ثقافة وفن

الإمام دجيمي .. سياسي وفنان يتحدث لغة الريشة للتعريف بالتراث الصحراوي

سلطت جريدة “الشمال” في عددها رقم 1006، الضوء على الفنان التشكيلي والمناضل بحزب الاتحاد الاشتراكي، الإمام دجيمي، الذي ازداد بمدينة أكادير يوم 06 دجنبر 1970، وهو من أسرة صحراوية عرفت الاعتقال السياسي والاختطاف القسري سنوات ما اصطلح عليه بسنوات الرصاص، وترعرع في بيت طغى فيه النقاش السياسي أكثر من أي حقل فكري آخر.

ويقول دجيمي عن نفسه ضمن ركن “بيان فني”، الذي تستضيف من خلاله الجريدة نخبة من المبدعين في المجالات الفنية، إنه وجد نفسه يعيش بين الفنان التشكيلي والفاعل السياسي المرتبط بواقع المواطن وانتظاراته، مبرزا أن مساره في الفن التشكيلي، ارتبط كغيره من الفنانين، بخربشات الطفولة ثم الدراسة بشعبة الفنون التشكيلية بثانوية الحسن الثاني بمراكش، والالتحاق بالمركز التربوي الجهوي لأتخرج منه أستاذا للتربية التشكيلية.

وأضاف: “عُرِف مساري الفني بمقاربة ونهج فني واع بهدف ودور الفن المعاصر في واقعنا الحالي.. وعلى دور الفنان داخل المجتمع، ومدى استيعابه للتحولات الفكرية والمجتمعية، إلى جانب النظرة الكونية للأشياء.. وتجاوز المعيقات الفكرية الموروثة في تراثنا الثقافي العربي والإسلامي.. والسعي إلى تطوير نظرتنا للعالم ومحيطنا الإقليمي، والمساهمة في نشر ثقافة التنوير”.

مشروعه الفني

عن هذا الموضوع يقول دجيمي إن مشروعه الفني يتجلى في “سبر أغوار التراث الصخري في الصحراء المرتبط بالنقوش الصخرية، والاطلاع على تقنياته وأساليبه.. ومساءلته إبداعيّاً وجماليّاً من خلال تنظيم معارض تشكيلية متنوِّعة تضمُّ اللوحات الصباغية والإرساءات التشكيلية Installations والفوتوغرافيات المعبِّرة عن وعي الفنان بقيمة هذه الآثار، لذلك جعلت تجربتي الفنية الأخيرة ممتدة وشكلا من أشكال التحسيس بأهمية المتروكات واللقى والنقوش الصخرية التي تتعرَّض يوما بعد يوم في الصحراء للتفتت والانقراض والضياع والاندثار بسبب عوامل الطبيعة من جهة، وبسبب عمليات النهب والسلب التي تمارسها جهات برَّانية دخيلة في غياب حماية حقيقية مؤسَّسة وتصدٍّ واسع لكل اعتداء يمس الذاكرة الثقافية والتاريخية الصحراوية.. ولا يرقى إلى طموحنا في الحماية والتحسيس”.

ولا شك أني أحاول من خلال هذه المعارض، يقول ديجمي، “المساهمة في كتابة وإعادة كتابة جزء من تاريخ الأثر.. وأثر التاريخ في الصحراء رغم ما يرافق ذلك من إكراهات، لكن بأفق جمالي مفتوح وحالم يشعرني بانتمائي وبمسؤوليتي كفنان وكإنسان”.

اهتماماته الأركيولوجية

إن ما يتعرض له الموروث الإنساني العالمي المرتبط بالنقوش الصخرية من تخريب وسرقة وتدمير، دفع الإمام دجيمي إلى “الالتزام بالدفاع عنه والاهتمام بأركيوليوجيا ما قبل التاريخ بالصحراء.. والعودة إلى مدرجات الجامعة ونيل الإجازة في التاريخ حول موضوع “فنون ما قبل التاريخ.. قراءة في تاريخ الفن.. النقوش الصخرية بالساقية الحمراء نموذجا”.. والإعداد لماستر حول موضوع تقنيات وأساليب النقوش الصخرية قبل وقبيل التاريخ بإقليم الساقية الحمراء”.

ويعتبر المتحدث ذاته، أن التراث المادي الصحراوي يحبل بالعديد من الآثار والشواهد المادية الضاربة في العراقة والقِدم، من ذلك النقوش الصخرية التي تعد ذاكرة مشتركة وحافظة جمعية تختزل في عمقها نقوشات صخرية قائمة على التعدُّد والتنويع. وبالنظر إلى طبيعتها (التاريخية والفنية)، يتضح على أنها تؤرِّخ لفترات مهمة من حياة المجموعات البشرية بالصحراء، إذ أن الرسومات المكتشفة -التي تختزنها الصخور والأشكال والرموز والتصاوير المفردة (الموتيفات) التي تغطيه- تعكس، في نواح تعبيرية كثيرة، أنماط العيش في الصحراء في مراحل وظروف بيئية متعددة.. إلى جانب عديد من الآثار والبقايا التي تكشف عن الدلائل والرموز والرسومات التي تشير إلى تنظيمات بشرية وتشكلات حيوانية قديمة وعناصر ملموسة مازالت تحفظ أثر حياة سحيقة كانت هناك.

الفن التشكيلي بالمغرب

يشدد دجيمي ضمن مساهمته في ركن “بيان فني”، على أنه لا يمكن إنكار فضل ونضالات مجموعة من الفنانين التشكيليين الأموات منهم والأحياء.. الذين سهروا وساهموا في إبراز الفعل التشكيلي بالمغرب، إن على المستوى الإبداعي أو البيداغوجي أو الحقوقي أو التسويقي، كل حسب اجتهاده، سواء كان بشكل فردي أو جماعي داخل جمعيات وطنية أو نقابات.، مبرزا أنه “سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم، فما تحقق على أرض الواقع مقارنة مع الدول المجاورة لا يمكن نكرانه وإن كان لا يرقى إلى مستوى طموحاتنا.”.

ويرى الإمام أن الساحة الفنية المغربية في تطور وابتكار متجدد، وجرأة في تناول الموضوعات، وخلخلة لطابوهات الثالوث المقدس “الدين والجنس والسياسة” وملامستها للقضايا الفكرية والفلسفية المعاصرة، وكذا تميزها على المستوى الإبداعي، بالمقارنة مع فناني الدول العربية والأفريقية، وأما بخصوص مستقبل الفن البصري المغربي المعاصر، مبرزا أنه متفائل لما ينتجه بشكل مسؤول وواع المبدعون الشباب اليوم، ومواكبتهم للتطور التشكيلي البصري على المستوى الدولي.

ويلح ضيفنا أن “الفنان الحقيقي عليه أن ينخرط في قضاياه المحلية والدولية سواء كانت إنسانية أو فكرية أو فلسفية أو جمالية، وأن يطور تجاربه دون السقوط العكسي في برجه العاجي، وأن يواكب التجارب العالمية من حيث المناولة والإنجاز والمقاربة والتقنية”، مؤكدا أن “العالم أصبح قرية صغيرة، ووسائل الاتصال والتواصل قربت المسافات والرؤى والمناهج، وما علينا سوى الانخراط بكل وعي ومسؤولية، لنضمن لنا موقع قدم في هذا الخضم أو لا نكون”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *