اقتصاد

صناعة الطيران بالمغرب..آفاق واعدة

يتحول المغرب تدريجياً لجبهة جديدة في مجال صناعة الطيران المدني، حيث لم يجتذب فقط الشركتين العالميتين الكبريين بوينغ الأمريكية وإيرباص الأوروبية، بل العديد من شركات تصنيع الطائرات الأصغر، فكيف استطاعت الرباط ذلك، وما التحديات التي تواجه صناعة الطيران المغربية الوليدة؟

يرى كثيرون أن صناعة الطيران المغربية تسير على خطى صناعة السيارات في البلاد، والتي أصبحت أكبر منتج للسيارات في إفريقيا.

وتضم صناعة الطيران المغربية حالياً حوالي 140 شركة، يبلغ رقم ​​معاملاتها حوالي 2 مليار دولار من الصادرات، وفقاً للأرقام المنشورة في عام 2022، مقارنة بـ15,4 مليار درهم، المسجلة في عام 2021، و12,6 مليار درهم في عام 2020، بحسب ما أفاد به مكتب الصرف . ففي أكتوبر 2022، بلغت قيمة صادرات قطاع صناعة الطيران المغربية نحو 17,6 مليار درهم، أي بزيادة قدرها 45,4% على أساس سنوي.

موطن لسلاسل توريد إيرباص وبوينغ
يوجد في المغرب 24 مطاراً تجارياً، جميعها يديرها المكتب الوطني للمطارات (ONDA)، التي يعتزم استثمار 200 مليون دولار في تطوير وتعزيز المطارات، وتحديداً مناطق الشحن بمطاري الدار البيضاء وطنجة. وسيتم تخصيص جزء كبير من الميزانية لمعدات السلامة والأمن والحركة الجوية.

وفي مقدمة المناطق الصناعية المعنية بصناعة الطيران، منطقة أيروبول النواصر، في إقليم النواصر جنوب الدار البيضاء، ومنطقة ميدبارك القريبة من الدار البيضاء، والتي أصبحتا موطناً لسلاسل توريد شركتي إيرباص وبوينغ في إفريقيا، حسبما ورد في تقرير لموقع African Business.

ولدى بوينغ بالفعل مشروع مشترك مع شركة سافران الفرنسية في الدار البيضاء، لبناء حزم الأسلاك ومعداتها لشركات صناعة الطائرات، بما في ذلك بوينغ وإيرباص.

شوط كبير من التقدم خلال العقد الماضي
قطعت صناعة الطيران في المغرب شوطاً طويلاً خلال العقد الماضي. وتستضيف البلاد مجموعة واسعة من الشركات المصنعة العالمية التي تصنع قطع الغيار لشركات صناعة الطائرات، مثل إيرباص أو بوينغ، حسبما ورد في تقرير لموقع al-monitor. وفي عام 2016، وقع المغرب اتفاقاً مع شركة بوينغ لجذب مورديها لتعزيز صناعة الطيران في المملكة.

واستثمر المغرب بشكل كبير في تطوير قوته العاملة، وحقق قدراً كبيراً من التطور في سلاسل التوريد الخاصة بها. وفقاً للهيئة التمثيلية للصناعة، “GIMAS” فإن معظم الطائرات المدنية واسعة النطاق التي تصنعها الشركات اليوم تحمل مكوناً واحداً على الأقل مصنوعاً في المملكة.

ومن بين أحدث الوافدين الجدد الذين انضموا إلى القاعدة الصناعية المتنامية في المغرب في عام 2023، شركات صناعة الطيران Sabca البلجيكية وPratt & Whitney وHexcel الأمريكيتان وHutchinson الفرنسية، وجميعها تتطلع إلى الاستفادة من المزايا العديدة التي يقدمها المغرب، وسط انتعاش الحركة الجوية العالمية بعد أزمة فيروس كورونا. وباء كوفيد-19.

المصدر الخامس في قطاع صناعة الطيران العالمية
أصبح هذا القطاع متجذراً بقوة في سلاسل القيمة العالمية، مع نمو الإنتاج بمعدل 20% سنوياً من 2014 إلى 2020.

فبالإضافة إلى بوينغ وإيرباص هناك لاعبون دوليون رئيسيون يعملون في المغرب مثل سافران وتاليس الفرنسيتين، وبومباردير إيروسبيس الكندية، وجميعها تستثمر بكثافة في مركز الطيران الناشئ في إفريقيا، وتعمل على إنشاء قدرة إنتاجية صناعية حديثة لتعزيز قدرتها التنافسية، والاستفادة من القوى العاملة الشابة الماهرة.

وفي عام 2016، صنَّفت شركة مازارز، وهي شركة استشارية دولية، المغرب باعتباره المصدر الخامس الأكثر جاذبية في العالم لمورّدي الطيران، والأول في إفريقيا. وقد عزّز التقدم في مختلف قطاعات الإنتاج مكانة المغرب كوجهة رئيسية لمصنعي معدات صناعة الطيران.

وقامت شركة Raytheon Technologies الأمريكية العملاقة بتوسيع موقع فرعها Ratier-Figeac Maroc بنسبة 40% في عام 2019، لتزويد نماذج، بما في ذلك Airbus A320Neo و Boeing 777X.

وفي عام 2021 كان يوجد في المغرب ما يقرب من 140 مورداً للطيران، يوظفون أكثر من 17000 شخص، ولا تزال الحكومة تخطط لزيادة عدد الشركات العاملة إلى 220 بحلول عام 2030، لتوظيف 40000 شخص. كما تطلق GIMAS خطة أطلق عليها اسم “الصناعة 4.0” لتعزيز القدرة التنافسية من خلال التدريب على مهارات التكنولوجيا الفائقة، والرقمنة، واستخدام الطاقة النظيفة للمساعدة في بناء الجيل القادم من الطائرات التجارية.

كيف نجحت صناعة الطيران المغربية في اجتذاب الشركات الكبرى؟
تعمل الحكومة المغربية على جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير القوى العاملة الماهرة من أجل إنشاء صناعة طيران مستدامة.

إذ استثمرت البلاد في تطوير المنصات الصناعية المتقدمة ومراكز التدريب المتخصصة والبنية التحتية لجذب المستثمرين المحليين والأجانب.

ومع تزايد عدد الشركات العاملة في المغرب، زاد الطلب على خدمات صيانة الطائرات. وقد أسهمت عدة عوامل في هذا النمو، حسب تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.

منها الموقع الاستراتيجي، حيث يتمتع المغرب بموقع استراتيجي على مفترق الطرق بين أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط. يتيح هذا الموقع المميز للدولة أن تكون بمثابة مركز لمختلف أنشطة الطيران الإقليمية والدولية.

وهناك أيضاً عامل الدعم الحكومي، حيث قد دعمت الحكومة المغربية نشاط تطوير صناعة الطيران، من خلال تنفيذ المبادرات وتقديم الحوافز لجذب المستثمرين الأجانب. كما استثمرت الحكومة أيضاً في تطوير البنية التحتية، بما في ذلك إنشاء مجموعات صناعة الطيران مثل منطقة ميدبارك الحرة بالقرب من الدار البيضاء.

كما أعطى المغرب الأولوية لتطوير القوى العاملة الماهرة في قطاع الطيران. وقد أنشأت البلاد مؤسسات تدريبية متخصصة، مثل المعهد المغربي للطيران والفضاء، لإنتاج مجموعة من المهنيين المهرة لتلبية احتياجات الصناعة.

ثم هناك الشراكات العالمية، فلقد أقام المغرب شراكات قوية مع شركات الطيران الرائدة، مثل بوينغ، وإيرباص، وبومباردير، وسافران، التي أنشأت مرافق تصنيع في البلاد. ولم تسهم هذه الشراكات في نقل التكنولوجيا فحسب، بل يعتقد أنها عززت أيضاً القدرة التنافسية الشاملة لقطاع الطيران المغربي.

اهتمام بصيانة الطائرات في المغرب
ركزت الحكومة المغربية أيضاً على تطوير البنية التحتية والموارد اللازمة لجذب شركات الصيانة والإصلاح والتجديد (MRO). وتعد تكنوبارك في الدار البيضاء ومدينة طنجة للطيران مثالين على المرافق المغربية التي تلبي احتياجات شركات MRO، ما يوفر بيئة مناسبة للمشغلين لأداء خدمات الصيانة.

وإلى جانب شركات الطيران المذكورة بالفعل، تجتذب المنطقة استثمارات من مجموعة من الشركات، ما يساعد على إنشاء نظام جيد التنظيم للطيران، وتوفير وصول أسهل إلى الخدمات.

وعلى سبيل المثال، توفر شركة Aerotechnic، التي يقع مقرها في أكادير، مجموعةً من خدمات الصيانة والإصلاح لشركات الطيران قصيرة المدى، مع التركيز على قدرات محركاتها من طراز CFM56، الحاصلة على شهادة الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (EASA)، والتي تلبي الخدمات الإقليمية التي تشتد الحاجة إليها لمجموعة متنوعة من أنواع الطائرات.

الاستثمار في التكنولوجيا
ونظراً لأن صناعة الطيران هي قطاع عالي التقنية، فإن الاستثمار في التكنولوجيا يعد جزءاً لا يتجزأ من تحقيق خطوات كبيرة في صناعة الطيران. وفي المغرب، تستخدم شركات مثل Glassbox Technologies النظارات الذكية، والواقع المعزز، لتوفير أنظمة صيانة ذكية.

ويعد “طنجة تك” مركزا تكنولوجيا تم إنشاؤه حديثاً في مجال الطيران، ويضم تقنيات ومرافق متقدمة، ويتوقع تقرير المجلة الأمريكية أنه سيساعد في جلب وظائف أكثر تقدماً ومهارة.

يمكن أن تساعد طرق استكشاف الأخطاء وإصلاحها، وتنفيذ استراتيجيات الصيانة التنبؤية، واعتماد الحلول المستندة إلى الفنيين والمهندسين على زيادة الإنتاجية الإجمالية، وتقليل الوقت اللازم لتصحيح المشكلات.

 عن عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *