تربية وتعليم

البياز يكتب:”النظام التعليمي … مداخل الإصلاح”

إن المتتبع للشأن التعليمي ببلادنا، أو غير المتتبع، لا يمكن أن ينكر الصدى الواسع الذي أثارته التوقفات الدورية عن الدراسة بالمؤسسات العمومية على مدى أسابيع و ما صاحبها من هواجس و تخوفات بشأن مآل السنة الدراسية أمام عجز الجهات الوصية على القطاع على إيجاد الحلول المناسبة للإشكالات المطروحة.
يُحيلُ هذا المدخل إلى الحديث عن الإضرابات “الأستاذية” التي طغت منذ أسابيع على المشهد المجتمعي المُتناغم مع مجريات الأحداث المتسارعة، هذه الاضرابات التي لا يمكن إلا أن تحيل على الإقرار بوجود أزمة حقيقية في قطاع التعليم، تمظهرت في أشكال توتر واحتقان عنوانه رفض ما سمي بالنظام الأساسي الجديد، يقابله خطاب عنوانه الآذان الصماء…
الضاهر أن هذا “المخاض” التعليمي، “خبزي محض”, لكن المُستنبطَ لمكنونات موادّ هذا النظام الأساسي الجديد، سوف يعي جيدا ماهية الخطاب الذي تم تبنيه في صياغة بعض هذه المواد… هو خطاب أبعد ما يكون في صياغته عن القوانين المؤطرة لفئات اجتماعية أخرى من موظفي الدولة في المجالات الصحية و غيرها. هو نظام أُريد له أن يكون أساسيا، مُوَحِّدا و مُوَحَّدا، لكنه، حسب المحتجين، كان أقرب ما يدعو إلى التشتت و التفرقة منه إلى الإجماع والتكتل، و مُجانبا بالتالي للإصلاح المرحلي المنشود الذي يجب أن ينأى، في هذه الظرفية الحرجة على الأقل، في ظل السياق الاجتماعي والاقتصادي المتسم بالتوتر والتوجس جراء ارتفاع معدلات التضخم، عن كل ما من شأنه خلق التفرقة داخل قطاع التعليم، ويترفع عن كل الممارسات و المزايدات التي لن تزيد الساحة إلا توترا.
من ناحية أخرى، و باستحضار الموضوعية و المنطق، يجب الجزم بأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال التطرق و الإسهاب في الحديث عن إصلاح منظومة التربية و التكوين، أو إصلاح شق منها كما هو الحال، فقط من زاوية «خبزية” ضيقة تضع من بين أهدافها إتاحة الفرصة مثلا، لإمكانية التدرج “السلس” بين السلالم و الدرجات و الهيئات و صرف التعويضات التكميلية عن المهام الثانوية أو غيرها (دون الخوض العقيم في مسألتي الأحقية و التعميم). ليس المقصود أن هذه المداخل لا جدوى منها، إنما يستلزم اعتبارها من المسلمات، أخذا بالحقوق المخولة لباقي موظفي مؤسسات الدولة. لكن الحقيقة هي أن إصلاح النظام التربوي، من “منظور جزئي فقط” للإصلاح، لا يمكن أبدا أن يتم بمعزل عن إصلاح البيئة التي تشكل وعاء هذا النظام، بكل مكوناتها وترابطاتها و تجاذباتها الثقافية و الاجتماعية و السياسية…
الأمر يستلزم إذن إرادة صادقة و قوية من أجل التغيير و الإصلاح الحقيقيين، إرادة تقطع مع التمثلات المتداولة من طرف “الجمهور”, من قبيل سيادة منطق تبخيس المهام و الاستخفاف بمن أوكل إليهم صناعة الأجيال. إرادة صادقة من أجل تشريفهم، وتحسين ظروف عملهم، وتوفير “جميع” الحاجيات اللازمة لاشتغالهم و إيفائهم حقوقهم غير منقوصة، عند ذلك يحق لنا محاسبتهم و مساءلتهم على المسؤولية الملقاة على عاتقهم.

فالتغيير الحقيقي إذن يجب أن يبدأ بإرادة رد الاعتبار للمدرسة العمومية ولمهنة التدريس، ويكفي أن معظم كوادر اليوم هم أبناء هذه المدرسة و نهلوا من حلمة التعليم العمومي و استطاعوا أن يبصموا أسماءهم في المجالات العلمية و الفكرية و غيرها.

لكن رد الاعتبار الحقيقي للمدرسة و المدرس يستلزم مبدئيا، “إرادَة” يُلزَم فيها “الجميع” بالكف عن قصف قدسيتهما و توقير من يستوجب الانحناء لهم، احتراما، و تقديرا، و إجلالا، لأفضالهم عليهم…


د. عبد الواحد البياز
مختص في هندسة التربية والتكوين والاستراتيجيات المعلوماتية بنظم المعلومات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *