ثقافة وفن

الرواية النسائية…3 أسئلة للأديبة والناقدة التونسية فتيحة دبش

في الثالث عشر من شهر أكتوبر 2020، لم تتخلَّف الأديبة، والناقدة التونسيّة، المقيمة في فرنسا: فتحية دبش، عن الموعدِ الذي ضربه لها التاريخ، كي يتوجها فيه على عرش الروائيين العرب. ففي ذلك اليوم المشهود، فازت روايتها «ميلانين»، بأهم وأغلى جوائز الأدب العربي: جائزة “كتارا” للرواية العربية بقطر، البالغة قيمتها 60 ألف دولار أمريكي.

وكما لم تُخلف “فتحية دبش” موعدها مع التاريخ، لم يكن مسموحًا لجريدة “مشاهد”، أن تُخلف بدورها موعدها الخاص مع التاريخ، حين أتيحت لها أول فرصةٍ لمحاورة هذه الأديبة المسكونة بشجون الإبداع… فكان أن أجرت معها الحوار الآتي، حول قضايا الكتابة السردية، حين تكون مُقْتَرفَةً بأقلام النساء..

بعد أن تمكنت المرأة من اقتحام عوالم السرد الروائي، وتحريرها من سطوة الاحتكار الذكوري، هل يمكننا اليوم الحديث عن سرد نسوي مكتمل الأركان بشمال أفريقيا؟ أم أن فعل السرد، في نظرك، فعل إنساني يتعالى عن الخصوصيات الجندرية؟

في الحديث عن السرد النسوي يجب، بنظري، أن نرفع اللبس القائم بين المصطلحين: النسوي والنسائي، إذ غالبا ما ألاحظ خلطا بينهما حتى عند النساء الكاتبات. فالكتابة النسائية لا تعدو أن تكون تلك الكتابة التي تنتجها النساء، وليس بالضرورة أن تكون نسوية. وأما الكتابة النسوية فهي لا تتعلق بنوع الكاتب/ة، إذ قد يكون أنثى كما قد يكون ذكرا متعاطفا مع النسوية، أو ما يسمى عند الغرب بالرجل المفكك ( homme déconstruit)، بل بوعيه وقضاياه التي تطرح واقع النساء المضطهدات، وكل أشكال الحيف الذي يتعرضن له، سواء بسبب النوع وحسب، أو بسبب النوع، واللون، والطبقة الاجتماعية، والاقتصادية، والجنسانية. بل تتعدى ذلك لتكون فلسفة تفكير تهدف إلى فضح كل أشكال العنف الذي يتعرض له المهمشون والمهمشات. والكتابة بشكل عام هي فعل ذكوري بالمجمل، إذ لا يقابل النسوية كتابة فحولة، أو ذكورة، بل هي قامت كمعادل للمركز، حيث الكتابة مشغل واشتغال يحتكره الرجل/الفحل احتكارا كاملا.

من هذا المنطلق يمكن القول بأن النساء في شمال أفريقيا، والمغرب الكبير، قد أسَّسْنَ قولهن السردي، واهتممن بسرد موضوعاتهن في شقيها الذاتي والموضوعي. لقد تحررت النساء النسويات من هيمنة السرد المبرقع، واقتحمن أسوار الممنوع، والمحظور، من أجل تصدير رؤاهن لذواتهن الكاتبة، ولذواتهن الفاعلة، بعد أن كنَّ مفعولًا بهن. وإذا كانت الكتابة لا جندرية، فهي بالضرورة منتمية في الكثير من حالاتها إلى فلسفات كبرى كالنسوية، حتى عندما تنكر النساء ذلك خشية من التصنيف ودرءا لتهمة الخروج عن الدوائر التاريخية المسموح بها للنساء، وحتى وإن كان من الصعب الحديث عن أدب نسوي متكامل الأركان بنظري.

المرأة على الدوام لديها بصمتها الخاصة، المميزة لها عن بصمة الرجل في كل المجالات. أين تتجلى البصمة الأنثوية للمرأة الكاتبة في الإبداعات السردية في شمال أفريقيا؟

قد نحتفي ببصمة النساء الكاتبات وببصماتهن الخاصة في السرد عندما نحاول استخلاص الكائنية في الكتابة. فنستدل على الأنثى الكاتبة من خلال عنايتها بالتفاصيل مثلا، وبدقة الوصف، وروح الوجدانية التي قد تطغى على لغاتهن السردية. غير أن ذلك يبقى مجرد اجتهاد بنظري، إذ كثيرا ما نقرأ نصوصا لا نخمن كاتبها من كاتبتها بسبب القدرة الإبداعية لكاتبها أو كاتبتها.

إذا كانت الكتابة السردية في جوهرها قائمة على فعلي التقويض والتفكيك.. تقويض الأصنام الثقافية، وتفكيك الأنساق الاجتماعية. فكيف يمكن للروائية / الأنثى أن تمارس فعل التقويض داخل حقل ثقافي شمال إفريقي ملغوم بيقينيات الفحولة، ومحكوم بإملاءات الذكورة؟

الكتابة القائمة على فعلي التقويض، والتفكيك تقتضي بالضرورة كاتبةً، أو كاتبًا يحمل حدًّا أدنى من الوعي بالعمليتين، وبالتالي يكون له مشروعه الواعي من الكتابة. وتقويض الأنساق يقتضي هو الآخر وعيًا بالأنساق في حد ذاتها. وبما أن الحقل الثقافي في شمال أفريقيا متشعب أشد التشعب، فإن النجاح في التقويض والتفكيك، يبدأ أولا من تحرر الكاتبات من الرقابة الذاتية، التي هي من مخلفات الأنساق. والتخلص منها ليس بالأمر الهين. غير أن ما يمكن قوله بصفة عامة، هو أن الكاتبات الشمال أفريقيات نجحن إلى حد كبير في اقتحام عوالم السرد بتهديد الهيمنة الذكورية، وافتكاك الحق في الخطاب والصوت، ولعل ذلك يعود بالأساس إلى انفتاح تجاربهن على تجارب الكاتبات الغربيات من جهة، ومن جهة أخرى إلى تعاضد التجارب، وتناسلها، وبالتالي أصبح لهن خطهن السردي والنقدي أيضا.

حاورها: عبد الله الفرياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *