خارج الحدود

النيجر تضيء فرنسا..وشعبها يعيش في الظلام

نقلت وكالة رويترز للأنباء، عن مصادر أمنية في دولة النيجر، أنَّ الحرس الرئاسي يحاصر الرئيس محمد بازوم، داخل القصر الرئاسي، وأنّ عربات عسكرية تغلق مدخل القصر الرئاسي، مانعة الوصول إلى مقرات الوزارات الواقعة بجوار القصر، الأربعاء، 26 يوليوز 2023.

فيما قالت رئاسة النيجر في بيان إن بعض عناصر الحرس الرئاسي بدأوا حركة “مناهضة للجمهورية”، و”فاشلة”، وإن الجيش الوطني مستعد لمهاجمتهم إذا لم يعودوا لرشدهم.

ما الذي نعرفه عن دولة النيجر؟ وهل فعلاً سكانها الفقراء يعيشون فوق كنوز من اليورانيوم؟ وما علاقة العثمانيين والفرنسيين بتاريخها؟

تعتبر النيجر واحدة من أهم الدول في غرب إفريقيا، إذ تحتل موقعاً استراتيجياً، باعتبارها بوابة كبرى للصحراء التي تشمل 80% من مساحتها، البالغة 1.26 مليون كم.

النيجر هي دولة حبيسة لا تطل على أي سواحل، يبلغ عدد سكانها نحو 27 مليون نسمة وفقاً للوحة المعلومات السكانية العالمية التابعة للأمم المتحدة لعام 2023.

نسبة السكان المسلمين في النيجر 96% من السكان، بينما أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى نهر النيجر الذي يعبر أراضيها.

ووفقاً لما ذكرته وكالة أنباء الأناضول التركية، فإنّ النيجر هي بلد المفارقات، فعلى الرغم من أنّها تعتبر إحدى أفقر دول العالم وأقلها نمواً على الإطلاق، فإنّ البلد غني بالثروات الباطنية مثل اليورانيوم والذهب والبترول.

ويضيف التقرير أنّ ثروات النيجر هذه تذهب جميعها لتساهم في تمويل مشروعات فرنسا من الطاقة، في مفاعلاتها النووية من أجل إنتاج الكهرباء، وتزويد الاقتصاد والمجتمع الفرنسي بها. فيورانيوم النيجر يمد فرنسا بـ35% من احتياجاتها من الطاقة النووية، وهي تمثل 75% من الطاقة الكهربائية الفرنسية.

ويقول الباحث الأكاديمي محمد أغ محمد إن “النيجر تمتلك كل الموارد الغنية التي يمكن أن تنهض بأي دولة مادياً واقتصادياً، على رأسها اليورانيوم والذهب والبترول”.

ويؤكد “أغ محمد” في مقابلة مع الأناضول، أن “النيجر هي البلد الرابع عالمياً في إنتاج اليورانيوم، وشركة أريفا الفرنسية تعتمد بشكل أساسي عليه، فالنيجر تضيء فرنسا باليورانيوم”.

وتُعد النيجر واحدة من أفقر دول العالم، حيث احتلت عام 2015 المرتبة الأخيرة بين 188 بلداً في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، بينما تشير التقارير الرسمية من وزارة الداخلية في النيجر إلى أن قرابة 43% من النيجريين يعيشون حالة الفقر المُدقع.

تقرير حديث نشرته صحيفة The Times البريطانية في أكتوبر 2022، سلطت فيه الضوء على دولة النيجر، التي تعتبر آخر معاقل فرنسا في غرب إفريقيا، والصراع عليها ضد روسيا.

ورصدت الصحيفة في تقرير لها، إعلان عدد من المقربين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تطبيق “تليغرام” أن النيجر الغنية باليورانيوم هي الهدف التالي لموسكو في غرب إفريقيا.

وأوضح التقرير أنّ النيجر، ستكون الدولة التالية التي تخسرها فرنسا لصالح روسيا في غرب إفريقيا، لا سيما تواجد مجموعة فاغنر الروسية في 9 دول إفريقية، ومن المرجح أن تكون بوركينا فاسو هي العاشرة، والنيجر هي الـ11.

كما لفت تقرير تايمز إلى أنه مع تورط روسيا في الحرب في أوكرانيا وركود اقتصادها، جعل الكثيرون يشككون في إمكانيتها أن تصبح القوة المهيمنة بغرب إفريقيا.

وعلى الرغم من أنّ كل بلد منهما يقع في قارة مختلفة، فإنّ هذا البعد، لم يكن عائقاً أمام أواصر الترابط بين النيجر والعثمانيين، التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.

ووفقاً لما ذكره موقع “رؤية تركية” المتخصصة بالشأن التركي، فإن دخول العثمانيين إلى إفريقيا بدأ في عام 1517 عقب فتح مصر، ولكن هناك روايات تتحدث عن امتداد آثار الأتراك في النيجر إلى بدايات سنة 1400.

وأضاف الموقع أنّه في النيجر هناك جماعة تطلق على نفسها اسم “إسطنبول وا” لا تزال تعيش هناك حتى يومنا هذا، وأنّ هناك اعتقاد بأنّ أصل هذه الجماعة يعود إلى سلاطين الدولة العثمانية.

ووفقاً للرواية الأكثر شيوعاً، فإنّه في بدايات عام 1400، أَرسلت قبائل شمال النيجر، وأغلبها من “الطوارق”، مجموعة مؤلفة من 500 شخص إلى سلطان الدولة العثمانية يطلبون منه الحماية، لكن لم يصل منها إلى القصر العثماني -بسبب وعورة الطرق- سوى خمسة أشخاص فقط، نالوا القبول لدى السلطان، وطلبوا منه ممثلاً يتولى إدارتهم وحمايتهم.

وعلى أثر ذلك أرسل السلطان ابنه يونس، الذي أنجبه من جاريته الإفريقية، إلى هذه البلاد ليكون سلطاناً فيها.

وتُعدّ سلطنة أغادز من أكبر سلطانات النيجر التي جاءت من نسب السلطان ياووز (السلطان سليم)، وبعد هذا لُقّبت طوال التاريخ بجماعة “إسطنبول وا”، وتعني باللغة الهاوسية القادم من “إسطنبول”.

ولا تظهر على طائفة “إسطنبول وا” أي علامات بادية عن أصلهم التركي، وقد اختلط عرقهم بالأفارقة والطوارق والأمازيغ.

ونقلت وكالة الأناضول عن أحد أبناء طائفة “إسطنبول وا”، ويُدعى مصطفى القاضي عماني، أن الأمير يونس التركي أخضع قبائل وسكان أغاديز وما حولها، وجعل عليهم سلطاناً، وقد تزوج من بنات أغاديز وأنجب نسله، الذين يُقدر عددهم الآن بنحو 100 ألف.

ومن سلطنة أغاديز أقام العثمانيون العلاقات مع باقي طوائف المنطقة، ومنها شعب “سلطنة كانم- بورنو”، التي أنشأتها إحدى المجموعات العرقية النيجرية وهم الكانوريون، وتحكم إلى يومنا الحاضر المنطقة التي تقع جنوب وجنوب شرق النيجر بجوار بحيرة تشاد.

وقد أقامت الدولة العثمانية مع سلطنة كانم- بورنو المسلمة عام 1577 اتفاقاً عسكرياً، وهناك رسالة في هذا الشأن أرسلها السلطان مراد الثالث إلى سلطان “كانم- بورنو”، إدريس ألاومو، وقد دعمت الدولة العثمانية من خلال هذا الاتفاق القوة العسكرية لسلطنة كانم- بورنو، ودربت مسلحيها، وأمنت في الوقت نفسه الطرق التجارية.

واستمرت دولة كانم- بورنو، التي تتوزع أراضيها في يومنا الحاضر في تشاد والنيجر، في حكمها لسنوات عديدة، ومن الواضح أنه لم يتبقَّ شيء من أثر العمارة العثمانية إلى يومنا الحاضر.

وبسبب ذلك لا تزال إلى يومنا هذا بعض العلامات التي تشير بوضوح إلى العلاقات الجيدة بين النيجر والدولة العثمانية، سيما رفع شعار الإمبراطورية العثمانية داخل مؤسسات سلطنة أغاديز، أكبر مدن النيجر التي لا تزال تحتفظ بالعديد من العادات العثمانية.

وعلى الرغم من أنّ مُعظم سكان النيجر ينتمون إلى جماعة الهوسا العرقية والفولاني والطوارق والكانوري والتوبو، فقد استطاع “محمد بازوم” أن يصبح أول رئيس للنيجر من الأقلية العربية التي تعيش في البلاد، وذلك في عام 2021.

تنصيب بازوم رئيساً للنيجر، كان حدثاً سياسياً غير مسبوق في تاريخ البلاد منذ استقلالها عن فرنسا قبل أكثر من 60 عاماً، والتي هُزم من خلالها ماهمان عثمان، أول رئيس منتخب في النيجر في الفترة من عام 1993 وحتى 1996، والذي كان يأمل في الفوز بالرئاسة للمرة الثانية، مدعوماً بقبيلة الهوسا القوية التي ينتمي إليها، وفقاً لما أكده موقع “الجزيرة نت”.

وتعتبر دولة النيجر واحدة من أكثر دول العالم التي شهدت انقلابات في تاريخها المعاصر، إذ شهدت 4 انقلابات ناجحة منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960، إضافة إلى العديد من الانقلابات التي باءت بالفشل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *