خارج الحدود

من هو مؤسس “فاغنر”وطباخ بوتين المتمرد؟

بعد ما يقرب من عقد من الزمن قضاه في السجن استطاع مؤسس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، أن يصعد بشكل غير عادي، ويصل إلى مكانة مرموقة يحسب لها ألف حساب في المجال العسكري الروسي.

من هو يفغيني بريغوجين، وكيف حصل على هذه القوة العسكرية؟
في ذروة الغزو الروسي الأول لشرق أوكرانيا، في صيف 2014، اجتمعت مجموعة من كبار المسؤولين الروس في مقر وزارة الدفاع، وهو مبنى مهيب من عهد ستالين، على ضفاف نهر موسكفا في العاصمة موسكو، من أجل مقابلة يفغيني بريغوجين.

بريغوجين هو رجل في منتصف العمر، له رأس أصلع، ونبرة صوت خشنة، كان الكثير من المسؤولين المجتمعين في تلك الغرفة يعرفونه جيداً، ليس لأنه شخص ذو مكانة مرموقة، وإنما لأنه كان متعهد عقود تموين الجيش من طعام وشراب.

وفي ذلك الاجتماع لم يكن بريغوجين هناك لمناقشة أمور المطبخ، وإنما لطلب مختلف تماماً، وهو الحصول على قطعة أرض من وزارة الدفاع يمكن أن يستخدمها لتدريب “المتطوعين” الذين لا تربطهم أي صلة رسمية بالجيش الروسي، وذلك لاستخدامهم لخوض الحروب بدلاً عن الجيش الروسي، أي بمعنى آخر لتأسيس ميليشيا غير رسمية تابعة للجيش الروسي.

ولد يفغيني بريغوجين في عام 1961 في مدينة سانت بطرسبرغ، التي كانت تعرف آنذاك باسم “لينينغراد”، أي أنه أصغر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنحو 9 أعوام فقط.

ووفقاً لما ذكره موقع Riamo الروسي، فقد توفي والد بريغوجين وهو صغير، بينما والدته كانت طبيبة تعمل في أحد المستشفيات.

في حين أنّ ابن عم بريغوجين هو المهندس السوفييتي الشهير، ورائد تطوير اليورانيوم “إيفيم إيليتش بريغوجين”، الذي عاش وعمل لفترة طويلة في قرية “جوفتي فودي” وسط أوكرانيا، والذي توفي في عام 1999.

وبينما كان في عمر مبكر قام زوج والدته مدرب التزلج، صموئيل فريدمانوفيتش زاركوي، بتربيته، والذي بفضله ذهب يوجين للتزلج، ودرس حتى في مدرسة داخلية للتزلج، لكن بريغوجين لم يصبح رياضياً محترفاً، وإنما قرر سلوك “الطرق الملتوية” بعد التخرج مباشرة.

في سن الـ18، أدين بريغوجين بأول عملية سرقة له، ففي إحدى أمسيات عام 1980، غادر بريغوجين وثلاثة من أصدقائه مقهى في سان بطرسبرغ بالقرب ليروا امرأة تمشي بمفردها على طول الشارع المظلم. فقام أحد رفاق بريغوجين بإلهاء المرأة عن طريق طلب سيجارة، وعندما قامت بفتح محفظتها جاء بريغوجين من خلفها وأمسك رقبتها، وضغط عليها حتى فقدت الوعي. وبعد ذلك خلع صديقه حذاءها، بينما قام بريغوجين بإزالة أقراط الذهب ببراعة ووضعها في جيوبه، قبل أن يهربوا تاركين المرأة مستلقية في الشارع.

ولم تمضِ أيام حتى تم إلقاء القبض على بريغوجين، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة عامين، ومع ذلك فإن المحكمة السوفييتية بدلاً من أن تترك بريغوجين في السجن قررت الحكم عليه مع “وقف التنفيذ”.

وذلك من أجل الاستفادة منه من خلال إرساله للعمل في مصنع كيماويات في نوفغورود، وهي فرصة له لإثبات جديته بالعمل للحصول على وظيفة هناك بعد انتهاء فترة محكوميته، لكنه لم يقضِ سوى بضعة أسابيع ليفر هارباً باتجاه سانت بطرسبرغ مجدداً، وفقاً لما ذكرته وكالة Rosbalt الروسية.

وعندما عاد بريغوجين إلى مدينته تورط مجدداً بعمليات السرقة رفقة بعض أصدقاء السوء، ليقبض عليه مجدداً في عام 1981، ويُدان بالسجن لمدة 13 عاماً وفقاً لمجلة فوربس الأمريكية.

ورغم أن حكمه كان لمدة 13 عاماً فإنه لم يقضِ في السجن سوى 9 أعوام، ليتم العفو عنه، وإطلاق سراحه في عام 1990، عندما كان الاتحاد السوفييتي على شفى الموت والتفكك.

من سارق إلى بائع نقانق
بعد خروجه من السجن عاد بريغوجين إلى سانت بطرسبرغ، وقرر أن يكسب المال من “عرق جبينه”، فبدأ في بيع النقانق من خلال طهي النقانق وصنع الخردل في مطبخ شقة عائلته.

وقال في إحدى المقابلات لمجلة سانت بطرسبرغ الإلكترونية “Gorod 812”: “في عام 1990 في حي أبراشكا كنت أول من بدأ بيع الهوت دوغ في سانت بطرسبرغ”.

وأضاف في المقابلة الوحيدة له على الإطلاق في عام 2011: “كان الخردل يعجن في شقتي- في المطبخ كانت والدتي تحسب العائدات لي- كنت أكسب 1000 دولار شهرياً، وهذا المبلغ كان عبارة عن كمية كبيرة من أوراق الروبل”.

كما أكد بريغوجين أنه بعد حصوله على مال وفير قرر الالتحاق بمعهد لينينغراد للكيماويات، ليصبح صيدلانياً، ولكن باعترافه الشخصي لم يستطع إنهاء دراسته.

ووفقاً لصحيفة The Guardian البريطانية، كان بريغوجين من الأشخاص الطموحين، وكان يضع نصب عينيه أعلى من أن يكون بائع نقانق فقط، لذلك كان دائماً ما يعرف كيفية التواصل مع الأشخاص الأعلى منه، وكان يبحث دائماً عن أشخاص في أعلى المستويات ليصادقهم.

من مطعم للتعري إلى طباخ بوتين الأول
لم يمضِ وقت طويل حتى امتلك بريغوجين حصةً في سلسلة من المتاجر الكبرى، وفي عام 1995 قرر أن الوقت قد حان لفتح مطعم مع شركائه في العمل.

استعان بريغوجين بمدير فندق بريطاني يدعى “توني جير”، ووظفه ليكون مديراً لأحد محاله المتخصصة في بيع النبيذ، ومن ثم وضعه مديراً لمطعمه الجديد في جزيرة فاسيليفسكي في سانت بطرسبرغ.

في البداية لجأ بريغوجين وتوني جير إلى حيلة من أجل حشد العملاء في مطعمهم الجديد، وهو جلب “فتيات تعرٍّ” لجذب الناس، ولكن سرعان ما انتشر خبر أن الطعام كان ممتازاً ليتم فصل المتعريات.

ركز جير على تسويق المطعم باعتباره المكان الأكثر رقياً لتناول الطعام في المدينة، وأصبح مكاناً رئيسياً يأتي إليه رجال الأعمال والفنانون لتناول الطعام فيه، ومن بين هؤلاء كان عمدة سانت بطرسبرغ “أناتولي سوبتشاك”، الذي كان يأتي أحياناً مع نائبه فلاديمير بوتين.

ووفقاً للبريطاني جير الذي لا يزال يعيش في سانت بطرسبرغ، فقد أكد في لقاء سابق مع صحيفة Argumenty i Fakty الروسية أنّ بريغوجين كان شخصاً صارماً للغاية، حتى إنه كان يستخدم “جهازاً ضوئياً” خاصاً للكشف عن الغبار الموجود على الطاولات، وكان يستخدمه بشكل يومي كل صباح للتأكد من أن عمال النظافة قد أدوا عملهم بشكل صحيح.

بقي بريغوجين يعرف على أنه صاحب أفضل مطعم في روسيا لسنوات عديدة، حتى عام 2002، وبحلول ذلك الوقت كان بوتين قد أصبح رئيساً لروسيا.

خلال السنوات الأولى من حكمه كان بوتين يحب في كثير من الأحيان مقابلة الشخصيات الأجنبية المرموقة في مسقط رأسه “سانت بطرسبرغ”، وكان يصطحبهم أحياناً إلى أحد مطاعم بريغوجين، الذي كان يقدم الطعام بنفسه لبوتين وضيوفه.

وقال بريغوجين: “رأى بوتين أنني كنت متواضعاً لدرجة أنني كنت أحضر الأطباق بنفسي، كانت بداية علاقتي مع الرئيس الروسي التي من شأنها أن تنمو وتنتشر بطرق غير متوقعة”.

وسرعان ما بدأ بريغوجين في الفوز بعقود تعهدات تلبية الأحداث الحكومية الكبرى من خلال شركة كونكورد، وهي شركة قابضة أنشأها في التسعينيات.

وفي عام 2012، فاز بأكثر من 10.5 مليار روبل (200 مليون جنيه إسترليني) من العقود لتوفير الطعام لمدارس موسكو، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الروسية، نقلاً عن سجلات من السجل المالي الروسي.

من طباخ بوتين الأول إلى قائده العسكري غير النظامي
وبالعودة إلى اجتماع مقر وزارة الدفاع في موسكو، والذي حضره بريغوجين، إضافة إلى كبار المسؤولين الروس في عام 2014، استغل بائع النقانق الحرب الروسية في أوكرانيا ذلك العام.

فقد وجد بريغوجين من تلك الحرب فرصةً جيدة لإنشاء مجموعته العسكرية الخاصة، خاصة أن بوتين نفى حينها أن تكون القوات الروسية النظامية متورطة في أي شيء في أوكرانيا.

وقال مسؤول سابق بوزارة الدفاع الروسية لصحيفة The Guardian البريطانية إنّ بريغوجين عرض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأسيس مجموعة مرتزقة تقاتل إلى جانب الانفصاليين الأوكران في حربهم للانضمام إلى روسيا، وإنّ “فاغنر” كانت مشروع بريغوجين نفسه، وليست تابعة للمخابرات العسكرية الروسية.

وطلب بريغوجين من وزارة الدفاع إعطاءه قطعة أرض لجعلها ثكنة عسكرية لتدريب المتطوعين لمجموعته.

ورغم أنّ الكثير من المسؤولين في الاجتماع لم يُعجبوا بطلب بريغوجين، فإنه قال لهم إنه طلب عادي، وإن الأوامر جاءت من “أبي”، في إشارة إلى فلاديمير بوتين، وللتأكيد على مدى قربه منه.

منحته وزارة الدفاع الروسية أرضاً في مولكينو، بجنوب روسيا، حيث أقام فيها قاعدة انطلاق مقاتليه، بالإضافة إلى وجود روابط مزعومة أيضاً بموقع في مولكينو جنوب روسيا أيضاً، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز.

ورغم أنّ مجموعة فاغنر بدأت ببضع مئات من المتطوعين في عام 2014، فإن أعدادهم وصلت إلى الآلاف في السنوات القليلة التالية، وباتت فاغنر طرفاً أساسياً يقاتل باسم الجيش الروسي في كل من سوريا وأوكرانيا، إضافة إلى نحو اثني عشر بلداً إفريقيّاً، من بينها ليبيا والسودان ومالي وإفريقيا الوسطى وزيمبابوي وغيرها.

المواجهة المحتومة بين الرئيس وطباخه
استفاقت روسيا اليوم السبت، 24 يونيو 2023، على أكبر تصعيد بين قوات “فاغنر” والجيش الروسي، وتفجّر هذا الصراع المؤرق للكرملين بعدما اتّهم بريغوجين الجيش الروسي بقتل عدد كبير من عناصره، في قصفٍ استهدف مواقع خلفية لهم في أوكرانيا، وهو اتّهام نفته موسكو، مُطالبةً مقاتلي “فاغنر” باعتقاله بتهمة “الدعوة إلى تمرّد مسلّح”.

وكان بريغوجين قد أعلن، صباح السبت، وصول قواته إلى مدينة “روستوف” الروسية، ومحاصرة مقر المنطقة العسكرية الجنوبية، وأظهرت مشاهد تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاتلي فاغنر منتشرين حول مبنى المقر التابع لوزارة الدفاع الروسية مع عربات مدرعة ودبابات.

كما أعلن أنه ورجاله “سيدمرون كل من يعترض طريقهم ومستعدون للمواصلة حتى النهاية”، طالباً لقاء فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة الأركان العامة، وسيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، مهدداً أنه في حال لم يأتيا إليه فإنه سوف يتجه نحو موسكو.

وفي خطاب استثنائي نقله التلفزيون الرسمي، ردّ الرئيس بوتين قائلاً إن “التمرد المسلح” لمجموعة فاغنر العسكرية الخاصة خيانة، وإن أي شخص يحمل السلاح ضد الجيش الروسي سيعاقب.

وأضاف أنه سيفعل كل شيء لحماية روسيا، وأنه سيتم اتخاذ “إجراء حاسم” لتحقيق الاستقرار في روستوف، التي سيطرت مجموعة فاغنر على جميع المنشآت العسكرية فيها.

في حين ردّ بريغوجين على خطاب الرئيس الروسي قائلاً إن “الرئيس مخطئ، ولن يسلم أحد نفسه بناء على طلب الرئيس أو جهاز الأمن الفيدرالي أو غيرهما”.

وأضاف بريغوجين: “نحن وطنيون، وأولئك الذين يعارضوننا اليوم هم الذين تجمعوا حول الحثالة”، كما اتهم الجيش الروسي بالسرقة قائلاً: “عندما قيل إننا في حالة حرب ضد أوكرانيا ذهبنا وقاتلنا، لكن اتّضح أن الذخائر تُسرق”.

عن عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *