متابعات

بروكسيل..احتفاء كبير ببسالة الجنود المغاربة في معركة جومبلو (ماي 1940)

سلط مسؤولون وخبراء بلجيكيون ومغاربة، اليوم الإثنين ببروكسيل، الضوء على مساهمة المحاربين المغاربة في الدفاع عن أوروبا وقيم الحرية خلال الحرب العالمية الثانية، والشجاعة التي أبانوا عنها والتضحيات التي جادوا بها على ساحات المعارك البلجيكية.

وأبرز هذا اليوم الدراسي الذي نظم حول موضوع “الذاكرة المشتركة بلجيكا-المغرب”، بسالة الجنود المغاربة خلال معركة جومبلو (ماي 1940)، والواقعة على بعد حوالي أربعين كيلومترا جنوب-شرق بروكسيل، والتي تمكنت خلالها الكتيبة المغربية الأولى ضمن الجيش الفرنسي من كبح جماح الألمان مقابل خسائر فادحة.

وركز المشاركون في هذا اللقاء، المنظم من قبل معهد التراث الحربي “وور هيريتاج إنستيتيوت” بالتعاون مع سفارة المغرب، وذلك في رحاب المتحف الملكي للجيش والتاريخ العسكري، على هذا الفصل الذي لا يزال غير معروف في تاريخ الحرب العالمية الثانية، وضمن هذه الصفحة من الذاكرة المشتركة بين المغرب وبلجيكا.

وفي معرض مداخلة له خلال افتتاح هذا اليوم الدراسي، أوضح المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مصطفى الكثيري، أن معركة جومبلو تمثل صفحة مشرقة في الذاكرة التاريخية المشتركة، والتي تستحضر ذكرى مشاركة الجنود المغاربة، إلى جانب زملائهم الفرنسيين والبلجيكيين في السلاح، دفاعا عن قيم السلام ومن أجل تحرير أوروبا من نير النازيين.

وأشار إلى أن هذا اللقاء هو مناسبة لاستحضار الأعمال البطولية للجنود المغاربة خلال الحرب العالمية الثانية، والذين أظهروا شجاعة ونكرانا للذات وصل إلى حد التضحية بأرواحهم من أجل الدفاع عن القيم الكونية للحرية والتضامن والكرامة الإنسانية.

وسجل الكثيري أن “الاحتفاء بملاحم الجنود المغاربة اليوم هو تكريم لذكراهم، واعتراف باسهام المملكة المغربية التي كانت على الدوام بلد تضامن وتعايش ومدافعة عن قيم السلم والأمن العالميين”، لافتا في هذا الصدد إلى النداء الذي وجهه محمد الخامس إلى الشعب المغربي، يوم 04 شتنبر 1939، من أجل إظهار المغاربة لتضامنهم مع فرنسا في حربها ضد الاحتلال النازي لأوروبا.

وذكر بأن معركة جومبلو الكبرى تحظى بالاعتراف ضمن السجلات العسكرية على أنها “أول معركة دبابات في تاريخ الحرب العالمية”، والتي تميزت خلالها الكتيبة المغربية الأولى بإقدامها وشجاعتها وأيضا بحجم الخسائر المسجلة، موضحا أنه من بين آلاف الجنود المشاركين في القتال، عاد نحو خمسين منهم فقط سالمين إلى المغرب.

كما استحضر الكثيري معارك أخرى إبان الحرب العالمية الثانية، والتي تميز خلالها الجنود المغاربة، مضيفا أن تضحيات هؤلاء المحاربين “تدعونا إلى التأمل والتفكير العميق في ضرورة الحفاظ على تاريخنا وذاكرتنا المشتركة والجماعية وتثمينها”.

واعتبر أن الأمر يتعلق بإشاعة القيم المقدسة لهذه الذكرى، ودروسها النموذجية ومعانيها العميقة بين الأجيال الصاعدة والمستقبلية، قصد “الاستلهام منها لتعزيز التقارب بين شعوبنا، وتدعيم أسس الحوار البناء بين ثقافاتنا وحضاراتنا، وبغية تقوية أواصر الصداقة والتعاون والتضامن”.

من جهته، أكد سفير المغرب ببلجيكا والدوقية الكبرى للوكسمبورغ، محمد عامر، أن هذا اللقاء يروم إحياء ذكرى أولئك الذين ضحوا بأرواحهم من أجل حرية بلجيكا وأوروبا والعالم، وكذا الاستلهام من القيم التي حركتهم.

وأبرز أن “هذا مهم أيضا في ضوء السياق الذي نعيشه، والذي يتميز بالمعضلة الهوياتية والجهل بالماضي”، معتبرا أن معركة جومبلو هي جزء من تاريخ مشترك يستحق أن ي عرف ويوضع في دائرة الضوء.

وبحسب عامر، فإن هذا اللقاء يندرج في إطار دينامية تم إطلاقها منذ أزيد من 20 عاما، والتي تتمثل في إحياء ذكرى هذا الحدث التاريخي، لاسيما من خلال مخاطبة الشباب، مرحبا بمجموع المبادرات المتخذة في هذا الإطار، خصوصا القرار المعتمد من طرف برلمان فيدرالية والونيا-بروكسيل، بهدف دمج هذا التاريخ المشترك ضمن البرنامج التعليمي.

وقال: “إنها طريقة رائعة من أجل تكريس استدامة هذا التاريخ وفتح هذا الفصل من تاريخنا المشترك في وجه الأجيال الجديدة”، داعيا إلى تنظيم المزيد من الندوات والأيام الدراسية الرامية لتسليط الضوء على تضحيات الجنود المغاربة في ساحة الشرف ببلجيكا.

من جانبه، أبرز أندري فلاهو، وزير الدولة والنائب الفيدرالي ووزير الدفاع البلجيكي الأسبق، أهمية صون هذه الذاكرة المشتركة على أساس الاحترام وإلقاء الضوء على مساهمة جميع المشاركين في هذه الملاحم، بما في ذلك المحاربون المغاربة الذين تجندوا من أجل الدفاع عن أوروبا داخل الجيش الفرنسي.

وأشار في هذا الصدد إلى أنه تم اتخاذ مبادرات ملموسة من أجل إحياء هذه الذاكرة المشتركة، وإبراز مشاركة الجنود المغاربة، وكذا المحاربين المنتمين لجنسيات إفريقية أخرى، دفاعا عن بلجيكا ودول أوروبية أخرى ضد النازية.

وتضمن برنامج هذا اليوم الدراسي عددا من العروض التي قدمها خبراء بلجيكيون ومغاربة، والتي ألقت الضوء على معركة جومبلو والمشاركة البطولية للجنود المغاربة في المعارك. إذ أجمع المتدخلون، خلال اليوم الدراسي، أن التضحيات الجسام التي قدمها الجنود المغاربة في أرض المعركة ببلجيكا وعدد من البلدان الأوروبية، تقتضي التعريف بها على نطاق واسع لدى الأجيال الشابة، لاسيما من خلال إدماجها الفعلي ضمن المناهج التعليمية.

وأوضحوا أن معركة جومبلو-شاستر (10 ماي 1940) هي إحدى المحطات البارزة في الكفاح المشترك ضد القوات النازية، التي أظهر فيها الجنود المغاربة أروع صور البطولة والشجاعة، ومن ثم فهي ملحمة يتعين إدراجها ضمن المناهج التعليمية حتى يتسنى التعرف عليها من قبل الأجيال الصاعدة.

وفي هذا السياق، قالت النائبة البرلمانية بجهة بروكسيل-العاصمة، لطيفة آيت بعلا، في مداخلة لها، إن الوفاء بواجب الذاكرة تجاه المحاربين المغاربة الذين سقطوا في ساحة المعركة بأوروبا إبان الحرب العالمية الثانية، هو أمر ضروري سيتيح تسليط الضوء على الماضي المشترك وتعزيز الوحدة وتقريب المسافات بين الشعوب التي تقاسمت الكفاح للتحرر من النازية.

وأوضحت آيت بعلا في مداخلة عنوانها “معركة جومبلو.. واجب الذاكرة”، أن الوفاء بالدين اتجاه المغاربة الذين حاربوا إلى جانب الحلفاء، يتأتى من خلال التعريف على نطاق واسع بما قدموه من تضحيات وما أبانوا عنه من استماتة لا ت ضاهى في مختلف جبهات القتال، سواء بفرنسا، بلجيكا، هولندا أو إيطاليا.

وأشارت في هذا السياق إلى أن إدماج بطولات المحاربين المغاربة ضمن المناهج التعليمية يكتسي أهمية قصوى، ويتيح تعريف الأطفال المنحدرين من الهجرة المغربية خصوصا على التاريخ المجيد والملاحم التي سطرها أجدادهم على الأراضي الأوروبية.

من جهته، قال المنسق العام لاتحاد الجمعيات المغربية في بلجيكا، محمد زينون، في مداخلة مماثلة، إن الاعتراف بمغربية الجنود الذين سقطوا في معركة جومبلو-شاستر ببلجيكا، هو معركة طويلة خاضها العديد من المناضلين والفاعلين الجمعويين المغاربة منذ ثمانينات القرن الماضي، في الوقت الذي كان فيه هؤلاء المحاربون المغاربة يعتبرون جنودا تابعين للجيش الفرنسي.

وأكد زينون أن الأجيال الصاعدة من مغاربة بلجيكا يحق لهم أن يفخروا بالتاريخ الذي رسم معالمه أجدادهم ببلجيكا، وبانتمائهم لوطنهم الأم المغرب، الذي كان يقف على الدوام إلى جانب القضايا العادلة لمختلف الشعوب عبر العالم.

من جانبه، أوضح الكاتب العام للتعليم الإسلامي الرسمي ببلجيكا ومدير مؤسسة النور ببروكسيل، محمد العلاف، أن معركة جومبلو-شاستر تعد من أبرز الأحداث التي عرفتها الحرب العالمية الثانية، والتي ساهم فيها الجنود المغاربة بعزم وكثافة تلبية لنداء محمد الخامس في 3 شتنبر 1939، والذي أكد فيه على واجب الوقوف إلى جانب الحلفاء ضد الفاشية والنازية والدفاع عن الحرية وحق الشعوب في الوجود .

وأشار العلاف إلى أن هذه المعركة هي مناسبة لاستحضار القيم المشتركة بين الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، ومن بينهم المملكة المغربية، التي كانت حاضرة على الدوام في المحطات التاريخية الكبرى، عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن القيم الكونية المثلى، مستحضرا في هذا الصدد الحماية التي خص بها الملك محمد الخامس رعاياه من اليهود ووقوفه الشجاع في وجه حكومة فيشي الموالية للنازيين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *