي همشت الساكنة القروية عقودا طويلة، موضحا أن مخططات وبرامج التنمية لم تكن تشمل الهوامش والأطراف، بل اقتصرت على المدن.

المتحدث نفسه أكد في تصريحات صحفية، أن “هناك معتقدا بأن نشر التمدن هو المدخل للتنمية، لكن التمدن اقتصر على البنية التحتية دون أن يشمل تكوين العنصر البشري، مما أنتج تجمعات إسمنتية وليس مدنا أو أحياء حضرية”. وزاد بأن “هجرة السكان من الأرياف نحو المدن بحثا عن ظروف عيش جيدة جعلت هؤلاء السكان ينقلون معهم أنشطتهم الهامشية نحو المدن، فالذي يحمل المواطنين بالتريبورتور، مثلا، نقل فكرة البغل الذي يجر عربة وعليها مجموعة من الأشخاص، واستبدل البغل بالمحرك، وهكذا”، مضيفا أن “أكادير كانت تضم أحياء صفيحية هامشية كثيرة، ومحاربتها بتوفير منازل للسكان دون توفير عمل لهم، ودون تكوينهم أفرز ما نراه بشكل يومي في مجموعة من الأحياء والأماكن العمومية”.

وزاد عنبي بأن “المرء يدخل أحيانا حي السلامّ، مثلا، فيعتقد أنه داخل دوار وليس داخل مدينة، لدرجة أنه يمكن أن نتحدث عن دوار أكادير وليس مدينة أكادير، والسلطة تتفرج لأنها تتخوف دائما من أن يحتج الناس، وأن يحرقوا ذواتهم كما فعل البوعزيزي”.

ولم يفت أستاذ علم الاجتماع بابن زهر أن ينبه إلى أن “الأمر إذا استمر على هذا المنوال ستكون النتائج كارثية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي، دون أن ننسى أن هناك من يستفيد من هذا الوضع ويريده أن يستمر، من خلال سياسة إنتاج الهامش، فهؤلاء المهمشون يؤدون وظيفة سياسية، وهناك من يستفيد منهم ومن أصواتهم، بل هناك من يستفيد منهم ماليا، لأنه كي يُرَخَّص، مثلا، لشخص ليبيع في عربة في مكان غير مسموح به قانونا، فذلك لا يتم إلا إذا أخذ شخص ما مقابلا ماليا”.

المدينة زحفت على القرية

من جهته، يرى عبد الغني محاميدي، أستاذ مادة الجغرافيا، أنه “يمكن ربط ظاهرة الترييف في أكادير بالزحف العمراني، على حساب المجالات الفلاحية في هوامش المدينة، مما يجعلنا نتساءل: هل نحن أمام ترييف للمدينة أم تمدين لريفها؟”.

وأضاف محاميدي،  أن “ظاهرة ترييف المدن ترتبط في أصلها بالهجرة، لكنها تتفاقم بسبب ضعف الهيكل الاقتصادي للمدن المغربية في غياب مدن صناعية حقيقية على غرار المدن الصناعية في أوروبا”. وقال: “إذا كانت مظاهر الترييف في هوامش مدينة أكادير كجماعة الدراركة وجماعة أورير تبدو طبيعية بحكم أن هذه المناطق ما زالت تصنف ضمن المجالات الشبه حضرية، فإن تفاقم مظاهر الترييف في وسط المدينة وفي المنطقة السياحية يعد حالة نشازا تؤثر على النسيج العمراني للمدينة كما تشوه جماليتها”.

ويعزي المتحدث نفسه أسباب هذه الظواهر إلى الانفجار الديموغرافي الذي عرفه المغرب، وإلى الهجرة، مؤكدا أن “نسبة التمدين بالمغرب لم تتجاوز سنة 1960 حوالي 29 في المائة، بينما وصلت سنة 1994 إلى 51 في المائة، وهو أول إحصاء يسجل فيه المغرب تحولا حضريا. أما في سنة 2014، آخر إحصاء عام للسكان والسكنى، فقد بلغت هذه النسبة 60،3 في المائة، أي أن أزيد من عشرين مليون مغربي ومغربية يعيشون في الوسط الحضري”.

وأوضح أن “معظم الذين انتقلوا إلى المدن بحثا عن فرص عيش أفضل، اصطدموا بمدن عجزت عن تلبية مطلبهم، مما اضطرهم إلى ممارسة أنشطة غير مهيكلة كالتجارة بواسطة العربات المجرورة. كما أن عجز هؤلاء عن توفير سكن لائق يدفع بهم نحو السكن العشوائي على ضفاف واد سوس مثلا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *