متابعات

سوس: إقبار شرطة المقالع..واستمرار استنزاف الملك المائي

صادقت الحكومة على المرسوم رقم 912-18-2 المتعلق بشرطة المقالع، الذي تم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 23 شتنبر 2019، إلا أنه وبعد مرور أربع سنوات على إقرار هذا المرسوم لم يتم تفعيل وإخراج شرطة المقالع إلى الوجود رغم الفوضى الذي يعرفه القطاع. 

وبحسب مضامين هذا المرسوم، فإن هذه المقتضيات الجديدة التي تم إقرارها للقضاء على الممارسات الفوضوية التي يعرفها قطاع المقالع، وذلك باعتماد عدة إجراءات في جميع مراحل استغلال المقالع، بدءا من تحديد المواقع حتى نهاية نشاط الاستغلال. كما عهد المرسوم لشرطة المقالع تحرير محاضر المخالفات، وتوجيهها إلى النيابة العامة ورئيس اللجنة العمالاتية أو الإقليمية للمقالع وإلى المصالح الاقليمية للسلطة الحكومية المكلفة بالتجهيز.

وقد أدى إقبار شرطة مراقبة المقالع إلى استمرار الشركات المستغلة للمقالع بسوس من التهرب من أداء مابذمتها للجهات المعنية، وكذا التأثير سلبا على المحيط الصحي والبيئي للمناطق المستغلة.          

ومن جهة أخرى، سجلت ميزانية عدة جماعات بسوس ضعفا كبيرا في مداخيلها من الرسم المفروض على المقالع، كجماعة زاوية سيدي الطاهر التي تعد من أهم الجماعات التي تتوفر على أكبر المقالع بإقليم تارودانت، حيث تعتمد في مداخيلها الذاتية بالدرجة الأولى على مدخول هذا الرسم، إلا أن المبلغ المستخلص لا يتجاوز ثلاثة وعشرون مليون سنتيم (23). مما يطرح أكبر من استفهام حول دور مجالس الجماعات ووكالة الحوض المائي في ضبط الكميات المستخرجة من المقالع وتحديد مبلغ الرسم المفروض عليها.

إن المتصفح لميزانيات هذه الجماعات المحلية على اختلافها يجد أن قيمة الرسم المفروض على استخراج مواد المقالع يبقى هزيلا مقارنة مع الكميات المستخرجة من هذه المواد، حيث إن هذه الكميات لاتتناسب والطفرة العمرانية التي تعرفها المنطقة.

وقد حدد المشرع الواجبات التي يستوجب على المستفيد من امتياز استغلال المقالع أداءها لوكالة الحوض المائي مباشرة، وتتعلق بالأجرة عن الخدمات المقدمة من طرف الوكالة الحوض المائي وإتاوة استغلال الملك العام المائي، هذا بالإضافة إلى الرسم الجماعي بالنسبة للجماعات المحلية.

وأمام تعدد الجهات المكلفة بمراقبة استغلال الملك المائي والمواد المستخرجة من المقالع، نجد أن الشركات واللوبي المستغل للمقالع يقوم بتقديم تصريحات عن الكميات المستخرجة من مواد البناء مجانبة للحقيقة، وهذا ما يؤدي إلى الإضرار بميزانيات الجماعات المحلية.

وجدير بالذكر، أن جماعة أركانة أقدمت في سنة 2018 على رفض التصريح المقدم من طرف إحدى الشركات المستغلة لأحد المقالع المتواجد فوق ترابها. حيث لجأت الجماعة إلى إجراء افتحاص مضاد لتحديد الكميات المستخرجة، إذ تم تحديد بالضبط كميات المواد المستخرجة، إذ تبين من ذلك الافتحاص أن الشركات عمدت إلى تزوير تصاريحها المودعة لدى إدارة الضرائب، واستطاعت الجماعة في آخر المطاف إلى استخلاص أزيد من 400 مليون سنتيم من الرسم المفروض على المقالع.

إلا أن باقي الجماعات يؤدي التواطؤ المكشوف لرؤسائها مع الشركات المستغلة للمقالع إلى ضعف الرسم الجماعي المفروض على استخراج مواد البناء. وينص قانون المالية الجماعية على الرسم المفروض على مواد البناء المستخرجة من الملك المائي تتمخض عنه واجبات مؤداة لفائدة الجماعات في حدود 90 في المائة من القيمة المصرح بها من طرف المستغلين، ونسبة 10 في المائة المتبقية يستخلصها المجلس الجهوي كرسم مضاف إلى الرسم الجماعي على مواد البناء المستخرجة من المقالع.

إلا أن الملاحظ أن تساهل وغياب مراقبة الجهات المعنية للكميات المستخرجة من المقالع يؤدي إلى قيام الشركات المستغلة للمقالع بالتلاعب في الكميات المصرح بها، مما يضيع مبالغ هامة على مداخيل الجماعات.

وبالمقابل، أدى تزايد استنزاف هذه المواد وإحداث تجويفات إلى التأثير سلبا على المحيط الصحي والبيئي بالمناطق المعنية.. وأمام تزايد المواد المستخرجة من الملك العام المائي فإن مردوديتها المالية بالنسبة للمؤسسات المنتخبة التي توجد فوق ترابها مناطق الإستغلال تبقى هزيلة. ويمكن تصفح بنود مداخيل هذه التراخيص في ميزانية هذه الجماعات ليتبين حجم الإيرادات المسجلة في هذه الأبواب.

إن القضايا المعروضة على القضاء حول النزاعات التي تتمحور حول استغلال المقالع تظهر التسيب الذي يعرفه مجال استغلال الملك المائي، وتبين أيضا عدم تقيد شركات الإستغلال بكناش التحملات الذي يدبر مسألة الالتزامات والحقوق المتبادلة بين الشركات ووكالة الحوض المائي باعتبارها الجهة المسؤولة عن تدبير والحفاظ على هذا القطاع.

فبالنسبة لحوض سوس أدى تزايد الطلب على استخراج مواد البناء إلى تجاوز الكميات المحددة في كناش التحملات الخاص باستغلال المقالع، وإلى إحداث تجويفات بالأودية والتي من شأنها أن تهدد حياة سكان المناطق المعنية، بالإضافة إلى التأثيرات على المحيط البيئي، والاستغلال المفرط للمياه الجوفية.

إن عجز الجهات الوصية على هذا القطاع على فرض القانون تجاه تجاوزات أصحاب المقالع يعد تقاعسا مفضوحا من طرف مؤسسات عمومية في أداء مهامها، كما يساهم هذا العجز في استمرار غلبة اقتصاد الريع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *