وطنيات

الجنس الرضائي بين الوازع الديني والمواثيق الدولية لحقوق الانسان

أدى التطور الحاصل في المنظومة الاجتماعية والفكرية إلى تباين وجهات النظر بين مؤيد للحريات الفردية، باعتبار الشخص حر في جسده وله الحق في التصرف فيه كما شاء بعيدا عن الوازع الديني وبين معارض يجرم هذا النوع من العلاقات الخارجة عن نطاق الدين والقانون.

و قد فتح اعتقال “الشابة التطوانية” من جديد موضوع العلاقات الجنسية الرضائية والنقاش الدائر حول شرعية الفصل 490 من القانون الجنائي الذي يعتبر العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج جريمة فساد، وبالتالي يعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة. وهو ما جعل حناجر الفعاليات الحقوقية تصدح وتنادي بضرورة إلغاء هذا الفصل، خاصة بعد اعتقال الضحية بسبب شريط فيديو إباحي قديم، تم ايداعه على مواقع التواصل الاجتماعي في حين مرتكب الفعل لم يعتقل بسبب إقامته خارج المغرب.

قضية هذه الشابة تندرج ضمن “النازلة الالكترونية”،التي وضعت مختلف المتدخلين في المجال الديني و القانوني والاجتماعي والحقوقي وسط تجاذبات عميقة، يتداخل فيها الجانب الديني مع الاخلاقي مع التطورات الاجتماعية التي أصبحت تفرض ذاتها بقوة داخل النسق القيمي في ظل اختلاف زاوية الرؤية والموقف حول ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج بين الراشدين.

في هذا السياق، يرى يحيا الطالبي أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة ابن زهر، أن “الاسلام حدد أسس العلاقة الزوجية مستحضرا فيها مصالح المكلفين بما ينسجم مع الفطرة السليمة للانسان”؛ واعتبر العلاقة الرضائية بين الطرفين داخل مؤسسة الزواج مبنية على المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف، وحذر من عواقب الاخلال بهذا المنهج الشرعي في بناء هذه العلاقة، وذلك بإقرار حد الزنا موضحا أن المتأمل للتشريع الاسري والجنائي من المنظور الشرعي سيدرك آثاره الايجابية في تحصين المجتمع وصيانته من الرذيلة والفاحشة.

وفي قراءة سوسيولوجية،قال رشيد اوترحوت،أستاذ باحث في علم الاجتماع في تصريحه ل”مشاهد”:”يجب إعادة النظر في المبادئ الكبرى للدولة بالمغرب وباراديغمات تدبيرها السياسي العام للمجتمع تأسيسا على الوثيقة الدستورية لسنة2011 “مؤكدا أن : ” كل وثيقة دستورية ملزمة،بالضرورة التشريعية والإلزام الثقافي، بإقرار التعدد بوصفه الشكل المطلق للوجود السياسي والثقافي،بل يقتضي الأمر أساسا الإقرار الدستوري بأن التعدد هو الإطار المؤسس للعيش المشترك و الناظم المرجعي لكل تعبيرات الأفراد والجماعات.”وفق تعبيره.

وأورد اوترحوت أيضا في ذات التصريح :”نعتقد ان الاقتراب العميق من النقاش العام حول هذا الفصل 490 الذي يجرم الحق المشروع في اختيارات جنسية رضائية وفردية وراشدة و مسؤولة لا يمكن اختزاله في مجرد الاصطفاف ( مع) او (ضد ) ، ولكنه مشكل شديد التعقيد،يسائل أسس الشرعية الثيوقراطية للدولة، ونزوعها نحو الاستثمار السياسي للمقدس الديني ،مضيفا: ” وهو ما يجعل كل نقد ( جزئي ) لهذا الفصل يصطدم بعمق التدبير السياسي العميق للدولة القائم على الشرعية الدينية المتعالية عن الشرعية الدستورية.”

وعن مسألة حق الشخص في التصرف بجسده، أكدت الناشطة الحقوقية فدوى رجواني في تصريح ل”مشاهد”، أن” النزوع إلى الجنس الآخر  هو قوة غريزية لا مناص منها ويعمل الانسان على اشباعها بطرق سوية عبر الارتباط وكل شخص راشد في مجتمعنا له علاقة عاطفية في مستوى ما بالطرف الآخر.” واستطردت قائلة :”مهما كان تدخل الدولة لاغتيال قيمة الحب والفصل بين العشاق فإنها لن تستطيع ذلك، وهي تعلم أنها لا تستطيع، بل من يصوغون هذه القوانين ويدافعون عليها ويعملون على تطبيقها يعلمون أنهم غير قادرين على ذلك لانهم هم أنفسهم لا يقدرون على الالتزام بها.” على حد تعبيرها.

في السياق ذاته، ذكر عباس مصباح محام بهيئة أكادير،أن ” المشكلة تكمن في المشرع الذي مايزال يعتمد هذا الفصل من القانون الجنائي رغم أنه أصبح خارج السياق الحقوقي لما بعد دستور 2011 “، وأوضح أن “نصف الشباب اليوم بدون زواج بسبب ظروفهم المادية القاهرة” ومضى متسائلا: “كيف يمكن لهؤلاء كبت شهواتهم الجنسية التي هي جزء أساسي في حياة كل إنسان؟”على حد قوله، معتبرا بذلك مسألة تجريم العلاقات الرضائية لدى الراشدين انتهاك صارخ لحقوقهم الطبيعية، مضيفا خلال تصريحه ل”مشاهد”، “الأولى تجريم الإثراء غير المشروع وتشديد عقوبة الاعتداء الجنسي على القاصرين ومنع تزويج القاصرات.”

في منحى آخر، شدد اسماعيل شوكري، نائب برلماني عن حزب العدالة والتنمية، على أهمية منظومة القيم الدينية والاخلاقية داخل المجتمع مستدلا بقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَاب أَلِيم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.

واعتبر مسألة الحريات الفردية معمولة في جميع التشريعات الدينية والفلسفات الغربية لكن تبقى مقيدة بما يخدم المجتمع ويطوره لا بما يفسده ويسيء إليه حسب تعبيره، وأكد شوكري على أن الفاحشة موجودة في جميع المجتمعات قديما وحديثا لكنها تبقى ممنوعة ومقيدة ومرهونة بالستر لا بالكشف والعلن، ووجه سؤالا استنكاريا لدعاة إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي بقوله:”الذين ينادون بإلغاء هذا الفصل يجب أن يقدموا بديله.. كيف يمكن أن نسمح بنشر الفاحشة علنا” مضيفا ” لا يجب تلويث المجتمع لأنه يبقى ويظل فضاءا عاما وليس خاصا “، مشيرا إلى أن “الفساد له مقدمات ودور الشرطة تطبيق القانون والحفاظ على الأخلاق العامة داخل المجتمع”.

من جهته، أشار الحسين بكار السباعي محام وباحث في الاعلام وحقوق الانسان بأكادير، بخصوص قضية “الشابة التطوانية” التي أحدثت قضيتها ضجة وطنية أن “الفيديوهات تعود لسنة 2015 وهوما يفتح باب التقادم على مصراعيه، مضيفا أن الفتاة راحت ضحية إبتزاز و تشهير لكن ذلك لا يبرئ ذمتها من مخالفة المادة 490 من القانون الجنائي”.

يذكر أن دستور 2011 قد خصص بابا “للحريات والحقوق الأساسية”،كما جعل المواثيق الدولية تسمو على القوانين الداخلية؛ وهو ما حدى بالفعاليات الحقوقية للمطالبة في كل مرة بضرورة إلغاء الفصل 490 الذي يتعارض مع الرؤية الكونية لحقوق الانسان في ظل التغيرات الفكرية والاجتماعية.

فهل ستتجه الحكومة المقبلة،خاصة وأن المغرب مقبل على الانتخابات التشريعية والمحلية، إلى إخراج مشروع مراجعة القانون الجنائي المغربي من البرلمان الذي ظل حبيس رفوفه لسنوات من أجل تعديله وإلغاء القوانين المجرمة للحريات الفردية؟ أم ستظل متشبتة بالحدود الدينية والقواعد القانونية التي تؤطر المجتمع وتنظمه وتطبق القانون  على كل من سولت له نفسه الاخلال بالاداب والأخلاق العامة.؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *